محبة النبي صلى الله عليه وسلم
د.صالح العبداللطيف
1438/01/19 - 2016/10/20 20:57PM
الحمد لله، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما كان وما يكون. وما تسرون وما تعلنون. واشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادقُ المأمون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون. وسلم تسليما كثيرا إلى يوم يبعثون. فاتقوا الله عباد الله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون..
أخرج البخاري في صحيحه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ»
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها المؤمنون.. ليست أمراً غير لازم.. أو مندوباً من مندوبات الأعمال.. بل هي أصل أصيل في ديننا.. وواجب متحتم علينا.. أوجبه الله تبارك وتعالى علينا.. وفرض علينا أن نقدم محبته.. على محبة الآباء والابناء والأزواج والأموال.. وغيرِها مما تتعلق بها القلوب ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" متفق عليه.. وكان من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " متفق عليه
كيف لا نحبه.. وهو من كان رحيماً بأمته مشفقاً عليها.. يتألمُ لمصابها.. ويوصي من بعده بالشفق والرحمة عليها.. حتى كان من قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشَقَّ عليهم، فاشقُق عليه، و من وَليَ من أمر أمتي شيئاً، فرفَقَ بهم، فارفُق به..
كيف لا نحبه.. وهو من كان يتفقدُ الضعفةَ والمساكين.. ويعطفُ عليهم وينتصرُ لهم.. روى مسلم في صحيحه عن ابي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ قال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، فقلت يارسول الله: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»، أَوْ «لَمَسَّتْكَ النَّارُ»..
بل إن رحمته صلى الله عليه وسلم شملت حتى غير البشر.. روى أبوداود في سننه عن عبدالله بن مسعود قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا،
فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، أي: ترفرف وتحرك جناحيها.. فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا» وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ»
كيف لا نحبه وهو الذي كان يصبر على الأذى.. ويتحمل الجور والظلم.. ويبذل نفسه وماله في سبيل الله.. ويخالط الناس.. ويتحمل أخطاءهم وتجاوزاتِهم.. حتى بادره المشيب.. فأصبح يصلي النافلة في آخر حياته جالساً.. روى مسلم في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها سُألت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد ؟ قالت : « نعم ! بعدما حطمه الناس..
كيف لا نحبه وهو من جعل نصرةَ دين الله.. وعلوَ كلمته.. هدفه الذي لا يحيد عنه.. وهمه الذي ملأ عليه قلبه.. فظل باذلاً نفسه وماله في سبيل هذا الدين.. حتى آخر لحظة من حياته.. ولم يهدأ له بال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.. حتى رأى عزةَ هذا الدين.. وكثرةَ اتباعه.. وتآلفَهم وتآخيهم.. وحرصَ أصحابه رضي الله عنهم على التمسك بهذا الدين الحنيف.. ويصور لنا تعلق هذا النبي الكريم بهذا الدين.. ذلك المشهدُ الذي كان في آخر يوم من حياته.. صلى الله عليه وسلم.. كما روى البخاري عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ
كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ «فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ»
نعم.. فقد كان ابهاجه أن يرى حال أمته من بعده.. ويطمئنَ عليها.. فسره أن يرى اجتماع أصحابه في الصلاة خلف إمامهم.. وهم يقيمون هذا الركن العظيم.. في مسجد المدينة.. صفوفاً كأنهم بنيان مرصوص.. فسره أن يكون آخر عهده بهم وهم على هذه الحال.. نسأل الله أن يرزقنا شفاعته ومرافقته في جنته.. وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه..
أما بعد: فاعلموا يا عباد الله.. أن من صدق محبته صلى الله عليه وسلم.. حسنَ اتباعه.. والسيرَ على منهاجه.. ونشرَ سنته بين الناس.. وتعلمَ سيرته وتعليمها.. فهو والله الأسوة والقدوة.. التي تتصاغر دونها القدوات..
كما أن من صدق محبته عليه الصلاة والسلام.. تمني رؤيته صلى الله عليه وسلم.. حتى لو كان عوضُ ذلك الأهلَ والولدَ.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» رواه مسلم.. نسأل الله أن يرزقنا رؤيته ويجمعنا به في دار كرامته..
ومن صدق محبة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.. السعيُ لنشر دينه.. وبثُ دعوته ورسالته بين الناس.. فهنيئاً لمن قضى عمرَه مقتديا بهذا النبي الكريم.. يسخر مالَه ونفسَه لإعزازِ هذا الدين.. ودعوةِ الناس إليه.. لا يأبه للعثرات.. ولا تثني عزيمتَه الصعوباتُ والتحديات.. فمن كان يحب هذا النبي بحق.. فليجعل سيرته أمام ناظريه.. فهو الإمام بحق.. وهو الهادي إلى سبيل ربه..
إِذا نَحن ادلجنا وَأَنت إمامنا ... كفى بالمطايا طيّب ذكراك حَادِيًا
وَإِن نَحن أضللنا الطَّرِيق وَلم نجد ... دَلِيلا كفانا نورُ وَجهك هاديا
ومن صدق محبته عليه الصلاة والسلام.. الإكثارُ من ذكره والصلاةُ عليه.....
بأبي وأمي أنت يا خير الورى**وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا
يا خاتمَ الرسْل الكرام محمدٌ**بالوحي والقرآن كنتَ مطهرا
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ**وبفيضها شهِد اللسانُ وعبّرا
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ**فاقتْ محبةَ مَن على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ**لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه..
