محرم ويوم عاشوراء 5-1-1443
محمد آل مداوي
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيرا. أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، فإنَّ مَن اتَّقى اللهَ وَقَاه، وكَفَاهُ عَذَابَ آخِرَتِه وفِتَنَ دُنيَاه.
أيُّها المسلمون: هَا أَنتُمْ ودَّعْتُمْ عامًا، وتَستقبِلونَ عامًا آخَر، وذلك كلُّه مِنْ أعمالِكُم وأعْمَارِكُم، عَامًا مضى بما أودَعتُموهُ مِنْ عَملٍ، فمَنْ أحسَنَ فلْيَهنَأْ، ولْيَحْمَدِ الله ولْيَزْدَدْ، وخيرُ الزَّادِ التقوى، ومَنْ كانَ غيرَ ذلك؛ فلا يَزالُ في الأجَلِ فُسْحَةٌ، فلْيَسْتَعْتِبْ، وربُّكم يَتوبُ على مَنْ تابَ.
اللهم اجعل عامَنا عامَ خيرٍ وبرَكة، وأيامَنا أيامَ أمنٍ وأمان، وسلامةٍ وإسلام، اللهم وفِّقنا فيه لصالحِ العمل، وجنّبنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن، يا رب العالمين.
عبادَ الله: ها أنتُم في عامٍ جَديد، بدايتُه شهرٌ حَرام، ونهايتُه شهرٌ حرام.. فشَهرُ مُحرَّم مِنَ الأشهُرِ الحُرمِ، التي قال اللهُ فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنه: "فجَعلَهُنَّ حَرَامًا، وعظَّمَ حُرُمَاتِهنّ، وجعلَ الذَّنْبَ فيهنَّ أعظم، والعمَلَ الصالحَ والأجرَ أعظم".
ومِنْ فضائلِ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم: أنَّهُ يُستَحَبُّ الإكثارُ فيه مِن صيامِ النَّافِلَة، قال r: "أفضَلُ الصِّيامِ بعدَ رمضانَ: شهرُ اللهِ المُحَرَّم".
ومِنْ فضائلِه أيضا: أنَّ فيهِ يومُ عَاشُورَاء، وهو يَومٌ عَظِيمٌ، وَصِيَامُهُ عَمَلٌ صَالحٌ، وَسُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ كَرِيمَةٌ، سُئِلَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما عن صِيَامِ عَاشُورَاءَ فقال: ما عَلِمتُ أنَّ رسولَ اللهِ r صامَ يومًا يَطلُبُ فَضلَهُ على الأيَّامِ إلاَّ هذا اليومَ.
وبَيَّنَ عليه الصلاةُ والسلامُ أنَّ صِيَامَ هذا اليومِ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ كامِلَةٍ، فقال: "صِيَامُ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبلَهُ".
وإنَّ مِنَ السُّنَّةِ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- أنْ يُصَامَ مَعَ عَاشُورَاءَ يومٌ قَبلَهُ أو بَعدَهُ، فَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: حِينَ صَامَ رسولُ اللهِ r يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قالُوا: يا رسولَ الله، إنَّهُ يومٌ تُعَظِّمُهُ اليهودُ والنَّصَارَى، فقالَ رسولُ اللهِ r: "فإذا كانَ العَامُ المُقبِلُ إن شاءَ اللهُ صُمنَا اليومَ التَّاسِعَ"، قال: فَلَم يَأتِ العَامُ المُقبِلُ حتى تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ r.
ورَوى البخاريُّ في فَضلِ يومِ عاشوراء؛ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبيُّ r المدينةَ فرَأى اليهودَ تَصومُ يومَ عاشوراءَ، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالِحٌ، هذا يومٌ نجَّى اللهُ بني إسرائيلَ مِن عَدوِّهم، فصَامَهُ موسى. قال: فأنا أَحَقُّ بموسى منكم، فصَامَهُ وأَمَر بصِيَامِه.
قال الله في بياَنِ بعضٍ مِن أحداثِ ذلك اليوم العظيم: (وَأَوحَينَا إِلىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُتَّبَعُونَ * فَأَرسَلَ فِرعَونُ في المَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخرَجنَاهُم مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَورَثنَاهَا بَني إِسرائِيلَ * فَأَتبَعُوهُم مُشرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ * فَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنِ اضرِبْ بِعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظِيمِ * وَأَزلَفنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنجَينَا مُوسَى وَمَن مَعَهُ أَجمَعِينَ * ثُمَّ أَغرَقنَا الآخَرِينَ * إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد r، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعدُ أيُّها المسلمون: فالْزَمُوا تقوَى اللهِ في سِرِّكُم وجَهْرِكُم، وفي جميعِ شأنِكُم، واعلموا أنَّ تَرْكَ الخطيئةِ خَيرٌ مِن طَلَبِ التوبة، ورُبَّ شَهوةِ سَاعةٍ أورَثَت حُزنًا طَويلًا، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
فَاتقوا الله -عباد الله- واقتَدُوا بِنَبِيِّكُم r وصُومُوا عَاشُورَاءَ، والذي سَيوافِقُ الخميس القَادِم، وصُومُوا التَّاسِعَ وهو يومُ الأربعاء، أو الحَادِيَ عَشَرَ وهو يومُ الجُمُعة، أو كِلاهُمَا مَعَ عَاشُورَاءَ، فإنَّ اللهَ لا يُضِيْعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً، ومَنِ اقْتَصَرَ على صيامِ اليومِ العَاشرِ فلا حَرَج.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيلِه- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، اللهم وعُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه وولي عهده لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وأصلح لهم البطانة، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجالَ أمننا، وانصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم احفظهم بحفظك التام، واكلأهم بعينك التي لا تنام، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1628784599_خطبة 5-1-1443 محرم ويوم عاشوراء.docx