محبّة النبي عليه الصلاة والسلام
أحمد بن ناصر الطيار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ كثيرا من أعداء النبيّ صلى الله عليه وسلم تحولوا في وقت وجيز إلى محبّين له مدافعين عنه, بل ويفدونه صلى الله عليه وآله وسلم بأنفسهم وأولادهم وأموالهم، مع أنه منذ وقت قريب قد حصل بينهم وبين المسلمين قتال, وقد قتَل المسلمون كثيرا من آبائهم وأولادهم وإخوانهم وأقاربهم المشركين، الذين كان يصدون عن شريعة الإسلام ويقاتلون المسلمين, ولكن هذا الدين ومن جاء به عظيمٌ بحقّ, فإذا شرح الله صدر العبد للإسلام ودخل فيه، وتأمّل بإنْصاف إلى أخلاق النبيّ صلى الله عليه وسلم وحسْنِ تعامله: تغيّرت عنده جميع الموازين؛ فيصبح المبغَض بالأمس محبوبًا اليوم, والمقاتَل بالأمس مدافَعًا عنه اليوم.
فانظر مثلا إلى حبّ وولاء وتعظيم وإجلال سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه, وهو ابن الوليد بن المغيرة عدو النبي صلى الله عليه وسلم, ومثله عكرمة بن أبي جهل رضي الله, وهو ابن أبي جهل فرعون هذه الأمة، ومثله صفوان بن أميّة رضي الله عنه, وهو ابن أمية بن خلف الهماز اللماز, وكذلك أبو سفيان رضي الله عنه, الذي حين كان على الشرك لم يألُ جهدًا في الصدّ عن الدعوة ومناكفة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه حين أسلم صار من أنصار هذا الدين المقاتلين في سبيل الله تعالى, وذلك التحول العجيب السريع لا يعرف مثله في التاريخ, ولكنه بتقدير الحكيم العليم الذي يصطفي من يشاء ويوفقه لما يشاء.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلما جعل الله الإسلام في قلبي ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له.
وقالت هند بنت عتبة رضي الله عنها: يا رسولَ اللهِ واللهِ ما كان على ظهرِ الأرضِ أهلُ خِباءٍ أحبَّ إليَّ مِن أنْ يُذِلَّهم اللهُ مِن أهلِ خِبائِك، وما على ظهرِ الأرضِ أهلُ خِباءٍ أحبَّ إليَّ اليومَ أنْ يُعِزَّهم اللهُ مِن أهلِ خِبائِك.
ومثل ذلك قال ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ رضي الله عنه.
وقال صفوان بن أمية: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه.
لقد تأمل رضي الله عنه في حسن تعامل النبي الذي لا نظير له ولا شبيه له في أخلاق العرب كافة، فقد دخل مكة منتصرًا فاتحًا، فكان ظنه أن يدخلها منتقمًا فاتكًا، وإذا به يراها يدخلها متسامحًا مُكرمًا متواضعًا، وليس هذا فحسب بل أعطاه وأعطى قومه المئات من الغنم والإبل ونحوها، وهم أشد الناس أذى له وعداوة له قبل ذلك، فما حاجته لهم أن يعطيهم هذا العطاء الذي لم يعطه لهم أكرم العرب وأحبه إليهم؟
لقد علم أن هذه أخلاق لم يأثرها عن غيره، ولم يرها في بشر سواه، فأيقن أنها من علامات نبوته، ودلائل رسالته، وآيات صدقه في أنه رسولٌ من ربّه.
نسأل الله تعالى أنْ يزيدنا محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم واقتداءً به, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أمة الإسلام: وبعد أن وقفنا على شيء يسير من المشاعر الصادقة للصحابة الكرام رضي الله عنهم تجاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, فهل نجد نحن مثل هذا الحبّ الصادق القوي تجاه النبيّ صلى الله عليه وسلم؟
فإن وجدنا مثل ذلك فلنحمد الله تعالى على منه وكرمه ونسأله الثبات وحسن العاقبة.
وإنّ لم نجد مثل ذلك فهو عائدٌ إلى نقص معرفتنا به وبأخلاقه, وبالدّين الحقّ الذي جاء به، وإلى قلّة عنايتنا واهتمامنا بسنّته معرفةً وعملاً.
وقلّةُ الحبّ من علامة ضعف الإيمان، فالواجب على كلّ مسلم أن يحبَّه محبةً عظيمة، حتى يكون أحبّ إليه من نفسه ووالده والناس أجمعين.
نسأل الله أنْ يهدينا ويسددنا, وأن يجعلنا هداةً مهتدين, إنّ ربنا رؤوف رحيم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1727965240_محبّة النبي عليه الصلاة والسلام.pdf