محبة الله عز وجل

د صالح بن مقبل العصيمي
1436/12/06 - 2015/09/19 11:55AM
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ...
فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ، وَدَّعْنَا بِالأَمْسِ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، الَّتِي هِيَ مِنْحَةٌ مِنَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِمَنْ أَحَبَّهُم وَأَحَبُّوهُ مِنْ عِبَادِهِ؛ جَعَلَهَا سُبْحَانَهُ لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ فِيهَا بِالطَّاعَاتِ، وَلِيَدْعُوهُ؛ فَيَغْفِرُ لَـهُمْ الزَّلَاتِ، ثُـمَّ يَفْرَحُونَ بِعِيدِهِمْ، وَيَنْحَرُونَ أَضَاحِيهِمْ؛ فَاِعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْعَشْرَ، وَيَوْمَ عَرَفَاتٍ، وَعِيدَ الأَضْحَى؛ دَلِيلٌ عَلَى مَـحَبَّةِ اللهِ لِعِبَادِهِ. وَاِعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ، أَنَّهُ لَمْ يَحْظَ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ القُلُوبِ بِمَا حَظِيتْ بِهِ المَحَبَّةُ، وَبِمَا حَظِي بِهِ المُحِبُّونَ للهِ، فَمَنْ تَدَبَّرَ الكِتَابَ، وَتَأَمَلَّ السُنَّةَ؛ يَجِدْهَا قَدْ مُلِئَتْ بِمَا يَأْخُذُ بِمَجَامِعِ القُلُوبِ وَالأَفْئِدَة:
مَنْ لَمْ يُبِتْ والحُبُّ حَشْو فُؤَادِهِ * لم يدْرِ كَيفَ تُفتَّتُ الأَكْبَادُ
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -كَمَا قَالَ شَيْخُ الِإسْلَامِ- هِيَ أَعْظَمُ وَاجِبَاتِ الإِيمَانِ وَأَكْبَرُ أُصُولِهِ، وَأجلَّ قَوَاعِدِهِ، وَهِي أَصْلُ كُلِ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الإِيمَانِ وَالدِّينِ، وَهِيَ كَمَا - قَالَ ابنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ - : (المَنْزِلَةُ التِّي فِيهَا تَنَافَسَ المُتَنَافِسُونَ، وَإِلَيْهَا شَخَصَ العَامِلُونَ، وَإِلَى عِلْمِهَا شَمَّرَ السَّابِقُونَ، وَعَلَيْهَا تَفَانَى المُحِبُّونَ، وَبِرَوُحِ نَسِيمِهَا تَرَوَّحَ العَابِدُونَ، فَهِيَ قُوتُ القُلُوبِ، وَغِذَاءُ الأَرْوَاحِ، وَقُرَّةُ العُيُونِ، وَهِيَ الحَيَاةُ التِيِ من حُرِمَهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَمْوَاتِ، وَالنُّورُ الذي من فَقَدَهُ فَهُوَ فِي بِحَارِ الظُلُمَاتِ، وَالشِفَاءُ الذِي مَنْ عُدِمَهُ حَلَّتْ بِقَلْبِهِ جَمِيعُ الأَسْقَامِ). انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
أَيِ وَرَبِّي! لَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُهَا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالآخِرةِ. إذْ لَهم من مَعِيةِ مَحْبُوبِهِمْ حَظٌ وَافِرٌ، وَنَصِيبٌ عَظِيمٌ، وَلِمَ لَا وَهِيَ الشَّطْرُ الأَهَمُ فِي العُبُودِيةِ؛ فَالعُبُوديةُ كَمَالُ الحُبِّ وَالخُضُوعِ للهِ تَعَالَى.
الحُبُّ خَيْرُ مَا حَوَتْهُ أَضَالعُ وَالعُمْرُ إِلَّا فِي المَحَبَّة ُضَائِعُ