اللهم اعز الإسلام والمسلمين.. وأذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين..
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اللهم صل على نبينا محمد
أخرج البخاري في صحيحه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ»
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها المؤمنون.. ليست أمراً غير لازم.. أو مندوباً من مندوبات الأعمال.. بل هي أصل أصيل في ديننا.. وواجب متحتم علينا.. أوجبه الله تبارك وتعالى علينا.. وفرض علينا أن نقدم محبته.. على محبة الآباء والابناء والأزواج والأموال.. وغيرِها مما تتعلق بها القلوب ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" متفق عليه.. وكان من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " متفق عليه
كيف لا نحبه.. وهو من كان رحيماً بأمته مشفقاً عليها.. يتألمُ لمصابها.. ويوصي من بعده بالشفق والرحمة عليها.. حتى كان من قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشَقَّ عليهم، فاشقُق عليه، و من وَليَ من أمر أمتي شيئاً، فرفَقَ بهم، فارفُق به..
كيف لا نحبه.. وهو من كان يتفقدُ الضعفةَ والمساكين.. ويعطفُ عليهم وينتصرُ لهم.. روى مسلم في صحيحه عن ابي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ قال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، فقلت يارسول الله: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»، أَوْ «لَمَسَّتْكَ النَّارُ»..
بل إن رحمته صلى الله عليه وسلم شملت حتى غير البشر.. روى أبوداود في سننه عن عبدالله بن مسعود قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا،
فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، أي: ترفرف وتحرك جناحيها.. فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا» وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ»
كيف لا نحبه وهو الذي كان يصبر على الأذى.. ويتحمل الجور والظلم.. ويبذل نفسه وماله في سبيل الله.. ويخالط الناس.. ويتحمل أخطاءهم وتجاوزاتِهم.. حتى بادره المشيب.. فأصبح يصلي النافلة في آخر حياته جالساً.. روى مسلم في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها سُألت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد ؟ قالت : « نعم ! بعدما حطمه الناس..
كيف لا نحبه وهو من جعل نصرةَ دين الله.. وعلوَ كلمته.. هدفه الذي لا يحيد عنه.. وهمه الذي ملأ عليه قلبه.. فظل باذلاً نفسه وماله في سبيل هذا الدين.. حتى آخر لحظة من حياته.. ولم يهدأ له بال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.. حتى رأى عزةَ هذا الدين.. وكثرةَ اتباعه.. وتآلفَهم وتآخيهم.. وحرصَ أصحابه رضي الله عنهم على التمسك بهذا الدين الحنيف.. ويصور لنا تعلق هذا النبي الكريم بهذا الدين.. ذلك المشهدُ الذي كان في آخر يوم من حياته.. صلى الله عليه وسلم.. كما روى البخاري عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ
كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ «فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ»
نعم.. فقد كان ابهاجه أن يرى حال أمته من بعده.. ويطمئنَ عليها.. فسره أن يرى اجتماع أصحابه في الصلاة خلف إمامهم.. وهم يقيمون هذا الركن العظيم.. في مسجد المدينة.. صفوفاً كأنهم بنيان مرصوص.. فسره أن يكون آخر عهده بهم وهم على هذه الحال.. نسأل الله أن يرزقنا شفاعته ومرافقته في جنته.. وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه..
أما بعد: فاعلموا يا عباد الله.. أن من صدق محبته صلى الله عليه وسلم.. حسنَ اتباعه.. والسيرَ على منهاجه.. ونشرَ سنته بين الناس.. وتعلمَ سيرته وتعليمها.. فهو والله الأسوة والقدوة.. التي تتصاغر دونها القدوات..
كما أن من صدق محبته عليه الصلاة والسلام.. تمني رؤيته صلى الله عليه وسلم.. حتى لو كان عوضُ ذلك الأهلَ والولدَ.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» رواه مسلم.. نسأل الله أن يرزقنا رؤيته ويجمعنا به في دار كرامته..
ومن صدق محبة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.. السعيُ لنشر دينه.. وبثُ دعوته ورسالته بين الناس.. فهنيئاً لمن قضى عمرَه مقتديا بهذا النبي الكريم.. يسخر مالَه ونفسَه لإعزازِ هذا الدين.. ودعوةِ الناس إليه.. لا يأبه للعثرات.. ولا تثني عزيمتَه الصعوباتُ والتحديات.. فمن كان يحب هذا النبي بحق.. فليجعل سيرته أمام ناظريه.. فهو الإمام بحق.. وهو الهادي إلى سبيل ربه..
إِذا نَحن ادلجنا وَأَنت إمامنا ... كفى بالمطايا طيّب ذكراك حَادِيًا
وَإِن نَحن أضللنا الطَّرِيق وَلم نجد ... دَلِيلا كفانا نورُ وَجهك هاديا
ومن صدق محبته عليه الصلاة والسلام.. الإكثارُ من ذكره والصلاةُ عليه.....
بأبي وأمي أنت يا خير الورى**وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا
يا خاتمَ الرسْل الكرام محمدٌ**بالوحي والقرآن كنتَ مطهرا
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ**وبفيضها شهِد اللسانُ وعبّرا
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ**فاقتْ محبةَ مَن على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ**لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه..
اللهم اعز الإسلام والمسلمين.. وأذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين..
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اللهم صل على نبينا محمد
المرفقات
خطبة عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم 12 محرم 1438.docx
خطبة عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم 12 محرم 1438.docx