محرم وعاشوراء بداية

ابو احمد
1433/01/06 - 2011/12/01 09:44AM
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهفلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعــد:ـ
عباد الله
ها نحن نعيش ايام شهر عظيم مبارك هو شهر الله المحرّم أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ .
- وقد دل على فضل الصيام في هذا الشهر عموما حديث
أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ)) رواه مسلم.
- ودل على فضيلة يوم عاشوراء خاصة حديث
ابْنُ عَبَّاسٍ t قَالَ: ((مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ e يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ)) وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ.
وعنه t قَالَ: ((قَدِمَ النَّبِيُّ e الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ. هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ. فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ))
وصيام عاشوراء كان معروفا حتى على أيّام الجاهلية قبل البعثة النبويّة فقد ثبت عن عائشة tقالت:((إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه)).
قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السّلام. وقد ثبت أيضا أنّ النبي e كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به، فسألهم عن السبب؟ فأجابوه كما تقدّم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيدا كما جاء في حديث أَبِي مُوسَى tقَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، وفي رواية مسلم: ((كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا)) وفي رواية له أيضا: ((كان أهل خيبر (اليهود) .. يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم)). قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَصُومُوهُ أَنْتُمْ)) رواه البخاري.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام.
وإمعانا في مخالفتهم إذا صاموه استحبّ لنا النبي e أن نصوم يوما قبله فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ tقال: ((حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع.َ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا; لأن النبي e صام العاشر, ونوى صيام التاسع.
وقال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر ألا يتشبه باليهود في إفراد العاشر.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام العاشر والحادي عشر، وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب.
وينبغي اجتناب البدع في هذا الشّهر الكريم فبعض النّاس يتخذّه عيدا يحتفل به، وهذا لا يجوز وبعضهم يتخذّه مأتما وعويلا ونياحة ولطما للصدور وضربا بالسيف على الرؤوس وإسالة للدماء ووضعا للسلاسل في الأعناق،وإثارة للثارات وإذكاء للعداوات وسباً لأولياء الله ولعنا لهم وهذه بدعة قبيحة محرّمة ليست من الإسلام في شيء والإسلام بريء منها وممن ابتدعها، والله أرحم بعباده من أن يأمرهم بتعذيب أنفسهم بمثل هذه الأفعال الشّنيعة القبيحة،أو التقرب له بمثل هذه المنكرات الفضيعة نسأل الله السّلامة والعافية.
فهلموا عباد الله إلى عبادة الله في هذا الشهر الكريم كما يحبّ ويرضى، ووفق سنّة النبي المصطفى، نسأل الله أن يهدينا سبل السّلام وأن يرزقنا العمل بما يُرضيه وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكمولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.






الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له علىتوفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:ــ
عبادالله:من لطائف هذا اليوم واسراره مايلي:
أن العاقبة لمن اتقى، وأن نصر الله تعالى لأوليائه قريب، وأن الكافر وإن غرته مهلةالزمان، وركن إلى قوة رأى بها أنه الأغلب والأظهر فقال" من أشد منا قوة" فإن أمرهإلى بوار، وقوته إلى صغار، ففرعون رأى في قوته وملكه ما دعاه أن ينادي ويقول " أنا ربكم الأعلى" فإذا عاقبة لميحسب لها حسابا صار بها أسفل ما يكون أرضا، وما استطاع أن يعلو حتى على الماء الذيتعلوه أضعف الكائنات خلقة..... فيوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصرعليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث معالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق.

ومن اسرار هذا اليوم ولطائفه أن النعم حين لا يقارنها الشكر فهي مهددة بالزوال، فبالشكر تدوم النعم وتزيد، فلماكانت النجاة لموسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ في هذا اليوم، سارع بالشكروالتحدث بالنعمة بأن صام ذلك اليوم لله تعالى، ولذلك أيضا صامه نبينا e وأمر بصيامه فكانت نجاة موسى ـ عليه الصلاة والـسـلام ـ وقـومــه من فرعون.. منَّة كبرى أعقبها موسى بصيام ذلك اليوم، فكان بذلك وغيره من العبادات شــاكــرًالله تعالى ؛ ، قــال ربـنــا ـ عز وجل ـ: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.

ومن اسرار ه أن الولاء معقود بين المؤمنين بإيمانهم، وإن تباعد أمد الزمان، وامتد طرف المكان،وأن الكافرين لا حظ لهم في ذلك الولاء وإن ادعاه من ادعاه بهتانا وزورا، فاليهودوإن جمعهم مع موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ نسبهم من بني إسرائيل، إلاأن الأحق به ولاء واتباعا هم المؤمنون الصادقون، فالـمــؤمنون حزب واحد هوحزب الله ـ عز وجل ـ؛ فهم أمة واحـــدة، مــن وراء الأجيال والقرون، ومـن وراءالمكان والأوطان .. لا يحول دون الانتماء إليها أصل الإنسان أو لونه أو لغته أوطـبـقــتــه .. إنما هو شرط واحد لا يتبدل، وهو تحقيق الإيمان، فإذا ما وجد كانصاحبه هو الأوْلى والأحق بالولاية دون القريب ممن افتقد الشرط؛ ولذا استحقت هذهالأمة ولاية موسى دون الـيـهود المـغضوب عليهم.

عبد الله يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من أيام عامك الجديد تبدأ معها مرحلة من مراحل حياتك وأنت لاتدري متى ينقضي أجلك فيها، فلتكن بداية طريقك دائما المسارعة في الخيرات والمبادرةإليها، واجعل حياتك قربات تتطلع بها إلى رضوان مولاك ومنازله العلا جعلني اللهوإياك من أهل طاعته ورضوانه.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنياناالتي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كلخير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّاوما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍقدير.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين.
اللهم أنزل على المسلمينرحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أحفظ بلادنا من كيدالكائدين وعدوان المعتدين.
اللهم سلط عليهم جُنداً من جندك واجعلهم عبرة لغيرهميا قوي يا متين.
اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحرهواجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء.
اللهم وفقّ إمامنا بتوفيقك وأيّدهبتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبب إليهالخير وأهله وبغض إليه الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعزَّ الإسلاموالمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كلمكان.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأمواتإنك سميع قريب مجيب الدعوات .
(رَبَّنَاآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَالنَّارِ)
عباد الله ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)اللهم صل وسلم وزد بارك على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم)
سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله ربالعالمين.
المشاهدات 1817 | التعليقات 0