محاسبة النفس

إرشاد إرشاد
1432/12/29 - 2011/11/25 04:57AM
[align=justify]
أصلها خطبة للشيخ صالح بن حميد بعنوان وداعاً أيها العام
أعرضها لكم مع بعض التصرف والإضافات
إن الـحَمْدُ لله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مِنَ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد : فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله حيثما كنتم، وقوموا بالأمر الذي من أجله خُلقتم؛ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ.
أيها المسلمون, تعالى ربنا وتنزه أن يخلق السموات والأرض وما بينهما بلا حكمة (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) وتبارك وتقدس أن يترك الإنسان بلا مهمة (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)، (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) خلق الخلق ليعبدوه، وأنشأهم من الأرض واستخلفهم فيها ليطيعوه ويتقوه، فمن أراد دوام العافية, ورام حسن العاقبة.. فليعبد الله وليتقه؛ عبادةً وتقوى على الدوام، واستقامةً على الهدى في جميع الشهور والأيام.
إنه ليس لعموم الطاعة زمن محدود, وليس للتقوى موسمٌ مخصوص.. بل هي حق الله على العباد. يعمرون بها أوقاتهم, ويستعملون فيها أبدانهم, ويخلصون بها له قلوبهم.
ولئن تفاضلت بعض الأيام والشهور وتضاعفت في بعض الأيام والشهور، وتضاعفت في بعض المواسم الأجور، فما ذلك إلا من أجل مزيد العمل، وتنشيط الهمم.. تألف فيها النفوس الطاعةَ، وتستيقظ فيها من بعد غفلة، والمغبون من لم يعرف ربه إلا في أيام معلومات أو ساعات معدودات.. ثم يعود من بعد ذلك إلى غيِّه وغفلتِه، ينتكس في المعاصي، ويرتكس في الآثام.. نعوذ بالله من الخذلان.
أيها المسلمون في توديع عام واستقبال آخر يحسن التذكير. وما يتذكر إلا من ينيب، لا بد من وقفةٍ صادقةٍ مع النفس محاسبة ومساءلةً. فوالله لتموتنَّ كما تنامون، ولتبعثنَّ كما تستيقظون، ولتجزونَّ بما كنتم تعملون. فجنة للمطيعين، ونارٌ للعاصين (أفمن يلقى فى النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).
عباد الله: من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، ثم اشتدت عليه حسراته. وأيُّ حسرةٍ على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة ً, وتقوده أيامه إلى المزيد في الردى والشقوة.
إن الزمان وتقلباته أنصحُ المؤدبين, وإن الدهر بقوارعه أفصحُ المتكلمين فانتبهوا بإيقاظه واعتبروا بألفاظه.
عباد الله: من حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه وحسن في الآخرة منقلبه، ومن أهمل المحاسبة دامت حسرته وساء مصيره، وما كان شقاء الأشقياء إلا لأنهم كانوا لا يرجون حساباً. وقعوا ضحايا خداع أنفسهم وأحابيل شياطينهم، وافتهم المنايا وهم في غمرة ساهون.
عجيب حال هذا الغافل: يوقن بالموت ثم ينساه، ويتحقق من الضرر ثم يغشاه، يخشى الناس والله أحق أن يخشاه، يغتر بالصحة وينسى السقم، ويفرح بالعافية ولا يتذكر الألم، يزهو بالشباب ويغفل عن الهرم، يهتم بالعلم ولا يكترث بالعمل، يطول عمره ويزداد ذنبه، يبيض شعره ويسودّ قلبه، قلوب مريضة عز شفاؤها، وعيون تكحلت بالحرام فقل بكاؤها، وجوارح غرقت في الشهوات فحق عزاؤها.
سبحان الله - عباد الله ألم يأن لأهل الغفلة أن يدركوا حقيقة هذه الدار، أما علموا أن حياتهم عناء، ونعيمها ابتلاء، جديدها يبلى، وملكها يفنى، ودها ينقطع، وخيرها ينتزع، المتعلقون بها على وجل إما في نعمٍ زائلة أو بلايا نازلة أو منايا قاضية ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الأخرة هي دار القرار) العمر قصير والخطر المحدق كبير والمرء بين حالين : حالٍ قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه.
