محافظة الأنبار العراقية قلعة الصمود والتحدي

احمد ابوبكر
1434/03/23 - 2013/02/04 11:41AM
يستدعي حراك الانتفاضة الشعبية القائم في العراق منذ ستة أسابيع في هذه المحافظة الباسلة احتجاجا على حكومة المالكي الطائفية التعريف بالأنبار لمن لا يعرفها، وهو امتداد لحراك أهلها ومقاومتهم الشرسة التي أبدوها في مدينتي الرمادي مركز المحافظة، ومدينة الفلوجة ذائعة الصيت ضد الاحتلال الأميركي الغاشم، فمنذ 2003م لم يتوقف، وظلت المحافظة تغلي كالبركان، ما يكاد يخفت حتى يثور، وقد أطلق الجنود الأمريكان العلوج عليها “مثلث الموت" كلفتهم ثمنا باهظا بلغ ثلث قتلاهم وجرحاهم في العراق، مع أنها واحدة من ثمانية عشر محافظة عراقية.
عدت الأنبار معقلا حصينا للمقاومة ضد الاحتلال الأميركي، كبدت قواتهم خسائر فادحة أشدها في مدينة الفلوجة حيث استعصت على الاحتلال عاما كاملا ولم يدخلوها إلا بعد هجومين عسيرين واجهوا فيها أشرس مقاومة في تاريخهم الحديث منذ حرب فيتنام، استخدموا فيها الأسلحة الثقيلة والكيماوية المحرمة دوليا باعترافهم، وتسببوا بقتل النساء والأطفال والشيوخ، وخاضوا مواجهات صعبة في مدن حديثة والقائم وهيت وكبيسة والرطبة والكرمة تكبدوا فيها خسائر جسيمة، وظلت المقاومة تنشط وتحصد جنودهم وآلياتهم العسكرية فاضطروا للتفاوض مع زعماء العشائر، أغروهم بمحاربة القاعدة ومنحوهم وعودا بترك المحافظة هربا مما لقوا فيها.
تقع الانبار في المنطقة الغربية وتعد أوسع المحافظات، تقدر مساحتها بثلث مساحة العراق طول ضلعها 500كيلومتر، ويتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين من العرب السنة عشائر الدليم استوطنت قبل وبعد الفتح الإسلامي، وتداخلت أنسابها بالمصاهرة فأصبح بعضهم يلقب بمدينته كالراوي، والعاني، والحديثي، والكبيسي، والهيتي، وكانت تدعى قبل 1961م بمحافظة الدِليم وحدودها مجاورة لثلاث دول عربية سوريا، والأردن، والسعودية، أطلق عليها المناذرة الانبار وتعني المخزن لأسلحتهم وذخيرتهم ومؤنهم، وجعلوها مركزا حربيا لصد هجمات الامبراطوريات المجاورة، واتخذها العباسيون عاصمة بعد الكوفة على زمن أبوالعباس إلى أن أكمل أبوجعفر المنصور بناء بغداد، ومن مدنها القديمة مدينة هيت التاريخية.
وتشكل الأنبار جزءاً من هضبة الجزيرة العربية، بسطحها المتموج وتلالها الصغيرة، تخترقها وديان أشهرها وادي حوران حيث ترتفع الأرض نحو 800 متر فوق مستوى البحر عند الحدود الأردنية وتنخفض تدريجيا قرب الفلوجة إلى 70 متراً، ويتخللها نهر الفرات بدءا من الهضبة الغربية منحدرا تدريجياً باتجاه منخفض بحيرات الثرثار والحبانية والرزازة، وكثيرا ما يكون مجرى أعالي الفرات وعراً صخوره بادية للعيان، ومناخ الأنبار شبه صحراوي، تتباين أمطاره بين سنة وأخرى وكذلك درجات الحرارة ليلا ونهارا صيفاً وشتاء، ومن محاصيلها الزراعية الحبوب والخضراوات والفاكهة، وفيها مليونا شجرة نخيل. والانبار غنية بموارد طبيعية لم تستخرج كالغاز الطبيعي، والذهب، والفوسفات، والحديد، واليورانيوم، والكبريت، والفضة، والقار، والنفط الذي يقدر بـ 300 مليار برميل. ومن أهم مشروعاتها سد حديثة ومحطتها الكهرومائية، ومعمل زجاج وسيراميك الرمادي، ومعمل اسمنت كبيسة، وموقع تصدير الغاز بعكاس، وتصدير النفط بعكاشات، والشركة العامة للفوسفات.
ومنذ الاحتلال الأميركي جابه أهل المحافظة شأنهم شأن جميع سكان المحافظات ذات الأغلبية السنية كصلاح الدين، وديالى، ونينوى العنت؛ بسبب تمسكهم بالقيم الإسلامية، ولاقوا من السلطة الإهمال والتهميش والعزل والتهجير ومداهمات قوى الأمن والجيش الليلية، بحجة مقاومة الإرهاب واجتثاث البعث، واعدم وسجن الكثير منهم ظلما، فاندفعوا بفعل الاضطهاد والاعتقال والتعذيب والاغتصاب في السجون إلى المناداة أحيانا بتشكيل إقليم فدرالي بصلاحيات واسعة ومجلس تشريعي وقوات حرس محلية، رغم انطواء الدعوة على مخاطر تقسيم العراق وضياع وحدته.
لقد مر أربعون يوما على اعتصام أهالي الانبار وتظاهرهم السلمي على أطراف مدينتي الرمادي والفلوجة التي تبعد إحداهما عن الأخرى ستين كيلومترا، يعتصمون عند الطريق الدولي السريع الذي يربط العراق بسوريا والأردن، مطالبين الحكومة بالإفراج عن المعتقلين الأبرياء نساء ورجالا ممن لم يحاكموا، وإعادة محاكمة المجرمين ظلما، وإلغاء عقوبة الإعدام، وقانون الإرهاب وقانون اجتثاث البعث اللذين طبقا على العرب السنة بإرادة إيرانية صفوية حاقدة واستثنيت منه الطوائف الأخرى، وبوضع حد لتخرصات قوى الأمن، وإلغاء مهمة المخبرين السريين، ووقف التمييز والتفرقة، ومحاسبة المفسدين الذين استـأثروا بأموال العراق حتى عد الأول في الفساد عالميا، والأشد انفلاتا في الأمن، ولا نقول إلا ما قال الله تعالى: *إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ* أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ* 41 الحج.



د.عمران الكبيسي
المشاهدات 1166 | التعليقات 0