محاور الخطاب المؤثر ..د. : نزار نبيل أبو منشار

الفريق العلمي
1442/03/26 - 2020/11/12 14:33PM

الخطابة فن من فنون اللغة العربية.. وهذا الفن كغيره من الفنون له أصوله وضوابطه وأشكاله وتفرعاته ومميزات النجاح والفشل والتميز فيه، لذلك، وجب فهم هذه الأسس ودلالاتها قبل أي حديث بين شخصين أو بين شخص وملايين البشر؛ وهذه الأسس:

 

المقدمة:

 

وهي أول ما يصل السامع من كلمات المتحدث لافتتاح خطابه.

 

وللمقدمة الإبداعية صفات هامة تجعل منها مميزة ومؤثرة وبتجربتها يمكن لك أن تعرف قيمة التميز فيها.

 

انظر مثلاً لبعض الخطباء الذين يكررون مقدمة الخطبة الروتينية لديهم “إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا…”.

 

هي مقدمة قيّمة في مضمونها، ولكن تكرارها لأكثر من مرة يعني الملل الحقيقي لدى السامع، ويعطي دلالة على ضعف الذخيرة المعرفية والفكرية واللغوية لدى المتحدث نفسه.

 

ومن أهم مميزات المقدمة الإبداعية:

 

١. أن تكون قصيرة موجزة..

 

٢. أن تدل على مضمون الخطاب وفحوى الحديث الأساسي، وفيها إشارة لذلك.

 

٣. أن تشمل بعض الكلمات المميزة والعبارات الجاذبة للجمهور. كآية قصيرة أو بيت من الشعر أو حكمة مؤثرة…

 

٤. أن تحمل دلالة على شخصية المخاطب وهويته الفكرية، فمن يبدأ كلامه مثلا: بسم الله، يختلف عمن يبدؤه بعبارة “مساء الخير”، ويختلف عمن يبدؤه بكلمة “hello”.. فلكل مقدمة دلالة على شخصية المتحدث وهويته الفكرية والعقائدية ومميزات شخصيته وصلته بعالم القيم ونحوها..

 

٢- العرض (مضمون الحديث).

 

وهو صلب الموضوع الذي يريد المتحدث الخوض فيه، سياسيا أو معرفيا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو نحوه.

 

والعرض هو متن الخطبة المراد إلقاؤها، وفيه يتم وضع الأفكار والمفاهيم والقيم التي يريد المتحدث إيصالها للناس والجمهور من خلال حديثه.

 

وللعرض أو المتن الإبداعي سمات تتصل بكنه الموضوع وشخص المتحدث وقدرته على الحديث من حيث القوة والأثر وبلاغة اللغة وحسن الاستدلال وعرض الآراء ونقاشها ومن هذه السمات الفارقة:

 

١- وضع الأهداف المراد إيصالها للناس من خلال الحديث بصورة واضحة وترتيبها من حيث الأولوية.

 

٢- البدء بقوة وبلاغة وفصاحة بحيث يتم البدء بالآيات الكريمة أو الأحاديث المطهرة الموثوقة أو بالحكمة والمثل العربي أو من خلال الشعر قديمه وحديثه ونحو ذلك.

 

٣- الاشتمال على الأرقام والإحصائيات ودراسات الواقع والاستئناس بالبحوث الاستقصائية من مراكز الأبحاث ودوائر الإحصاء المختلفة، مع التأكيد هنا على أن للرقم دلالته في جذب السامع والتفاعل مع مادة الحديث وله أثر على شخصية المتحدث وكونه يؤمن بالعلم والدراسات البحثية ولا يتكلم جزافا أو لملء الفراغ.

 

٤- عبارات الجذب والتنبيه.

 

وهي تلك العبارات والجمل التي تمثل فاصلا بين الفقرات أو عنوانا لتنبيه السامع لأهمية ما سيأتي وأمثلتها كثيرة.. كان يقول المتحدث مثلاً:

 

السادة الأفاضل حضور الحفل.. المؤتمرون الأحبة.. السادة والسيدات..

 

ومنها أمثلة أعمق دلالة وأثرا مثل:

يا سدنة الحق والحقيقة.. يا جيل التغيير والحرية.. يا أمل الأمة بالعطاء والحرية.. أيها الأحرار الأطهار الأبرار… وهكذا.

 

فهذه العبارات تنشط ذاكرة المستمع وتعينه على مواصلة الاستماع بلا ملل ولا خمول.

