محرمات استهان بها كثير من الناس

أبو ناصر فرج الدوسري
1439/05/08 - 2018/01/25 13:02PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللَّهَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء1.

عباد الله: إن بعض الناس قد استصغروا أشياء من كبائر الذنوب ، أو أنهم قد احتقروا صغائر الذنوب التي يعملونها خلافاً لاعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم، كما وقع في حديث أنس عند البخاري رحمه الله: (إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ مِنْ الْمُوبِقَاتِ) قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ، وكما وقع لابن مسعود رضي الله عنه في معنى قوله: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فطار)، وهذا معنى أن الناس اليوم يحتقرون الذنوب، وقد يقترن بالذنب الصغير، -ويكون صغيراً فعلاً- من التهاون به واحتقاره وتكراره والإصرار عليه ما يجعله كبيرة من الكبائر، وهذا معنى قول علمائنا: (لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، فإنها مع الإصرار تصبح كبيرة، ولا كبيرة مع الاستغفار، إذ أن التوبة تمحو الذنوب).

وإليكم أيها الإخوة: طائفة من الذنوب المذكورة في القرآن والسنة، التي استهان بها كثير من الناس حتى أصبحت عندهم لا شيء، أو أنهم يعتقدون أنها ليست بذنوب أصلاً.

فمن الأمور التي تساهل الناس فيها الجلوس في المجالس التي يكفر بها ويستهزأ فيها بآيات الله (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء140

كم من المسلمين يجلسون مع أناس يستهزئون بدين الله، ويلمزون شرع الله، أو عباد الله الصالحين، لا لشيء إلا لأنهم تمسكوا بدين الله، أو يعترضون على حكم الله وعلى شريعة الله ويقرون في مجالسهم غير شرع الله عز وجل، ويعتبرون أن الدين رجعية، وأن الشريعة تخلف، وأنها لا تناسب هذا الزمان، وأنه يجب الأخذ من قوانين الشرق والغرب، إلى غير ذلك من الأمور.

ويلك ثم ويلك إن جلست معهم وهم يخوضون في هذا الحديث، بل يجب عليك أن تنكر وتفارق حالاً قبل أن ينزل عليك السخط.

ومن الأمور أيضاً: اتباع بعض الناس الأئمة المضلين في تحليل الحرام وتحريم الحلال، (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) تأخير الأشهر الحرم، أهل الجاهلية كانوا يؤخرونها بحسب أهوائهم، إذا أرادوا القتال في وقت معين فصادف شهراً حراماً أجلوا الشهر الحرام إلى غيره في وقت من أوقات السنة، (يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) التوبة37

وويل للذين يتابعونهم ويقولون: أفتى واحد أنها حلال، هذه حجة فيها فتوى، صدر فيها شيء، حللها بعض العلماء، ويل لهم يلعبون بشريعة الله، ويخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، ويظنون أن الله سينجيهم يوم القيامة؛ لأنهم الآن اتبعوا بعض الأئمة المضلين.

وقل مثل ذلك فيمن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، بأنواع الأغاني الفاحشة والموسيقى وسموها شيلات وأناشيد؛ لأن رسول الله ﷺ قال: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ) يعني هي حرام وهم يستحلونها (الْحِرَ) الفرج، والمراد: الزنا، (وَالْحَرِيرَ) للرجال (وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) فنص رسول الله ﷺ على تحريمها، والناس اليوم يستمعون إليها صباحاً ومساءً ومع وجبات الطعام وأثناء العمل والمذاكرة غير مهتمين بأحاديث الرسول ﷺ والتي جاءت وصحت في أن هؤلاء الناس سيمسخهم الله في يوم، في ليلة يمسون فيصبحون على غير الخلقة التي خلقهم الله عليها، حيث قال ﷺ (يُمْسَخُ مِنْهُمْ آخَرُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) سيحدث ذلك في يوم من الأيام.

ومن أمثلة هذه المعاصي التي استخف بها الناس: إيذاء المؤمنين والمؤمنات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) الأحزاب58، بأنواع الأذى: اللمز، الهمز، السخرية، السعي بالشكاية والنكاية وتدبير المؤامرات وحبكها للإيقاع بعباد الله الصالحين، ويل لهم ثم ويل لهم، وأنت تنظر اليوم في أبسط الأشياء وهي قضية المعاكسات الهاتفية، المعاكسات الهاتفية ماذا تعتبر في شرع الله؟ ماذا تعتبر؟ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، إيذاء هو إيذاء فعلاً، (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بلا ذنب، بلا جريرة، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) تأمل في أحوال الطائشين اليوم بكل يريد أن يتكلم مع بنات المسلمين ويريد أن يكلم حريمهم، هذا ماذا يعتبر وماذا يكون؟

ومن المنكرات الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب؛ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ).

