مخالفة أنظمة الإقامة والعمل والعمال
حسين بن حمزة حسين
الحمد لله رب العالمين....
خصّ الله بلاد الحرمين بخصائص ومزايا بأن جعلها مهْوى قلوب المسلمين قاطبة ، ومحط أنظارهم ، حتى كانت أمنيةً لكثير من أبناء المسلمين للعمل فيها ، لما حباها من أمن وإيمان ، وكسب القرب والصلاة بأقدس بقاع الأرض - الحرمين الشريفين – المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أرض شعّ منها نور الإسلام ، وأنارت بنور الإيمان مشارق الأرض ومغاربها ، ولذلك تكاثرت العمالة والعمال طلبا للقمة العيش والنيل من خيرها دنيا ودين فينالوا بها الدنيا والآخرة .
إخوة الإيمان : لا يخفى عليكم من الأمانة الوفاء بالعقود ، وعلى كلّ من العامل وصاحب العمل أن يفيا بما تعاقدا عليه ، والتزما به ما دامت عقودهما موافقة لدين الله ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ، وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) ،فعلى رب العمل أن يلتزم بالأجرة ونوع العمل ومقداره وزمنه حسب الاتفاق ، والعامل عليه أن يلتزم بالقيام بما وُكل إليه على أحسن وجه ، فيأمن صاحب العمل ويأمن العامل والنجاح للجميع ، والحمد لله ، قال صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه ) ، والظلم ظلمات يوم القيامة، فما بالك بمن يسير في الظلمة في يوم يحتاج فيه الجميع إلى بصيص من نور يضيء له طريقه المليء بالعقبات والأشواك والنيران، لا يكاد يضيع فيه الإنسان قدمه إلا ويجد له ناهشًا يمزقها كل ممزق، ولا يدعها إلا وقد أكلتها الجحيم .
إن في بلادنا قطاعًا عريضًا من البشر لا يبالون من أي المال أكلوا أو أطعموا أبناءهم، أمن كد الفقير وتعبه، أم من حق العامل وسعيه، لا يبالون في أي أودية النار هلكوا، لذا تراهم يتطاولون على موظفيهم وعمالهم كأنهم ملكوا الدنيا بلا حساب ولا عقاب، فيمنعون أصحاب الحقوق حقوقهم، ويحملونهم فوق طاقتهم، ويماطلون في أداء ما لهم من رواتب وأموال، حتى يضطر العامل إلى طرق باب السميع العليم الذي لا يغفل ولا ينام، فتلتهم صاحبَ العمل صواعقُ الدعاء وهو لا يدري ، حينما يتَمادى الظَّالم في ظُلْم الضَّعَفة من العُمَّال وغيرهم ممن لا يستطيعون أخْذَ حَقِّهم؛ لضعفهم أو لخوفهم من مَفْسدة أعظم من أخْذِ الحقِّ كالتَّسفير والتعذيب ، يَنسى هذا الظالم قُدْرة الله عليه، وأنَّ الله أقدر عليه من قدرته على هؤلاء الضَّعَفة، قال أبو مسعود البدري: كنتُ أضرب غلامًا لي بالسَّوط، فسَمِعتُ صوتًا من خلفي: "اعْلَم أبا مسعود" فلم أفهم الصَّوت من الغضب، قال: فلمَّا دنا مني إذا هو رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود"، قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: "اعلم -أبا مسعود- أنَّ الله أقدر عليك مِنْك على هذا الغلام"، قال: فقلتُ لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. فهل قال الظَّالم: لا أظلم أحدًا أبدًا بعد سماعي لهذا الحديث!! ، قد هانت الأخلاق عند كثيرين بعد هوان التقوى في حياتهم، وأعماهم بريقُ المال عن إدراك خطر الظلم وبخس الناس حقوقهم. لقد تعامل كثير من الناس مع العمال وكأنهم آلات لا رحمة ولا شفقة ولا إحسان، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "إخوانكم خوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
فيا مَن تظلم العُمَّال وتستوفي العمل منهم وتَبْخَسهم حقَّهم، فتمنعهم الحقَّ كُلَّه أو بعضه، اعْلَم أنَّ خَصْمَك الله يوم القيامة، فخِبْتَ وخَسِرت إن متّ على ذلك ، فبادر إلى التوبة، ورُدَّ المظالم وتحلَّلْ منهم، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا قال الله تعالى: "ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يوم القيامة؛ رجل أعطى بي ثم غَدر، ورجل باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعْطِه أجره" ، ومن صور ظلم العمال إكلالهم وإتعابهم في العمل ما لا يطيقون ، وتغيير عقودهم لأعمال رديئة غير المتفق عليها ، وبيع الفيز والتأشيرات على العمال بمبالغ باهظة ، لا يستطيعها الموظَّف فضلًا عن عامل فقير غريب ، واستقدامهم وإلقاؤهم في الشوارع والطرقات ، ومطالبتهم بدخل شهري، ولا يوفّر لهم الكفيل أو المؤسسة السكن المناسب ، ولا أقل الخدمات الضرورية التي ينصّ عليها نظام العمل والعمال في المملكة، بل يُجْمَعون في غرف ضيقة لا تفي بأدنى متطلبات الحياة، مما يهيئ الفرص لحصول الجرائم الاجتماعية والأخلاقية ، ومن صور ظلمهم التسلط عليهم واحتقارهم وسبُّهم وشتمهم، بل ضربهم في بعض الأحيان دون مخافة الله ،
عباد الله: قال الله تعالى فيه: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ), [الأنبياء:47].
أخي العامل : اتق الله في نفسك ، اتق الله في عملك ، اتق الله فيما تعمل ، وتأخذ من مال ، فإن الله سائلك من أين اكتسبته ، واعلم أنها أمانة في عنقك وأنت مسؤول عنها ، قال تعالى (إن الله يأمركم أت تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وقال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين....
إخوة الإيمان : الأضرار والمفاسد التي تترتب على تشغيل العمالة غير النظامية أو عند غير من استقدوا له ، و إيوائهم والتستر عليهم ، ممّن هم مخالفي نظام الإقامة جناية على الوطن والمواطنين والمقيمين ، فعلى الوطن : ارتكاب بعض المخالفين من ضعاف النفوس جرائم أمنية ، وأخلاقية ، وجنائية ، بل وحتى الدعوة إلى أديانهم الباطلة ، وأفكارهم المنحرفة ، والتغرير بأبناء المسلمين من مواطنين ومقيمين وإفسادهم ، مما يهدد أمن المجتمع ، وينشر الرذيلة والفساد ، وهذا من أعظم المفاسد والشرور ، ومنها استخدام بعضهم من قبل جهات أجنبية معادية لدين هذه البلاد ووطنها للإضرار بأمنها واستقرارها ، وجناية على المواطن والمقيم فكثرة العمالة السائبة يؤدي إلى كثرة الفساد وكساد سوق العمل ونشر الفوضى وحرمان من يستحق العمل ، وقد يستغل المخالف وما في قلبه من كرهه للبلد لأنه منبوذ بين أهلها لمزاولة بعض النشاطات التجارية أو الصناعية والزراعية بطريقة فيها إضرار بمصالح البلد وغيرها من الشرور والمفاسد
ويتحمل صاحب العمل المتسبب كفلا كبيرا من الإثم ، قال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )