مُحَدِّثُ الْعَصْرِ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ 13 ربيع أول 1434 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/03/11 - 2013/01/23 10:15AM
مُحَدِّثُ الْعَصْرِ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ 13 ربيع أول 1434 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعْلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى ، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الأَذَى ، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ الْمَوْتَى ، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللهِ أَهْلَ الْعَمَى ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْه ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْه ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِين .
أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ , وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعُلَمَاءَ الذِينَ نَفَعَ اللهُ بِهِمُ الْبِلادَ وَالْعِبَادَ وَحَفِظَ اللهُ بِهِم دِينَ الأُمَّةِ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ , يَبْدَؤُونَ صِغَارَاً ثُمَّ يَتَرَعْرَعُونَ فِي أَحْضَانِ أُسَرِهِمْ , ثُمَّ شَيْئَاً فَشَيْئَاً حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ , ثُمَّ يَصِيرُ لَهُمْ آثَارٌ بَالِغُةٌ عَلَى النَّاسِ ! فَلا تَحْقِرْ نَفْسَكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِكَ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ , وَلَكِنْ اعْمَلْ وَرَبِّ أَوْلادَكَ وَاجْتَهِدْ وَاصْبِرْ وَأَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّ مِنَ الصِّغَارِ الذِينَ صَارُوا عُلَمَاءَ وَنَفَعَ اللهُ بِهِمْ : رَجُلاً لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ بَلْ وَلا مِنَ الْعَرَبِ , وَإِنَّمَا مِنْ بِلادِ أُورُوبَّا , إِنَّهُ مُحَمَّد نَاصِرِ الدِّينِ الأَلْبَانِيّ , الذِي وُلِدَ فِي سَنَةِ 1332 هـ فِي مَدِينَةِ أَشْقُودَرَة عَاصِمَةِ أَلْبَانِيَا , وَنَشَأَ فِي أُسْرَةٍ فَقِيرَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْغِنَى ، لَكِنَّهَا كَانَتْ مُتَدَيِّنَةً , يَغْلِبُ عَلَيْهَا الطَّابِعُ الْعِلْمِيُّ ، حَيْثَ كَانَ أَبُوهُ مَرْجِعَاً عِلْمِيَّاً لِلنَّاسِ فِي التَّعْلِيمِ وَالإِفْتَاءِ فِي بَلَدِهِ , وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ فِي الْبِلادِ تَغَيُّرٌ سَيِّئٌ هَاجَرَ بِأُسْرَتِهِ إِلَى بِلادِ الشَّامِ خَوْفَاً عَلَيْهِ مِنَ الْفِتَنِ التِي حَلَّتْ بِالْبِلادِ الأَلْبَانِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلأَبِ الْعَاقِلِ أَنْ يُجَنِّبَ أَوْلادَهُ مَوَاطِنَ الْفِتَنِ ، وَاخْتَارَ مَدِينَةَ دِمَشْقٍ فَسَكَنَهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا , وَأَدْخَلَ ابْنَهُ الذِي قَارَبَ التَّاسِعَةَ مِنْ عُمُرِهِ بَعْضَ مَدَارِسِهَا حَتَّى أَتَمَّ مَرْحَلَةَ الابْتِدِائِيَّةِ بِتَفَوُّقٍ , وَنَالَ هَذَا الطِّفْلُ الصَّغِيرُ إِعْجَابَ مُعَلِّمِيهِ , بَلْ وَتَفَوَّقَ عَلَى زُمُلائِهِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ التِي لَمْ تَكُنْ لَغُتَهُ الأَصْلِيَّةَ , حَتَّى إِنَّ مُدَرِّسَ النَّحْوِ إِذَا سَأَلَ الطُّلَّابَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الإِعْرَابِ فَعَجَزُوا عَنْهَا رَدَّهَا لِلأَلْبَانِيِّ الصَّغِيرِ فَأَجَابَ بِالصَّوَابِ .
ثُمَّ إِنَّ وَالَدَهُ وَضَعَ لَهُ بَرْنَامِجَاً عِلْمِيَّاً مُرَكَّزَاً , قَامَ خِلالَهُ بِتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ حَتَّى خَتَمَهُ عَلَيْهِ مُجَوَّدَاً وَدَرَّسَهُ بَعْضَ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفِقْهِ ، وَدَرَسَ كَذَلِكَ عَلَى بَعْضِ عُلَمَاءِ الشَّامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت .
بَدَأَ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي طَلَبِ عِلْمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ مُتَأَثِّرَاً بِأَبْحَاثِ مَجَلَّةِ الْمَنَارِ الْمِصْرِيَّةِ التِي كَانَ يُصْدِرُهَا الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللهُ الْعَالِمُ الْمُحَدِّثُ , وَكَانَ لَهُ أَبْحَاثٌ شَيَّقَةٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ , فَتَأَثَّرَ بِهَا وَانْكَبَّ بِشَغَفٍ كَبِيرٍ وَهِمَّةٍ عَالِيَةٍ عَلَى دِرَاسَةِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ دَرَايَةً وَرِوَايَةً ، تَعَلُّمَاً وَتَعْلِيمَاً ، وَعَلَى مَدَارِ ثُلُثَيْ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَانِ حَتَّى خَرَجَ إِمَامَاً فِي السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ .
وَقَدْ كَانَ بُرُوزُ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَيْدَانِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ عَظِيمَاً وَكَبِيرَاً ، حَتَّى تَفَرَّدَ بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَخَرَجَ فِيهِ بِثَرْوَةٍ عِلْمِيِّةٍ حَدِيثِيِّةٍ ضَخْمَةٍ لا غِنَى لِعَالِمٍ أَوْ طَالِبِ عِلْمٍ عَنْهَا .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَقَدْ تَأَثَّرَ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بِعُلَمَاءِ السُّنَّةِ الْمُحَقَّقِينَ كَشَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ قَيِّمِ الْجُوزِيَّةِ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُمُ اللهُ ! وَكَانَ كَثِيرَاً مَا يَحُثُّ عَلَى الاسْتِفَادَةِ مُنْهُمْ ، وَقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ وَمُرَاجَعَتِهَا , وَكَانَ يُدَرِّسُ فِي حَلْقَاتِهِ كَثِيرَاً مِنْ كُتُبِهِمْ ،
وَقَدْ أَوْلَى الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مَسْأَلَةَ التَّوْحِيدِ اهْتِمَامَاً كَبِيرَاً وَأَعْطَاهَا مِنْ وَقْتِهِ كَثِيرَاً ، وَبَذَلَ فِي تَبْيِينِهَا جُهْدَاً عَظِيمَاً ، دَعْوَةً وَشَرْحَاً وَتَعْلِيقَاً وَتَأْلِيفَاً وَتَحْقِيقَاً وَمُنَاقَشَةً ، فَكَانَ يَشْرَحُ بَعْضَ الْكُتُبِ فِيهَا ، فَشَرَحَ كِتَابَ [تَطْهِيرُ الاعْتِقَادِ مِنْ أَدْرَانِ الإِلْحَادِ] لِلصَّنْعَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ ، وَشَرَحَ كِتَابَ فَتْحِ الْمَجِيدِ شَرْحَ كِتَابِ التَّوْحِيدِ , وَكَانَ يُلْقِي الْمُحَاضَرَاتِ وَالدُّرُوسَ فِي دَارِهِ ، وَدُورِ تَلامِيذِهِ وَأَصْدِقَائِهِ .
وَقَدْ كَانَ لِلشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ رَحَلاتٌ دَعَوِيَّةٌ إِلَى الْمُحَافَظَاتِ السُّورِيَّةِ يُعِلِّمُ النَّاسَ التَّوْحِيدَ وَالْفِقْهَ وَالآدَابَ الإسْلامِيَّةَ , وَكَانَ لِتِلْكَ الْجُهُودِ وَالرِّحْلاتِ ثَمَرَاتُهَا الطَّيَّبَةُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى التَّوْحِيدِ وَنَبْذِ الشِّرْكِ وَالْخُرَافَةِ .
وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مُضَايَقَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبْهَاتِ , بِالإِضَافَةِ إِلَى تَحْذِيرِ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَعَوَامِ النَّاس ِ، مِنَ الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ وَمِنْ مُجَالَسَتِهِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى هَجْرِهِ وَمُقَاطَعَتِهِ .
وَلَكِنْ كَانَ لِهَذَا كُلِّهِ آثَارٌ عَكْسِيَّةٌ لِمَا أَرَادُوهُ ، إِذْ ضَاعَفَ مِنْ تَصْمِيمِهِ عَلَى الْعَمَلِ فِي خِدْمَةِ الدَّعْوَةِ وَالْمُضِيِّ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ حَتَّى وَصَلَتْ آثَارُ دَعْوَتِهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الْجَزِيرَةَ وَبِلادَ الْمَغْرِبِ وَمِصْرَ وَالْهِنْدَ وَبَاكِسْتَانَ , بَلْ وَصَلَ التَّأَثُّرُ بِدَعْوَتِهِ القَّارَّاتِ : آسَيَا وَأَفْرِيقِيَا وَأُورُوبَّا وَاسْتُرَالْيَا وَأَمْرِيكَا ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاسِ !!! حَتَّى إِنَّ صِيتَهُ لا تَكَادُ تَخْلُو مِنْهُ أَرْضٌ ، أَوْ تَنْفَكُّ عَنْهُ بَلَدٌ ، يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ وَطُلَّابُ الْعِلْمِ وَالدُّعَاةُ وَالْخُطَبَاءُ وَالْعَوَامُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ , وَكُتُبُهُ مُنْتَشِرَةٌ وَمُشْتَهِرَةٌ فِي الأَقْطَارِ يَقْتَنِيهَا الْعُلَمَاءُ وُطُلَّابُ الْعِلْمِ وَسَوَاءٌ كَانُوا مِنَ السُّنِّيِينَ الْمُحِبِّينَ أَوِ الْمُنَاوِئِينَ الْمُخَالِفِينَ ، بَلْ وَتَجِدُهَا حَتَّى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِ وَهِيَ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ رَوَاجَاً فِي الْعَالَمِ ، وَتَتَسَابَقُ دُور ِالنَّشْرِ فِي الْحُصُولِ عَلَى حُقُوقِ الطَّبْعِ لَهَا ، لِمَا لَهَا مِنَ السُّمْعَةِ وَالْقَبُولِ ، وَعَظِيمِ الرَّوَاجِ وَتُرْسَلُ إِلَيْهِ الرَّسَائِلُ مِنْ أَرْجَاءِ الْبَسِيطَةِ طَلَبَاً لَهَا ، وَمُتَابَعَةً لِآخِرِهَا ، وَرَغْبَةً فِي إِكْثَارِهَا .
وَيَنْقُلُ تَصْحِيحَاتِهِ وَأَقَوَالَهُ وَتَرْجِيحَاتِهِ الْكَثِيرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَطُلَّابِ الْعِلْمِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ وَأَبْحَاثِهِمْ ، لِمَا يَعْلَمُونَ مَا لَهَا مِنَ الثِّقَةِ عِنْدَ خَوَاصِ النَّاسِ وَعَوَامِّهِمْ ، وَاعْتِرَافَا ً مِنْهُمْ بِكَفاَءَتِهِ الْعِلْمِيَّةِ ، وَرُسُوخِ قَدَمِهِ ، بَلْ وَتَسْمَعُهَا فِي الْجُمَعِ عَلَى الْمَنَابِرِ ، وَفِي الْمُحَاضَرَاتِ وَالنَّدَوَاتِ ، وَأَجْهِزَةِ الإِعْلامِ ، وَتَقْرَأُهَا فِي الصُّحُفِ وَالْمِجَلَّاتِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَةِ الأَلْبَانَيِّ رَحِمَهُ اللهُ العِلْمِيَّةِ : ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْه : قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَمِنْ أَنْصَارِ السُّنَّةِ وَدُعَاتِهَا ، وَمِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ حِفْظِ السُّنَّةِ , وَالشَّيْخُ مَعْرُوفٌ لَدَيْنَا بُحُسْنِ الْعَقِيدَةِ وَالسِّيرَةِ ، وَمُوَاصَلَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ ، مَعَ مَا يَبْذُلُهُ مِنَ الْجُهُودِ الْمَشْكُورَةِ فِي الْعِنَايَةِ بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ وَبَيَانِ الصَّحِيحِ مِنَ الضَّعِيفِ مِنَ الْمَوْضُوعِ ، وَمَا كَتَبَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابَاتِ الْوَاسِعَةِ كُلُّهُ عَمَلٌ مَشْكُورٌ ، وَناِفِعٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُضَاعِفَ مَثُوبَتَهُ وَيُعِينَهُ عَلَى مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ فِي هَذَا السَّبِيلِ ، وَأَنْ يُكَلِّلَ جُهُودَهُ بِالتَّوْفِيقِ وَالنَّجَاحِ , وَلا أَعْلَمُ تَحْتَ قُبَّةِ الْفَلَكِ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَعْلَمَ مِنَ الشَّيْخِ نَاصِر فِي عِلْمِ الْحدِيثِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِينِ رَحِمَهُ اللهُ : فَالذِي عَرَفْتُهُ عَنِ الشَّيْخِ أَنَّهُ حَرِيصٌ جِدَّاً عَلَى الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ ، وَمُحَارَبَةِ الْبِدْعَةِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعَقِيدَةِ أَمْ فِي الْعَمَلِ , ومِنْ خِلالِ قَرَاءَاتِي لِمُؤَلَّفَاتِهِ عَرَفْتُ عَنْهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ ذُو عِلْمٍ جَمٍّ فِي الْحَدِيثِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ نَفَعَ فِيمَا كَتَبَهُ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَنَاهِجُ ، وَالاتِّجَاهُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ ، وَهَذِهِ ثَمَرَةٌ كَبِيرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَللهِ الْحَمْدُ . أَمَّا مِنْ نَاحِيَةِ التَّحْقِيقَاتِ الْعِلْمِيِّةِ فَنَاهِيكَ بِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْمُحْسِنِ الْعَبَّادُ الْمُدِرِّسُ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَلَّمَهُ اللهُ : وَالأَلْبَانِيُّ عَالِمٌ جَلِيلٌ خَدَمَ السُّنَّةَ ، وَعَقِيدَتُهُ طَيَّبَةٌ ، وَالطَّعْنُ فِيهِ لا يَجُوزُ ! وَقَالَ حِينَ مَاتَ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : إِنَّهُ فَقِيدُ الْجَمِيعِ الْعَالِمُ الْكَبِيرُ الشَّهِيرُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّد نَاصِرُ الدِّينُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ا.هـ.
هَكَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ شَهِدَ العُلَمَاءُ أَهْلُ الاخْتِصَاصِ لِهَذَا الرَّجِلِ وِأَثْنَوْا عَلَيْه , وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّنَاءَ , فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا وَعَنِ الإِسْلَامِ خَيْرا , وَآجَرَنَا فِي مُصِيبَتِنَا وَأَخْلَفَ عَلَيْنَا بَدَلَهُ وَعَوْضَنَا خَيْراً .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ ضَرَبَ الْعَلَّامَةُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أَمْثِلَةً رَائِعَةً لِطُلَّابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَمُحِبِّيهِ وَعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ بِدَلِيلِهِ ، وَالرُّجُوعِ عَنِ الْخَطَأِ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّبْيِينُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ بِمَرَاحِلَ ، أَوْ مِنْ تَلامِيذِهِ ، أَوْ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْمَنْهَجِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ رَدَّاً عَلَيْهِ مِنْ عَالِمٍ أَوْ طَالِبِ عِلْمٍ ، بَلْ وَيَسْتَدْرِكُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ، وَيُعْلِنُ ذَلِكَ فَي كُتُبِهِ أَوْ أَشْرَطَتِهِ ، دُونَ أَيِّ غَضَاضَةٍ أَوْ تَحَرُّجٍ .
وَكَانَ وَرِعَاً مُتَعَفِّفاً , وَمِمَّا يُرْوَى عَنْهُ فَي ذَلِكَ : أَنَّهُ تَوَسَّطَ مَرَّةً لشَخْصٍ تَعَرَّفَ عَلَيْهِ فِي إِحْدَى الشَّرِكَاتِ فَقَضَى الأَلْبَانِيُّ لَهُ حَاجَتَهُ ، وَبَعْدَ أَيَّامٍ طَرَقَ الرَّجُلُ بَابَ الشَّيْخِ مُحْضِرَاً مَعُهُ تَنَكَةَ زَيْتُونٍ ، فَقَالَ : هَذِهِ هَدِيَّةٌ لِلشَّيْخِ ، وَكَانَ الشَّيْخُ نَائِمَاً ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَأُخْبِرَ بِالْهَدَيِّةِ ، قَالَ : لا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهَا ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً ، وَأُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابَاً مِنَ الرِّبَا) .
أَمَّا سَيَّارَةُ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللهُ فَكَانَتْ جَمَلَ مَحَامِلٍ لِلإِخْوَةِ ، فَكَانَ يَحْمِلُ بِهَا الإِخْوَةَ ، وَيَنْقُلُهُمْ مِنْ مَكَانٍ لآخِرَ ، وَيَقُولُ : لِكِلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ وَزَكَاةُ السَّيَّارَةِ حَمْلُ النَّاسِ بِهَا .
وَكَانَ الشَّيْخُ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى أَنْ تَكُونَ عِبَادَتُهُ مُوَافِقَةً لِلسُّنَّةِ فِي صِفَتِهَا وَفِي عَدَدِهَا وَفِي وَقْتِهَا , كَمَا كَانَ حَرِيصَاً عَلَى تَطْبِيقِ السُّنَّةِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ ، وَفِي مُعَامَلاتِهِ , يُكْثِرُ مِنَ التَّنَفُّلِ صَلاةً وَصِيامَاً .
وَكَانَ رَحِمَهُ اللهُ سَرِيعَ التَّأُثُّرِ وَالْبُكَاءِ لاسِيَّمَا عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ أَوْ تَلاوَتِهِ ، أَوْ سَمَاعِ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيِّةِ التِي فِيهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ، أَوْ عِنْدَ سَمَاعِهِ نَبَأَ مَوْتِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ ، أَوْ عِنْدَمَا يُذْكَرُ لَهُ رُؤْيَا خَيْرٍ رُؤُيَتْ فِيهِ وَلَهُ ، أَوْ عِنْدَ مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ , فَكَانَ يَتَأَثَّرُ وَيَبْكِي .
بَلْ كَانَ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ : مَا أَنَا إِلَّا طُوِيْلِبُ عِلْمٍ صَغِيرٍ . وَكَانَ كَثِيرَاً مَا يَقُولُ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي خَيْرَاً مِمَّا يَظُنُّونَ ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ . وَكَثِيرَاً مَا كَانَتْ دُمُوعُهُ تُخَالِطُ كَلِمَاتِهُ فَتَقْطَعُ حَرُوفَهَا وَلا يَكَادُ يُبِينُ عَنْ كَلِمَاتِهِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ انْقِطَاعِ دُمُوعِهِ .
أَمَةَ الإِسْلَام : أَمَا وَفَاةُ هَذَا العَلَمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فَكَانَتْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ جُمَادِى الآخِرَةِ لِعَامِ عِشْرِينَ وَأَرْبِعِ مِائَةٍ وَأَلْفٍ بَعْدَ الْعَصْرِ عَنْ عُمْرٍ يُنَاهِزُ الثَّامِنَةَ وَالثَّمَانِينَ ، فِي مَدِينَةِ عَمَّانَ عَاصِمَةِ الأُرْدُنِ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ عَدَدَ الْمُشَيِّعِينَ لَهُ قَدْ تَجَاوَزَ الأَرْبَعَةَ آلَاف ، وَهَذَا عَدَدٌ كَبِيرٌ وَكَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لِسَاعَةِ وَفَاتِهِ وَتَجْهِيزِهِ . فَرَحْمَهُ اللهِ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَأَسْكَنَهُ فِي عِلِّيِينَ وَحَشَرَهُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَجَعَلَ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ .
وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ مُحَمَّد نَاصِرِ الدِّينِ الأَلْبَانِيِّ وَارْحَمْهُ , وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي اَلْمَهْدِيِّينَ , وَافْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ , وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ, وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ , وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ , اللَّهُمَّ احْفَظْ عُلَمَاءَنَا الْمُعَاصِرِينَ وَانْفَعْنَا بِعِلْمِهِمْ , وَسَدَّدْ خُطَاهُمْ وَوَفَّقَهُمْ لِمَا تُحِبَّهُ وَتَرْضَاهُ .
اللَّهُمَّ أَخْرِجْ مِنَّا مَنْ يَنْصُرُ دِينَكَ وَيُعْلِيَ كَلِمَتِكَ وَيَذُبُّ عَنِ الْعَقِيدَةِ وَالتَّوْحِيدِ , وَيَنْبَرِي لِتَعْلِيمِ النَّاسِ الدِّينَ عَلَى مَنْهَجٍ قَوِيمٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ , اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين !
المرفقات

مُحَدِّثُ الْعَصْرِ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ 13 ربيع أول 1434 هـ.doc

مُحَدِّثُ الْعَصْرِ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ 13 ربيع أول 1434 هـ.doc

المشاهدات 2687 | التعليقات 3

جزاك الله خير ونسأل الله من فضله.


جزاك الله خيراً ، هذا أقل ما نقدمه للأجيال تعريف الناس بالعلماء الربانيين ونذكرهم بأن هؤلاء هم قدوتنا في هذه الحياة فلماذا لا يقتدي الشباب بمن مات فهو أبعد عن الفتنة إن كانوا لا يثقون بالعلماء الأحياء؟!
ورضي الله عن ابن مسعود إذ قال:« مَن كانَ مُسْتَنًّا ، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ ».



نسأل الله أن يرحم الشيخ ويجزيه خيرا على ما قدم .


جزاك الله خيرا
خطبة عظيمة نافعة وهذا جزء بسيط من الحق الذي علينا لهؤلاء الأئمة العلماء رحمهم الله