 

والمتحدث اللبق هو من يحسن صياغة هذه العبارات وينتقي كلماتها ويحسن توزيعها على مساحة كلمته؛ لكي يستمر جذب الكلمة للجمهور.

 

٥- الربط الهادف بين الواقع والتاريخ، وإعطاء الشواهد التاريخية التي تدلل على فكرة المتحدث بصورة واضحة وجلية دون ليّ أعناق النصوص والدلائل؛ لتتوافق مع رغبة المتحدث، وفي التاريخ عبر لا تنتهي.

 

ومن المفيد في خطاب الشعوب المسلمة أن يتم الربط بين الواقع وبين ما جرى في السيرة النبوية قدر الإمكان، فالسيرة معلومة لدى العامة، وربط الواقع بها يغني المتحدث عن الإطالة والشرح والبيان.

 

٦- الاعتماد على القصة؛ سواء قصص الأنبياء أو التابعين أو الأمم السابقة أو قصص الحيوانات الرمزية؛ فالقصة لها أثر عميق في النفوس، وهي من الأمور التي يصعب على السامع نسيانها بسرعة.

 

٧- الاعتماد على المثل العربي القصير في مكانه؛ فالمثل العربي هو قصة مختزلة في كلمات ومعظم العامة والعلماء يفهمون دلالته، وأثره عميق جداً؛ فمثلا: من جرب المجرب عقله مخرب.. هذا المثل يغنيكم عن الشرح المطول لضرورة عدم تكرار التجارب السابقة مما ثبت فشله منها؛ فبكلمات المثل القليلة تكون قد أوصلت للجمهور رسالة قوية ومباشرة ويفهمها الجميع وتعلق في الأذهان بقصرها وقوتها.

 

٣- الخاتمة.

 

والخاتمة هي الكلمات والعبارات التي تنهي بها كمتحدث كلماتك مع الناس.

 

يستهتر كثير من الناس مع الأسف بخاتمة الكلام. فبعضهم تراه يتحدث بعبارات عامة وآخر يتحدث بموضوع بعيد عما طرحه في كلمته في العرض والمقدمة وآخر يطيل المقدمة فينسى الناس موضوع الخطاب المركزي، وغير هؤلاء وهؤلاء من يسرد خاتمة الحيث بسرعة وصوت منخفض وسريع الإيقاع.. وهكذا..

 

لكن الخاتمة هي عنصر مهم جداً من عناصر الخطاب، وفهمها يعين المتحدث على الانتفاع بها وجعلها مؤثرة وقوية وذات دلالة أخرى تضاف إلى سجل نجاحاته وتميزه في مقدمته وعرضه.

 

وللخاتمة سمات ومميزات لا بد من استيعابها.. وأهمها:

 

١- أن تكون قصيرة جداً. ولو استطاع المتحدث اختزال خاتمته في سطر أو سطرين على الأكثر فهناك النجاح وثمّ التميز.

 

٢- أن تشمل خلاصة الفكرة الرئيسة في الخطاب، وتكرر الفكرة وتدلل عليها بأسلوب احترافي. كأن تؤكد على فكرتك المنطوقة في متن الخطبة ببيت من الشعر في الخاتمة.. وفي ذلك تكرار نافع وإعادة مثمرة لفحوى الخطاب المركزي لتعلق الفكرة في الأذهان.

 

٣- أن تطرح بقوة لافتة. وعلينا أن لا ننسى هنا أن الخاتمة هي أكثر ما يعلق في ذهن المستمع، فكثرة الكلام ينسي بعضه بعضا. وتبقى كلمات المتحدث الأخيرة حاضرة في أسماع وأذهان الحاضرين.

 

ومن عناوين القوة في الختام أن تطرح فيها رقما وتستثمره، أو أن تطرح أية كريمة أو حديثاً قصيرا أو بيتا من الشعر أو حكمة مؤثرة مع استثمار ذلك كله.

 

وربما ينتقي بعض المتحدثين عبارات قوية أعجبته.. فيضعها في خاتمة الكلام لديه، فمثلا: يقول:

 

خلق الله للخطوب رجالاً *** ورجالا لقصعة وثريد

 

أو: المسلم وقف لله تعالى.

 

أو نحو ذلك من العبارات والكلمات القوية الجامعة والمؤثرة.

المشاهدات 417 | التعليقات 0