محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
موسى بن عبدالله الموسى
1443/11/09 - 2022/06/08 14:46PM
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخطبة الأولى
أيُّها المؤمنون: لقد أرسل الله نبيه محمدًا بالبينات والهدى، فأصلح به القلوب، وجمع به الشتات، وأنار به الطريق، فلم يكن خيرًا صالحًا للعباد إلا ودلَّهم عليه، ولا شرًا إلا حذرهم منه، لم يقبضه ربه إلا بعد أن أكمل به الدين وأتمّ به النعمة، هو منة من الله لعباده أجمعين.
وصدق الله: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].
كان بالمؤمنين رحيمًا؛ لم يُخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وصارت شريعته أيسر الشرائع وأكملها، فرض الله على أمته خمسين صلاة، في كل يوم وليلة، فراجع ربه حتى خففها الله برحمته فصارت خمسًا.
لا يمل قارئ سيرته، ولا يسأم مكرر أخباره، اصطفاه ربه فجعله أفضل رسله، وأنت تقرأ في القرآن نداءات الله لأنبيائه بأسمائهم إلا محمدًا، فيناديه بأعظم أوصافه: (يا أيها النبي)، (يا أيها الرسول) رفعه ربه حتى بلغ سدرة المنتهى عندها جنة المأوى.
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن: أشهد
وشق له من اسمه ليُجله *فذو العرش محمود، وهذا محمد
أيُّها المؤمنون: لقد أرسل الله نبيه إلينا هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، يُبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا.
جعل الله أمته أشرف الأمم، وكل نبي تعجّل دعوته إلا نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- ادخرها شفاعة لنا يوم القيامة، أعطاه الله لأمته ما لم يعطِ أحدًا قبله رحمة منه وفضلًا.
لقد أوذي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وما يؤذى أحد، وأُخيف وما يخاف أحد، لحقه من الأذى من قومه ما لم يلحق أحد سواه، شج رأسه، أدميت عقبيه، وضع له السم، وسُحر –صلى الله عليه وسلم-، بل واخرج من بلده طردًا، واختبأ في الغار، وكان يبيت طاويًا من الجوع، ويضع الحجر على بطنه، كل هذا حتى يُبلّغ رسالة ربه، فبلغنا هذا الدين العظيم صافيًا واضحًا.
لقد منَّ الله على هذه الأمة بأن أكرمها بهذا النبي العظيم؛ فغشيتها أفضاله، وعمَّها الله برحمته، فهي الأمة المرحومة، أقل الأمم أعمارًا، وأعظمها أجورًا، يدخل الجنة منها أكثر من الأمم كلها.
فقد روى مسلم في صحيحه: "أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 36]، وَقَالَ عِيسَى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118] فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي، اللَّهُمَّ أُمَّتِي» وَبَكَى –صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ اللَّهُ –عزَّ رجل-: يَا جَبْرَئِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَاسْأَلْهُ مَا يُبْكِيهِ؟ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ اللَّهُ –تعالى-: يَا جَبْرَئِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَقُلْ لَهُ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ"().
هو الشافع المشفّع يوم القيامة، له المقام المحمود، والحوض المورود، ولا يزال يشفع لأمته ويدعو ربه (أمتي، أمتي) حتى لا يبقى في النار أحدٌ قال: لا إله إلا الله.
من أمته سبعون ألفًا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، أمته هي المرحومة، الآخرون السابقون يوم القيامة، من أطاعه فقد أطاع الله، ومحبته تابعة لمحبة الله، من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
الخطبة الثانية
أما بعد...
أيُّها المؤمنون: هذا هو نبيكم، وهذا هو بعض فضله وخيره، محبته غريزة في قلب كل مؤمن، وهي من مقتضى الإيمان، بل إنه قال وصدق: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»() كما جاء في الصحيحين.
لقد أجمع عقلاء العالم أن محمدًا –صلى الله عليه وسلم- هو الرجل الأول في خلقه وفي علمه وفي دينه، وأن محبته فرضٌ على القلوب، وأنه صادق في وعده، وأتباعه خير العالمين بعد النبيين.
إن أعداء الإسلام لما في قلوبهم من الحسد والحقد يشوشون على الناس، ويؤذون أتباع محمد –صلى الله عليه وسلم- بالقدح به تارة، وبالتعريض به مرة أخرى، وهذا هو ديدنهم منذ الزمن الأول، ألم يقولوا بأنه ساحر، وكاهن، وشاعر، ﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ [القمر: 9]، وقالوا في أصحابه: ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: 11]؟!
إن المؤمنين يمتحنون في محبتهم لنبيهم –صلى الله عليه وسلم-، ليرى الله صدق محبتهم وإلا فوالله لن يضر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما فعلوا وقالوا وعاقبته خير للمؤمنين.
لقد أوذي –صلى الله عليه وسلم- في عرضه، فقال الله –جلَّ في علاه-: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النور: 11].
إنه علامة على ماتكنه صدورهم من الغيظ بانتشار دينه وكثرة اتباعه وسرعة انتشار دينه، وهي فرصة لتكثير الكلام وتعريف الناس بسيرته صلى الله عليه وسلم.
فاللهم إنا نسالك بعزك الذي لا يُرام، وبملكك الذي لا يُضام، ونتوسل إليك بمحبتنا لنبيك محمد –صلى الله عليه وسلم- أن تنتصر لنبيك من المستهزئين، وتجعلهم عبرة للمعتبرين.
وختامًا عباد الله فإننا نسمع بين المرة والأخرى بأن أهل السنة لا يحبون نبيهم لعدم احتفالهم بمولده؛ ووالله لم يمنعهم من ذلك إلا قوله –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»().
فما دام أنه لم يفعله هو، ولم يفعله أحب الناس إليه صحابته رضوان الله عليهم، وأنه لم يحدث إلا بعد انقضاء خير القرون، ولو كان خيرًا لفعله ولفعلوه، علمنا أنه ليس من محبته وإنما هو مخالفة لهديه –صلى الله عليه وسلم-.
فاللهم احشرنا في زمرة نبيك محمد –صلى الله عليه وسلم-.
المرفقات
1654699576_4_5839071797701512782.pdf