(محبة الله عز وجل) ألقيت بتأريخ 23 / 2 / 1413 هـ.

د. عبدالله بن حسن الحبجر
1442/11/12 - 2021/06/22 23:56PM

بسم الله الرحمن الرحيم

  (محبة الله عز وجل)

 ألقيت بتأريخ 23 / 2 / 1413 هـ.. في جامع فيهق في محافظة حوطة بني تميم.

___________________

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، الْمُسْتَحِقِّ لِلْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، فَلَهُ الْحَمْدُ ولَهُ الشُكْرُ وَلَهُ الْكِبْرِيَاء. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الدَّيَّانُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّدُ الخَلْقِ أَجْمَعِين، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الشُّرَفَاءِ، وَصَحَابَتِهِ الْأَتْقِيَاءِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.   أما بعد:

فوصيتي إليكم عباد الله: هي وصية الله سبحانه للأولين والآخرين ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) .

معاشر المسلمين: نريده اليوم ذلك الحديث المحبب الى القلوب المؤمنة ، الحديث الذي طالما اشتاق إليه كل قلب يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

 .الحديث عن أمر تنافس فيه المتنافسون، وإليه شخص العاملون وبِرْوحِ نسيمه تروح العابدون .

إنه الحديث عن: قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، عن الحياة التي من حرمها فهو من جملة الاموات، والنور الذي من فقدة فهو في بحار الظلمات ، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الاسقام ، إنها والله اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام .

ذلكم هو الحديث عن: محبة الله عز وجل .

 عن محبة من جبلت القلوب على محبته ، وفطرت الخليقة على تأليهه، وبتلك المحبة قامت السماوات والارض، وعليها فطرت المخلوقات .

هي سر شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل له  .

دل على وجوب محبته سبحانه جميع كتبه المنزلة، ودعوة جميع رسله، وفطرته التي فطر عباده عليها، وما أسبغ عليهم من النعم ، فلو أن مخلوقا - ولله المثل الأعلى - كان في حاجة وضاقت عليه الارض بما رحبت، وظن أنه سيهلك ، فأتاه مخلوق فساعده ومد يد العون له، فإن ذلك الإنسان الملهوف سيُجِلّ من أسدى إليه ذلك المعروف، فكيف بمن كل الاحسان منه ؟!!

وما بخلقه جميعهم من نعمة فمنه وحده لا شريك له ( وما بكم من نعمة فمن الله )

ويقول جل ذكره (الله الذي خلق السماوات والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار )

ايها المسلمون : إن أعظم لذة في هذه الدنيا على الاطلاق هي لذة معرفة الله ، ولذة محبته جل جلاله وتقدست اسماؤه ، فإن ذلك هو جنة الدنيا ونعيمها الغالي ، ونسبة لذاتها الفانية إليه كتفلة في بحر ، فالدنيا اذا خَلتْ من تلك المحبة انقلبت آلاماً وعذاباً ، ويبقى صاحبها في المعيشة الضنك، فليست الحياة الطيبة إلا بالله ( فإما يأتينكم مني هدى فمن  اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .

وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ( إنْ كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش طيب ) وكان غيره يقول: ( لو علم الملوك وأبناء الملوك بما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف) .

إخوة العقيدة: ها هنا أربعة أنواع من المحبة يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل لعدم التمييز بينها .

أحدها : محبة الله ، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه؛ فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.

الثاني : محبة ما يحب الله، وهذه هي التي تدخل صاحبها في الإسلام  وتخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها، فإن محبة الله دعوى، والدعوى تحتاج إلى بينة ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )

فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأخلاقه، فجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم لا يخافون في الله لومة لائم، وهكذا كان التابعون لهم بإحسان على مر العصور وتعاقب الدهور.

الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله، ولا تستقيم محبة ما يحب إلا فيه وله .

روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) وروى الإمام مالك في الموطأ بإسناد صحيح والإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وغيرهم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى (وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين فيَّ،  وللمتباذلين فيَّ ) .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال: ( ما من رجلين تحابا في الله تعالى بظهر الغيب إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه ) رواه الطبراني بإسناد جيد .

فليتأمل الناصح لنفسه هذه الاحاديث وأمثالها، المتواردة على وتيرة واحدة في خصوص هذه المسألة التي هي الحب في الله والبغض في الله، والتي ربما يغفل فئام من الناس عن كونها عمل صالحا فضلا عن كونه يعتقد أنها من أفضل الأعمال الصالحة .

النوع الرابع : المحبة مع الله، وهي المحبة الشركية، فكل من أحب شيئا مع الله، لا لله ولا من أجله ولا فيه، فقد اتخذه ندا من دون الله، وهذه محبة المشركين قال تعالى: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله)

أما المحبة الطبيعية وهي: ميل الانسان إلى ما يلائم طبعه ، كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ونحو ذلك ، فتلك لا تذم إلا إذا ألهت عن ذكر الله تعالى وشغلت عن محبته كما قال تعالى: ( يا أيها الذين امنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) وقال تعالى ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ....

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده ..... أما بعد:

فيا عباد الله : اتقوا الله واعمرا قلوبكم بحب الله وإجلاله، فكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات الا هو ؟

ولا يذهب بالسيئات الا هو، سبحانه وبحمده أجود الأجودين وأكرم الاكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه ( يسأله من في السماوات والارض كل يوم هو في شأن )

لا يشغله سمع عن سمع ، ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين، بل يحب الملحين في الدعاء، ويحب أن ُيُسأل، ويغضب إذا لم يُسأل، يستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه، ويستره حيث لا يستر العبد نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم العبد نفسه، فهو أحق من ذُكِرْ، وأحق من شكر وأحق من عبد، وأحق من حُمِدْ، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى وأرحم من استرحم، وأكرم من قُصِدْ، وأعز من التجئ إليه، واكفأ من توكل العبد عليه، أرحم بعبده من الوالدة بولدها .

لا نحصي ثناء عليه هو كما اثنى على نفسه .

ما اعتاض باذل حبه لسواه من **عوض ولو ملك الوجود باسره .

ايها المسلمون : إن أصدق محبة عاشها العباد لله هي: محبة الخليلين محمد وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم ، فحياه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كلها ذكر لخليله جل جلاله، وما لقي في سبيل تبليغ الدعوة من المعاناة إنما هو استجابة لأمر الله سبحانه .

قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا ) رواه الحاكم

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله )

وهكذا كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضا ، فإنه لما سأل الله عز وجل الولد فأعطيه بعد ٨٦ عاما من عمره ، وتعلق حبه بقلبه فأخذ منه شعبة ، جاء الوحي والأمر له في المنام أن يذبحه ، ولم يكن المقصود ذبحَ الولد ، ولكن المقصود ذبحه من قلب إبراهيم ليخلص القلب لله ، فلما بادر الخليل إلى الامتثال وقدم محبه ربه على محبه ولده ، حصل المقصود ، فرُفِعَ الذبح ، وفدي الولد بذبح عظيم

هكذا تكون العزائم وهكذا يصمد الرجال امام المواقف العسيرة ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، والله عز وجل اذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط .

اسال الله عز وجل ان يجعلنا جميعا ممن آثر حبه على هواه، وابتغى بذلك قربه ورضاه .

المشاهدات 779 | التعليقات 0