محاولة جديدة للعبث بهوية مسلمي اليونان ..د. زياد الشامي
احمد ابوبكر
لا وجه للمقارنة بأي حال من الأحوال بين السماحة التي تميزت بها الفتوحات الإسلامية عبر التاريخ وبين عنصرية وهمجية الغرب خلال عهود طغيانه واحتلاله لكثير من بلاد المسلمين وخصوصا إبان انهيار وسقوط الخلافة العثمانية .
إحدى نماذج هذه المفارقة التي باتت حقيقة مؤكدة ولا تزيدها الوقائع ومرور الأعوام إلا رسوخا ما يتعرض له مسلمو اليونان منذ انفصال الأخيرة عن الدولة العثمانية وتوقيع معاهدة "لوزان" لتبادل السكان بين تركيا واليونان عام 1344 هــ /1924م والتي تم من خلالها طرد أكثر من مليون مسلم من بلدهم الأم ليتحول المسلمون الذين كانوا قبل المعاهدة أكثرية حاكمة ويشكلون ما يزيد عن 60% من عدد سكان البلاد , إلى أقلية تتراوح أعدادهم بين 250 ألف إلى حوالي 500 ألف وفقا لتقديرات غير رسمية .
يعاني مسلمو اليونان منذ التوقيع على تلك المعاهدة من الاضطهاد الممنهج والتضييق والنيل المتعمد من مقدساتهم ومحاولات العبث بهويتهم وانتقاص حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها حق الاحتكام إلى شريعتهم الإسلامية فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث .
يكفي الاستشهاد على البون الشاسع بين معاملة الفاتحين الموحدين لغير المسلمين باليونان وبين معاملة الأخيرة للمسلمين بعد اتفاقية "لوزان" بما اعترف به وزير الخارجية اليوناني السابق "تيودوروس بانجالوس" الذي كتب مقالا أكد فيه أن اليونان دمرت آلاف المساجد التي كانت قد شيدت على أرضها في عهد العثمانيين في حين تحافظ تركيا جيدا على الكنائس التي بها حتى الآن !!
من أهم المناطق الإسلامية في اليونان منطقة "تراقيا الغربية" - كانت بها أغلبية مسلمة وباتت اليوم أقلية بسبب هجرة المسلمين إلى الدول المجاورة - التي انتقدت منذ أيام قانونا سنه برلمان البلاد يسمح بإقحام قانون الأحوال المدنية اليونانية للفصل في مسائل الميراث والزواج والطلاق فيما يتعلق بالأقلية التركية في الإقليم إلى جانب الأحكام الإسلامية .
القانون الجديد جعل من المحاكم المدنية صاحبة الفصل في هذه القضايا مع السماح في ذات الوقت بإمكانية اللجوء للشريعة الإسلامية عبر 3 مفتين تختارهم الدولة حال موافقة جميع الأطراف المعنية , في الوقت الذي كانت السلطات اليونانية تحصر شؤون الزواج والطلاق والإرث لدى الأقلية المسلمة بالمفتين وذلك منذ إقرار معاهدة لوزان التي رسمت الحدود بين اليونان وتركيا .
المفتي المنتخب لمدينة "غومولجينة" و رئيس الهئية الاستشارية للأقلية التركية في تراقيا الغربية "إبراهيم شريف" قال : إن القانون يعتبر تطورا سلبيا بالنسبة للأقلية المسلمة في البلاد , مضيفا أن القانون يسمح بمصادرة حقوق الأقلية المسلمة التي تم تحديدها وفقا للمعاهدات قائلا : "لقد خسرت الأقلية المسلمة مرة أخرى" .
شريف أشار إلى أن القانون الجديد سيخلق خلطا في تداخل السلطات خلال تطبيقه حيث أنه بيّن أن عقد الزواح سيكون بيد المفتي بينما الطلاق يكون وفقاً للقانون المدني عبر مراجعة أحد الزوجين إلى المحاكم , منوها إلى أنه مع سن القانون الجديد فإن انتخاب المفتي بدأ يشوبه الكثير من علامات الاستفهام ، مؤكدا أن القانون يتنافى مع المعاهدات الدولية ويسلب حقا من الحقوق المنصوص عليها في معاهدة لوزان .
من جانبه قال "أرجان أحمد" رئيس جمعية أصحاب الشهادات العليا لأقلية تراقيا الغربية : "إن القانون الجديد قيد صلاحيات المفتي حيث بات المفتي منزوع الصلاحية بشكل كامل تقريباً".
وزارة الخارجية التركية طالبت بعيد إقرار القانون الحكومة اليونانية بتطبيق كافة قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بحقوق الأقليات ودون أي تمييز وأعربت في بيان عن أسف أنقرة إزاء الضغوط القانونية التي تمارسها أثينا ضدّ المفتين المنتخبين من قِبل الأقلية التركية في تراقيا الغربية .
الخطوة التي قامت بها اليونان مؤخرا لا تخرج عن نطاق محاولاتها المستمرة النيل من حقوق الأقلية المسلمة ومحاولة العبث بهويتهم الإسلامية , ففي الوقت الذي تنعم فيه جميع الأقليات غير المسلمة في الدول الإسلامية منذ عهد النبوة وحتى الآن بحق الاحتكام إلى نصوص أديانهم - بغض النظر عن التحريف والتبديل الذي أصابها وحلّ بها - ما زالت الحكومات الغربية تمارس جميع أنواع التضييق ضد المسلمين وتحرمهم من حقهم المشروع بالاحتكام إلى نصوص الدين الحق الخاتم فيما يتعلق بأخص خصوصياتهم .
بل يمكن القول بأن القانون الجديد هو حلقة في مسلسل محاولات دفع المسلمين إلى الهجرة عبر الضغط عليهم بقضية حساسة وذو درجة عالية من الخصوصية , تماما كما تم الضغط على المسلمين من قبل بالكثير من شؤون حياتهم اليومية كــ البيع والشراء والتعليم و.....الخ .
فما معنى أن يُحظر على المسلم أن يبيع أرضه أو مسكنه لمسلم مثله وأن لا تسمح السلطات بالبيع إلا لغير المسلمين "اليونانيين" ؟!! وما معنى أن تكون مسألة زيادة مساكن المسلمين عن طابق واحد محرمة ؟!! وأن يتم منعهم من بناء المساجد واستخدام الوسائل العصرية في الإنتاج ؟!! وماذا يمكن أن يُفسر منع قانون التعليم في اليونان تعليم أطفال المسلمين أكثر من ساعتين للدروس الدينية أسبوعيا وأن تصدر ضد أكثر من إمام أحكام قضائية بالغرامة والسجن لمجرد مخالفة هذا القانون الجائر ؟!!
المصدر: المسلم