قارن بين هذا وبين ما يقع من الناس اليوم من الفخر بمآثرهم وبطولاتهم، أو بمآثر قبائلهم وعوائلهم يفخرون بها على الناس، وقد يكونون فحماً من فحم جهنم، أهون عند الله من الجعلان التي تدهده الأذى بفمها وبرجلها وبرأسها، يكونون أهون عند الله من أولئك، ولكن يفخرون ويقولون: نحن ونحن، وفعلنا وفعلنا، وأصلنا وحسبنا كذا، ولا يكتفون بل يطعنون بالأنساب، فيقولون: أنت ما لك أصل، أنت خضيري، أنت ليس لك منـزلة، أنت حقير ومهين، ومن افتراءاتهم: أنت لست من ولد آدم، إن آدم تناسل منه فقط أهل القبائل، وغيرهم احتلم آدم على التراب فخلق الخضيريين منهم، وهذه من الفرى المضحكة إذ أننا نعلم أن البشر كلهم من ولد آدم، وهل كان آدم من قبيلة معروفة أو من غير قبيلة معروفة؟! وهل كان قبلياً أو خضيرياً كما يقولون؟! فكر وتدبر.

ومن المنكرات: إتيان النساء في أدبارهن؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) أخرجه أبو داود ، وهو حديث صحيح.

تأمل في قوله: (مَلْعُون) لتعلم عظم الذنب، والمقصود إتيانها في الدبر، أما إتيانها في مكان الولد فيجوز بأي طريقة شئت من الأمام أو الوراء، متى كان الجماع في مكان الولد فجائز، أما إتيانها في الدبر في مكان خروج الغائط فهو ملعون صاحبه: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ).

وإنني أحذركم أيها الإخوة من هذه الأفلام الإباحية الداعرة المنتشرة بين كثير من الناس التي تروج لمثل هذه الشذوذات، إذ أن الله أجاز للمتزوج أن يطأ زوجته في مكان الولد: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة:223] كيف شئتم ما دام في مكان الولد.

هذه بعض تلك المنكرات التي لا يتورع كثير من الناس عن الوقوع فيها رغم الوعيد.

نسأل الله السلامة والعافية، وأن ينجينا وإياكم من هذه المهلكات.

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله ياعباد الله واطيعوه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)

عباد الله: إن من الأمور التي يتساهل فيها كثير من الناس وهي من المحرمات: الإسبال: قال ﷺ: (ثَلاَثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: المُسبِلُ إزارَهُ، وَالْمَنَّانُ فيما أعطى، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ)، رواه مسلم في صحيحه

الإسبال من المحرمات ومن المنكرات، وهو نزول الملابس على الكعبين، يقال له: إسبال، كالبشت والقميص والإزار والسراويل، كل هذا لا يجوز أن ينـزل عن الكعبين، للحديث المذكور.

فالواجب التحفظ من ذلك، وأن تكون الملابس حدها الكعب لا تنـزل.

ومن الأمور التي تساهل الناس فيها التدخين والتنباك والقات ومايشابهها مع تغير بعض المسميات

وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن القات فقال العلماء

القات محرم ولا يجوز لمسلم أن يتعاطاه أكلاً وبيعاً وشراءً وغيره من أنواع التصرفات البشرية في الأموال المباحة، وقد صدر من سماحـة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فتوى في تحريمه.

وكذلك التنباك فهو من المحرمات الخبيثة, والدخان والشيشة.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

فاللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِكَ ورسُولِكَ مُحمدٍ، وعلى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ، وارْضَ اللهمَّ عَن صَحَابَةِ رَسُولِك أجمعينَ، ومَن تبِعَهُم بإحْسَانٍ إلى يومِ الدينِ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.



الخطبة منقولة من عدة مصادر وتجدونها منسقة على الرابط التالي

https://docs.google.com/document/d/1XUrbZUJimm5s7mqxeMp8xpfrQSEWh6TBt18y93g7KPg/edit?usp=sharing

المشاهدات 5704 | التعليقات 0