سبحان الله -عباد الله- تمر الجنائز بالناس يجهزونها ويصلون عليها ويسيرون خلفها، يشيعونها محمولة إلى منازلها، فتراهم يلقون عليها نظرات عابرة، وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير. أو أظلهم ظلال من الكآبة خفيف. ثم سرعان ما يغلب عليهم نشوة الحياة وغفلة المعاش.
أيها الإخوة: أهل الغفلة أعمارهم عليهم حجة، وأيامهم تقودهم إلى شقوة. كيف تُرجَى الآخرة بغير عمل؟ أم كيف تُرجَى التوبة مع الغفلة والتقصير وطول الأمل؟؟.
يا أهل الغفلة: هذه الدنيا كم من واثق فيها فجعته؟؟ وكم من مطمئن إليها صرعته؟؟ وكم من محتال فيها خدعته؟؟ وكم من مختال أصبح حقيراً؟؟ وذي عزة أردته قتيلاً؟؟ وكم من ذي سلطان زال عنه سلطانه وأصبح ذليلاً، حلوها مر، وعذبها أُجاج، وعزيزها مغلوب، العمر فيها قصير، والعظيم فيها يسير، وجودها إلى عدم، وسرورها إلى حزن، وكثرتها إلى قلة، وعافيتها إلى سقم، وغناها إلى فقر.
وإذا كان الأمر كذلك أيها المسلمون فعلى صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه ومن حياته لموته ومن شبابه لهرمه ومن صحته لمرضه فما بعد الموت من مستعتَب ولا بعد الدنيا سوى الجنة أو النار، ومن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه ما بينه وبين الناس.
من صدق في سريرته حسنت علانيته، ومن عمل لأخرته كفاه الله أمر دنياه.
والمحاسبة الصادقة ما أورثت عملاً، فعليك يا عبد الله أن تستدرك ما فات بما بقي فتعيش ساعتك ويومك، ولا تشتغل بالندم والتحسر من غير عمل.
واعلم أن من أصلح ما بقي غفر له ما مضى ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وبما بقي، والموت يأتيك بغتة فأعط كل لحظة حقها وكل نَفَسٍ قيمته فالأيام مطايا، والأنفاس خطوات، والصالحات هي رؤوس الأموال، والربح جنات عدن، والخسارة نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى، وأنت حسيب نفسك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الَلهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى الَلهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَىَ آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ..
أما بعد/ أيها المسلمون اعلموا أن من أشد ما يفسد العمر ويقتل الوقت صحبة أهل اللهو والغفلة والعبث، بهم يضيع الزمن ويفسد العمل وتسوء الصحبة، فواجب على من نصح نفسه وعرف وقته أن ينفر منهم، فالنبتة الفاسدة تفسد ما جاورها، والماء والهواء يفسدهما مقاربة الجيف، وفي أحضان البطالة والبطالين تولد الرذائل وتنبت جراثيم فناء الأفراد والأمم، والعاطلون هم الموتى.
ومن لم يشغل نفسه بالحق تشاغلت بالباطل، والإناء إن لم تشغله بالماء شغله الهواء، فمن عزم على حفظ ما بقي له من سويعات عمره فلا يصاحب إلا الجادين العاملين الأخيار النابهين البررة الصالحين الذين يحرصون على أوقاتهم أشد من حرص الشحيح على دراهمه ودنانيره.
فاتقوا الله -رحمكم الله- وجدوا في العمل واعتبروا بما سلف وبمن سلف، فالفرص تفوت والأجل موقوت والإقامة محدودة والأيام معدودة ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون.
اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها. وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وأعمارنا.. يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل هذا العام الجديد عام خير ونصر وعز للإسلام والمسلمين في كل مكان
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين .
اللهم آمنا في اوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه وأبعد عنه بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم من أراد المسلمين بشر وسوء ، فاجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميراً عليه ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم احم حوزتهم ، واجمع على الحق كلمتهم ، واحقن دماءهم، وثبت أقدامهم ، وسدد أراءهم وسهامهم ، وقوي عزائمهم ، اللهم اربط على قلوبهم ، وانصرهم على من عاداهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ.
والحمد لله رب العالمين.
[/align]
المشاهدات 1884 | التعليقات 0