عِبَادَ اللِه، لَقَدْ نَطَقَ الكِتَابُ بِمَا يَدُلُ عَلَى أَنَّ اللهَ جَلَّا وَعَلَا يُحَبُّ، وَأَنَّ اللَه جَلَّ وَعَلَا يُحِبُ حُبًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَصِفَةٌ ثَابِتَةٌ لَهُ، من غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَكْلِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: (قُل إنْ كُنْتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وَهَذِه الآيةُ عُمْدَةٌ فِي المَحَبَّةِ وَلِمَ لَا، وَقَدْ فَضَحَتْ كُلَّ دَعِيٍ يَدَّعِي الحُبَّ وَلَا يَتَّبعُّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ أَثْبَتَتَ هَذِهِ الآيةُ أَنَّ الحُبَّ لَيْسَ مُجَرَّدُ دَعْوَى بِالِّلسَانِ، قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: هَذِهِ الآيةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ من ادَّعَى مَحَبَّةَ اللهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقةِ المُحَمَّدِيةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ، فِي نَفْسِ الأمرِ حَتَّى يَتَّبعَ الشَّرْعَ المُحَمَّدِي وَالدِّينَ النَّبَوِي فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَإِنَّهُ يَحْصَلُ لَكمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِن مَحَبَّتِكمْ إِيَاهْ وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ وَهُوَ أَعْظَمُ من الأَوْلِ ، وَ كَمَا قَالَ بَعضُ الحُكَمَاء: لَيسَ الشَّأْنُ أنْ تُحِبَ، إِنَمَا الشَّأْنُ أنْ تُحَبّ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : (مَنْ أَحَبَّ لِلهِ وَأَبْغَضَ لِلهِ وَأَعْطَى لِلهِ وَمَنَعَ لِلهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَمِنْ هُنَا قَالَ الحَسنُ: (اعْلمْ أَنَّكَ لَنْ تُحِبَّ اللهَ حَتَّى تُحِبَّ طَاعَتهُ) . وَسُئِلَ ذُو النُّونِ المِصْرِي: مَتَى أُحِبُّ رَبِّي ؟ قَالَ : (إِنْ كَانَ مَا يُبْغِضُهُ عِنْدَكُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ) . وَقَالَ بِشْرُ بنُ السِّرِي: " لَيْسَ مِنْ أَعْلَامِ الحُبِّ أَنْ تُحِبَّ مَا يُبْغِضُهُ حَبِيبُكَ". وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ النَّهرَجُورِي: " كُلُّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُوَافِقِ اللهَ فِي أَمْرِهِ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ". وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعَاذٍ: " لَيْسَ بِصَادِقٍ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللهِ وَلَمْ يَحْفَظْ حُدُودَهُ". قَالَ اللهُ : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَأَوْلِيَاؤَهُ وَعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، وَهُوَ المَوْدُودُ أي : المَحْبوبُ، الذي يَسْتَحِقُ أَنْ يُحبَّ الحُبَّ كُلَّهُ، وَأَنْ يَكُونَ أَحَبُّ إِلَى العَبْدِ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَجَمِيعِ مَحْبُوبَاتِهِ، فَلَا تُعَادِلُ مَحَبَّةُ اللهِ مِن أصْفِيَائِهِ مَحَبَّةً أُخْرَى لَا فِي أَصْلِهَا وَلَا كَيْفِيَتِهَا وَلَا فِي مُتَعَلَّقَاتِهَا وَهَذَا هُوَ الفَرْضُ.
عِبَادَ اللهِ .. هَلْ هُنَاكَ نِعْمَةٌ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ أَنَّ اللهَ يُحِبُّكَ، وَهَلْ هُنَاكَ ثَوَابٌ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ مَنْ أَحَبَّكَ لَا يُمْكِنْ أَنَّ يُعَذِّبَكَ، أَوْ يُخِيفَكَ، بَلْ سَتَجِدُ عِنْدَ مَنْ أَحَبَّكَ الخَيْرَ العَمِيمَ والرَّحْمَةَ التَّامَةَ وَالطَّلَبَاتِ المُحَقَّقَةِ، فَإِذَا كَانَ مُحِبُّكَ هُوَ اللهُ لَقَدْ حَصَّلَهَا الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلَ فَنَالُوا الخَيْرَ العَظِيمَ بَلْ نَالُوا رِضَى اللهِ، وَهَلْ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَرْضَى اللهُ عَنْكَ، قَالَ اللهُ : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)، نَعَمْ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيَا، لقد نَالَ مَحَبَّةَ اللهِ، صَحْبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الآيةُ التِيِ تَقْشَعِرُ لَهَا القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ وَتُفَتَّتُ لَهَا الأَكْبَادُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، فَاسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْضَى عَنَّا. يَقُولُ عَامِرُ بنُ عَبدِ قَيْسٍ: أَحْبَبْتُ اللهَ حُبَّا هَوَّنَ عَلَيَّ كُلَّ مُصِيبَةٍ، وَرَضَّانِي بِكُلِّ بَلِيَّةٍ، فَلَا أُبَالِي مَعَ حُبِّي إِيَاهُ عَلَى مَا أَصْبَحْتُ عَلَيهِ، وَلَا عَلَى مَا أَمْسَيتُ وَكَانَ عَمَّارُ بنُ يَا سِرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: (اللهمَّ لَوْ أَعْلَمُ أًنَّهُ أَرضَىِ لَكَ عَنِّي أَنْ أَرْمِيَ بِنَفْسِي مِنْ هَذَا الجَبَلَ، فَأَتَرَدَى فَعَلْتُ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرْضَى لَكَ أَنْ أُوقِدَ ناراً عَظِيمَةٌ فَأَقَعُ فِيهَا فَعَلْتُ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرْضَى لَكَ عَنِّي أَنْ أُلْقِي نَفْسِي فِي المَاءِ فَأُغْرِقُ نَفْسِي لَفَعَلْتُ، وَلَا أَقُولُ هَذَا إِلَّا وَأُرِيدُ وَجْهَكَ، وَأَنَا أَرْجُو أَلَّا تُخَيِّبَنِي، وَأَنَا أُرِيدُ وَجْهَكَ).
فَلَوْ قُلْتَ لِي : مُتْ، مُتُّ سَمْعاً وَطَاعَةً * وَقُلْتُ لِدَاعِيَ المَوْتِ أَهَلاً وَمَرْحَباً
وَقُتِلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَلَدَانِ فِي الجِهَادِ، فَعَزَّاهُ النَّاسُ فِيهِمَا فَبَكَى، وَقَالَ: مَا أَبْكِي لِفَقْدِهِمَا، إِنَّمَا أَبْكَانِي كَيْفَ كَانَ رِضَاهُمَا عَنِ اللهِ حَيْثُ أَخَذْتْهُمَا السُّيُوفُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...................





الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ......
فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، لْيَسَعَ كُلُ عَاقلٍ إِلَى أَنْ يَكُونَ من أَحْبَابِ اللهِ الذينَ يُحِبُهمْ اللهُ خَاصِّةٌ فِي هَذَا الزَّمَنِ الذِي يُسْعَى فِيهِ إِلَى التَّغْيِيرِ، تَغْيِيرِ الثَّوَابِتِ مِنْ خِلَالِ الهْجْمَةِ الشَرِسَةِ التِيِ يَشُنُهَا بَعْضِ الْمُفْسِدِينَ عَلَى الكَثِيرِ مِن الثَّوَابِتَ؛ بِدَعُوَى مَحَبَّتِهمْ لِلْدِينِ وَهُمْ وَرَبِّي كَذَبَةٌ! بَلْ هُمْ أَكْذَبُ الكَذَبَةِ! وَرَحِمَ اللهُ ابنَ القَيمِ حِينَمَا قَالَ :
أتُحِبُّ أَعْدَاءَ الحَبِيبِ وَتدَّعِي * حُبَّا لهُ مَا ذَاكَ فِي إِمْكَانِ؟!
وَكَذَا تُعَادِي جَاهِداً أَحْبَابَهُ * أَيْنَ المَحَبَّةُ يَا أَخَا الشَّيْطَانِ؟!
فَضَعُفَ الإِيمَانِ فِي قُلوبِ بَعْضِ النَّاسِ، وَخَفَّ فِيِ قُلُوبِ فِئةٍ أُخْرَى؛ وَلَا عَوْدَةَ إلا بِأَنْ نَنْظُرَ كَيْفَ يُحِبُّنَا اللهُ؛ فَنَسْعَى إِلَى نَيْلِ رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، فَهُمَا الغَايَةُ الكُبْرَى.
قَالَ اللهُ : (قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأزْوَاجُكُمْ وَعَشِيْرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنَ تَرْضَوْنَهَا أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُوُلِهِ وَجِهَادٍ فِيْ سَبِيْلِهِ فَتَرَبَّصُوْا حَتَّى يَأتِيْ اللهُ بِأمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين)
إِنَّ هَذِهِ الآيةَ مِنْ أَشَدِّ آيِ القُرْآنِ وَقْعاً عَلَى قُلُوبِ المْوَحِدِينَ، وَقَرَّعَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ قَدّمَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ المَحْبُوبَاتِ عَلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَعَلَى مَحَبَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَعَدَهُمْ وَتَهَدَّدَهمْ بِقَوْلِهِ : (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) ثُمَّ فَسَّقَهمْ بِتَمَامِ الآيةِ، وَكَمْ مِنْهُمْ مِمَّنْ ضَلَّ فَلَمْ يَهْدِهِ اللهُ تَعَالَى.إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُمثِّلٌ عَجَباً مِنْ عَجَائِبِ القُرْآنِ، فَالأْمُورُ الثَّمَانِيَةُ : ( الأَبُ – الابْنُ – الأَخُ – الزَّوْجَةُ – العَشِيرَةُ – الإِخْوَةُ – التِّجَارَةُ – الْـمَسْكَنُ ) هَذِهِ هِيَ عَصَبُ حَيَاةِ النَّاسِ جَمِيعاً، وَلَا يَسْتَطِيعُ كَائِنٌ مَنْ كَانَ بِلَا دِينٍ أًنْ يَجِدَ مَا يُقْدِمُهُ عَلَيْهَا، لَكِنَّ القُرْآنَ صَرِيحٌ فِي هَذِه المَسْأَلَةِ صَرَاحَةً لَا تَعْرِفُ المُوَارَاةَ وَلَا المُدَارَاةَ وَلَا المُرَاوَغَةَ، فَإِمَّا اللهُ وَرَسُولُهُ قَبْلَ الجَمِيعِ، وَإِمَّا تَرَبصٌ بِالعَذَابِ أَوْ تَفْسِيقٌ تَامٌ !!
اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)، وَحُبَّ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ : أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حُبَّ وَصَحَابَتِهِ الْكِرَامِ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ، وَزِيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاِجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مِنَ الرَّاشِدِينَ، الَّلهُمَّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا، وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْـمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ اُخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْـرًا، وَاِحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، اللَّهُمَّ صَوِّبْ رَمْيَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَاُنْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّهِمْ، وَاُنْصُرْهُمْ عَلَى عَدِوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِالْحُوثِيِّينَ الظَّلَمَةِ، وَبِـمَنْ أَعَانَـهُمْ، اللَّهُمَّ شَتِّتُ جَمْعَهُمْ، وَفَرِّقْ شَمْلَهُمْ، وَاِجْعَلِ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ اُنْصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ، وَاُخْذُلُ مَنَ خَذَلَ الدِّينَ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

مَشْكُولَةٌ .docx

مَشْكُولَةٌ .docx

غير مشكولة .docx

غير مشكولة .docx

المشاهدات 1218 | التعليقات 0