محبة النبي الحقَّة والتحذير من بدعة الإحتفال بالمولد

فيصل التميمي
1434/03/06 - 2013/01/18 05:52AM
محبة النبي الحقَّة والتحذير من بدعة الإحتفال بالمولد 6/4/1434هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ- وسابقوا فِي طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَهْتَدِينَ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
عباد الله.. يقول الله تبارك وتعالى ممتناً على عباده: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].
لقد بعث الله نبيه محمدَاً صلى الله عليه وسلم ليكون خاتمَ النبيين وإماماً للمتقين والرحمةَ المهداة للعالمين والحجةَ على الخلائق أجمعين، فشرفتْ به الأرض واستبشر به من وفّقه الله للهداية. وقد اصطفاه الله تعالى ليكون قدوة لهذه الأمة وبشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا، فبلّغ الرسالة، ونصح للأمة، وتركها على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، قال تعالى ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) [ النساء : 115 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى))، فقالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟! قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) رواه البخاري.
ولرسولِ الله صلى الله عليه وسلم عند الله شأنٌ عظيم، فلقد اختاره الله تعالى واصطفاه على جميع البشر وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين. وشرح صدره، ورفع ذكره، ووضع عنه وزره، وأعلى له قدره، وتكفّل عز وجل بإحياء اسمه صلى الله عليه وسلم على ألسنة أتباعه من المسلمين فدعا الله عز وجل عباده المؤمنين إلى الصلاة على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة هي في بعضها واجبة وفي بعضها الآخر مستحبة، فالمسلم يذكر اسم نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم ثمانيا وثلاثين مرة في الصلوات الخمس وذلك في التشهد الأول والثاني من كلّ صلاة، وخمس عشرة مرة في الأذان والإقامة، وعشر مرات في الدعاء عقب الأذان، وعشر مرات في دعاء الدخول إلى المسجد والخروج منه، وخمس مرات عقب الوضوء، وثمانيا وأربعين مرة في السنن الرواتب، واثنتي عشرة مرة في الشفع والوتر، وستا وثلاثين مرة ضمن أوراد الصباح و المساء، فهذه بعض المواطن التي يشرع فيها ذكر نبينا محمد والصلاة عليه كل يوم، والتي يبلغ مجموعها مائة وأربعة وسبعين مرة. ولو اعتبرنا أن عدد المسلمين ليس مليار وربع المليار وإنما مليار واحد فقط فمعنى ذلك أن اسم محمدٍ صلى الله عليه وسلم يذكرُ ويردّد في اليوم الواحد أكثر من مائة وسبعين مليارَ مرة، وهذا بغض النظر عن يوم الجمعة الذي أُمرنا فيه بالإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، فهل تجدون عظيماً أو ملِكا أو رئيسا يذكر اسمه بهذا العدد؟ ليس في اليوم الواحد، بل في العام الواحد؟ بل في عمر الزمان كله؟ لا والله، وقد رفع الله ذكر نبيه محمدٍ صلوات ربي وسلامه عليه ، وصدق الله حين قال: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
معاشر المسلمين.. إننا نخطئ كثيرا في التعبير عن حبنا وتعظيمنا لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فليس حبه بجعل يوم ميلاده عيدا رسميا أو تقام فيه احتفالات تعج بالبدع والتوسلات الشركية وفرحتهم تلك لا تعدوا أن تكون فرحا مؤقتاً خالياً من مضمون حبه المتعبدين به ،فحبه الحق يتمثل في امتثال أمره واتباعه ونبذ كلّ ما يخالف شرعه، وأن يكون القدوة الحقة لنا في جميع شؤون حياتنا، وأن يقدم حبه وقوله وطاعته على كل أحد. قال تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقال جل وعلا : (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا)
فالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وحبَه ليس مجرّد كلمات نردّدها ونتغنّى بها وننسج حوله القصائد والمدائح والأشعار ثم لا تتحوّل مقتضيات هذا الإيمان في حياتنا إلى واقع وسلوك،
وإذا كنا نحبه حقاً ونقدم قوله على قول أي أحد فهو لم يأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نحتفل بيوم ميلاده كما يفعل النصارى لنبيهم عليه الصلاة والسلام، بل حذرنا صلى الله عليه وسلم من أن نقلدهم في مبالغتهم في تعظيم نبيهم فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابنَ مريم , فإنما أنا عبد الله ورسوله) كما نهانا صلى الله عليه وسلم من أن نعمل شيئا ليس من دينه في شي فعَنْ أمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ -رَضِي اللهُ عَنْهَا- قالَتْ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وفي روايةٍ لمسلمٍ:((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ)). وهذا الإحتفالات بمولده بما فيها من نية التعبد والتقرب لم يأمرنا بها صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها الخلفاء الراشدون المهديون من بعده ولا غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولا العلماء الذين عاشوا في القرون المفضلة، والحق كل الحق الذي أُمرنا به وجدير بنا أن نبرهن به على حبه صلى الله عليه وسلم أن نلتزم المنهجَ الذي نزل عليه ولا نخالفه تعصباً لقول أو منهج يخالف أمره صى الله عليه وسلم وقد قال ربنا عزوجل: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
فاللهم اجعلنا من أتباع نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وممن يقتدون بسنته ولا يخالفون أمره، اللهم اجعلنا ممن يحتكم لسنته ويرضى بحكمه ويسلم تسليماً. اللهم احشرنا في زمرته ، واجعلنا ممن يرد الحوض عليه ويحضى بشفاعته إنك أنت الرؤوف الرحيم.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي نبيه الكريم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -أَتْبَاعَ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ-، ثم اعلموا رحمكم الله أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا في طاعته، فهو أسوة للمسلمين المتقدمين منهم والمتأخرين، وهو نبي هذه الأمة صاحب اللواء المعقود والحوض المورود وقد أخبرنا عن فضله وفضل أمّته فقال صلى الله عليه وسلم : ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما نبي يومئذ من آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر))، كما أخبرنا أيضا بأنه أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأول نبي يقضى بين أمته يوم القيامة، وأولهم جوازا على الصراط بأمته، وأول من يدخل الجنة بأمته، وهو الذي يشفع في رفع درجات أقوام في الجنة لا تبلغها أعمالهم، ويشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيخرجهم منها.
نبيّ بهذه الصفات وبهذه المنزلة لجدير أن يقدَّم قوله على كلّ مخلوق، وأن يجعل حبّه فوق حبّ النفس والمال والولد، وأن تجنّد النفوس والأموال لنصرة شريعته ونشرها بين الناس كما فعل السلف الصالح.
إن سرّ انتصارِ المؤمنين الأولين وعزتهم هو امتثالهم لأوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، هذا هو الحب الذي يطلبه الله عز وجل منا، لا أن يكرَم بالمدح والثناء فقط والقلوب خاوية من حبّه وجوارحنا بعيدة عن إتباعه، وألسنتنا هاجرة لتبليغ دينه وهديه. يقول القاضي عياض رحمه الله تعالى: "فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31]".
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لاتِّبَاعِ نَبِيِّكَ الْكَرِيمِ، وَسُلُوكِ صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَنْصَارِ سُنَّتِهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ آلِ بَيْتِهِ الْمُطَهَّرِينَ، وَسَائِرِ الصَّحْبِ أَجْمَعِينَ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
المشاهدات 2000 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا
خطبة عظيمة نافعة