محنة الإمام السرخسي - أ.ممدوح إسماعيل
الفريق العلمي
سُجن 15 سنة من أجل فتوى أفتاها، فلما سجن أملى كتابه المبسوط في الفقه الحنفي حوالي 15 مجلد. فرحمه الله رحمة واسعة.
إنه الإمام السرخسي من أكابر علماء الإسلام والمذهب الحنفي هو أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرَخْسِي -رحمه الله-.
بلده: سَرَخْس -بفتح السين والراء- وهي مدينة قديمة بين مَرْو ونيسابور، فتحها عبد الله بن حازم السلمي الأمير من جهة عبد الله بن عامر بن كربز زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
مولده ونشأته:
ولد في سرخس، وانتقل إلى أوزكند وهي بلدة في ما وراء النهر من نواحي فرغانة وانتقل إلى بلاط خاقانها (قصر الحكمً).
محنته: بسبب كلمة حق لله كان فيها من الناصحين سالكا فيها طريق الراسخين صادعا بالحق لتكون له ذخراً إلى يوم الدين ألقي به في السجن سنة 466هـ؛ لأنه أفتى بأن زواج الخاقان (الملك بلغة الترك) بعتيقته قبل أن تمضي عدّتها حرام.
(لم يتردد السرخسي في كلمة الحق والفتوى رغم أنها كانت ضد رغبة الملك والآن كثيرون في بلاد المسلمين يصنعون صنعا الفتاوى إلى تخالف الشرع إرضاء ملك في الأرض ولا يخافون ملك السموات والارض)؛ فغضب الحاكم وأمر باعتقاله وسجنه وقضى في السجن 15 عاماً.
وفي السجن لم يمض وقته في الحزن بل استعان بالله وجاهد بما يستطيع واستغل وقته؛ وجاهد بعلمه فأملى الإمام السرخسي كتاب المبسوط في خمسة عشر مجلدا وأملى شرح السير الكبير للشيباني في مجلّدين.
فلما بلغ كتاب الشروط أطلق سراحه فذهب إلى مرغينان في ربيع الأوّل سنة 480هـ، وأتم شرح السير الكبير في جمادى الأولى من السنة نفسها.
قال في المبسوط عند فراغه من شرح العبادات هذا آخر شرح العبادات بأوضح المعاني، وأوجز العبارات، إملاء المحبوس عن الجمعة والجماعات.
وقال في آخر كتاب الطلاق، هذا آخر كتاب الطلاق المؤثر من المعاني الدقاق، أملاه المحبوس عن الانطلاق المبتلى بوحشة الفراق، مصليا على صاحب البراق، -صلى الله عليه وآله وصحبه- أهل الخير والساق، صلاة تتضاعف وتدوم إلى يوم التلاق، كتبه العبد الربي علي السقاق.
وقال في آخر كتاب العتاق انتهى شرح العتاق من مسائل الخلاف والوفاق، أملأه المستقبل للمحن بالاعتناق المحصور في طرق من الآفاق حامدا للمهيمن الرزاق، ومصليا على حبيب الخلاق، ومرتجى إلى لقائه بالأشواق وعلى آله وصحبه خير الصحب والرفاق.
وقال في آخر شرح الإقرار، انتهى شرح كتاب الإقرار المشتمل من المعاني ما هو سر الأسرار، وإملاء المحبوس في موضع الأشرار مصليا على النبي المختار.
أفرج عنه عام 480 هجرية وتوفي عام 490هجرية -رحمه الله رحمة واسعة-.
مصنفاته:
1 - المبسوط في الفقه في نحو خمسة عشر مجلدا ،إملاء من خاطرته من غير مطالعة كتاب ولا مراجعة تعليق.
2 - كتاب في أصول الفقه جزآن ضخمان ، (مطبوع ).
3 - شرح السير الكبير في جزأين ضخمين ، أملاهما وهو مسجون في الجب فلما وصل إلى باب الشروط حصل الفرج، فأطلق فخرج في آخر عمره فأكمل إملاءه بعد خروجه، (وهو مطبوع) ويعتبر من أفضل وأول كتاب في القانون الدولي الإسلامي في العالم وترجم إلى لغات عديدة واعتمد عليه آلاف العلماء والباحثين في القانون والعلاقات الدولية في العالم وهو كتاب يعد مفخرة للمسلمين على العالم كله فلم يكن يوجد في العالم كله قانون للعلاقات الدولية والسلم والحرب وقد طبعته جامعة الدول العربية عدة طبعات من 35عام ويحتاج الكتاب إلى شرح جديد بإسقاط على الواقع المعاصر لما فيه من علم ورؤية وقواعد شرعية عظيمة رضي الله عن الإمام السرخسي.
أخي القارئ: في كل مكان وفي أي حال، كلمة الحق لها ضريبة دفعها كثير من الأئمة والعلماء لنصرة الإسلام والحق فكانت كلماتهم منارة للسالكين الطريق؛ تبدد عنهم الظلمة والوحشة منهم على سبيل المثال لا الحصر السرخسي والإمام أحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام والبويطي وابن تيمية وسيد قطب -رضى الله عنهم أجمعين- وغيرهم كثير تعرضوا للإيذاء والبلاء فثبتوا وصبروا لله واستمرت كلماتهم ومواقفهم نورا يهتدى به السالكين درب الحق.
المصدر: طريق الإسلام