متى نشعر بحال إخواننا؟!

مَتَى نَشْعُرُ بِحَالِ إِخْوَانِنَا ؟!
4/3/1433

الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ أَلَفَّ بَيْنَ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَهُمْ إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ، فَبِدِينِهِ يَجْتَمِعُونَ، وَفِيهِ يُوَالُونَ وَيُعَادُونَ، وَعَلَيهِ يَتَعَاضَدُونَ وَيَتَنَاصَرُونَ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ فَاوَتَ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الدَّرَجَاتِ وَالأَرْزَاقِ؛ لِيَبْتَلِيَهُمْ فِيمَا آتَاهُم؛ وَلِيَكُونَ بَعْضُهُمْ سُخْرَةً لِبَعْضٍ [وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] {الزُّخرف:32} وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ كَانَ يَجُوعُ لِيَشْبَعَ غَيْرُهُ ، وَلَا يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ حَتَّى يَشْرَكَ فِيهِ مَعَهُ أَحَدًا مِنْ أَصِحَابِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ خَادِمُهُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«أَنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ غَدَاءٌ وَلا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، إِلاَّ عَلَى ضَفَفٍ» صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقَوْا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْيُوا رَابِطَةَ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَاعْتَزُّوا بِهَا دُونَ غَيرِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّاكُمْ المُسْلِمِينَ، وَجَعَلَ الفَخْرَ بِهِ أَحْسَنَ الْقَوْلِ [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33}
أَيُّهَا النَّاسُ: إِذَا عُمِرَ قَلْبُ العَبْدِ بِالإِيْمَانِ اِمْتَلَاءَ بِالرَّحْمَةِ والإِحْسَانِ؛ فَيُحِسُّ بِإِخْوَانِهِ، وَيَتَمَنَّى الخَيْرَ لَهُمْ، وَيَتَأَلَّمُ لما يُصِيبُهُمْ ؛ لِأَنَّ رَابِطَةَ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ لَا تُنَازِعُهَا رَابِطَةٌ أُخْرَى، فَيَسْتَحْضِرُ قَوْلَ الله تَعَالَى [وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] {التوبة:71} وَقَولَهُ تَعَالَى [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10}.
وَيُحَوِّلُ ذَلِكَ إِلَى وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ فِي حَيَاتِهِ؛ فَإِنْ رَأَى مَرِيضًا تَأَلَّمَ لِمَرَضِهِ، وَسَعَى فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَإِنْ أَبْصَرَ فَقِيرًا مُعْدَمًا بَذَلَ لَهُ مَا يُعِينُهُ عَلَى عَيْشِهِ، وَإِنْ سَمِعَ عَنْ مُصَابِ مُسْلِمٍ اِنْزَعَجَ وَدَعَا لَهُ، وَإِنْ أَحَسَّ تَغَيُّرًا فِي الْجَوِّ بِحَرٍّ لاَفِحٍ، أَوْ بَرْدٍ قَارِسٍ، أَوْ مَطَرٍ مُغْرِقٍ ؛ قَلِقَ عَلَى إِخْوَانِهِ المُسْلِمِيْنَ، وَتَذَكَّرَ أَحَوَالَ الضَّعَفَةِ وَالْعَاجِزِينَ .. فِيَا لِهَذَا القَلْبِ العَامِرِ بِالإِيمَانِ، المَمْلُوءِ بِالرَّحِمَةِ وَالإِحْسَانِ ، لَمْ تُلَوِثْهُ أَوْضَّارُ الأَفْكَارِ.
إِنَّ الشُّعُورَ بِالأُخُوَةِ الإِيْمَانِيَّةِ هُوَ أَعْظَمُ شُعُورٍ فِي الْعَلَاقَاتِ البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لله تَعَالَى وَلَيْسَ لِشَيءٍ آخَرَ، وَمَنْ أَحَبَّ لله وَأَبْغَضَ لله وَأَعْطَى لله وَمَنَعَ لله فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَصَاحِبُهُ ذَاقَ أَحْلَى شَيْءٍ وَأَبْقَى شَيْءٍ وَهُوَ طَعْمُ الإِيمَانِ، وَحُبُّهُ أَبْقَى حَبٍّ، وَلَذَّتُهُ أَدْوَمُ لَذَّةٍ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ الأَحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ وَجَدَهَا مَمْلُوءَةً بِتَنْمِيَةِ هَذَا الشُّعُورِ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ؛ وَذَلِكَ حِينَ يُعَلِّقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَالَ الْإِيمَانِ عَلَى اِكْتِمَالِ العَلَاقَةِ بَيْنَهُمْ، وَحِينَ يَجْعَلُهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِنَاءً شَامِخًا قَوِيَّاً مَتِينًا، وَيَجْعَلُ مَا يُصِيبُ بَعْضَهُمْ كَأَنَّهُ أَصَابَ جَمِيعَهُمْ، فَيَتَأَلَّمُ المُصَابُ وَغَيْرُ المُصَابِ؛ لِأَنَّ أَلمَهُ بِمُصَابِ أَخِيهِ لَا يَقِلُّ عَنْ أَلَمِ أَخِيهِ بِمُصِيبَتِهِ؛ وَذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا:«لا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا»، وَمِنهَا:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وَمِنْهَا:«المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وَمِنْهَا:«مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
وَطَبَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ المَحَبَّةَ تَطْبِيقًا عَمَلِيًا؛ فَمَا كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ لِنَفْسِهِ دُونَ المُؤْمِنِينَ، وَلمَا اخْتَصَّهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِطَعَامٍ يَومَ الْخَنْدَقِ حِينَ رَأَى فِيهِ أَثَرَ الْجُوعِ صَاحَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ يَدْعُوهُمْ لما اخْتُصَّ بِهِ.
وَلمَا وَفَدَ عَلَيهِ وَفْدُ مُضَرٍ وَهُمْ حُفَاةٌ عُرَاةٌ تَمَعَّرَ وَجْهُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ؛ فَخَطَبَ النَّاسَ؛ يَحُثُّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، فلما تَتَابَعَ النَّاسُ بِالصَّدَقَةِ حَتَّى كَثُرَتْ، وَسُدَّتْ حَاجَتُهُمْ؛ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الفَرَحِ، فِيَا لَرَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالمُحْتَاجِينَ، وَشُعُورِهِ بِحَاجَتِهِمْ .
وَلمَا أُصِيبَ القُرَّاءُ فِي وَقْعَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ شَعَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمُصَابِهِمْ، وَوَجَدَ عَلَيهِمْ وَجْدًا شَدِيدًا، حَتَّى قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:« فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ»، وَفِي رِوايَةٍ :« فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيهِمْ».
وَلمَّا خَفَرَ المُشْرِكُونَ ذِمَّةَ بَنِي كَعْبٍ، وَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ ؛ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ لِنُصْرَتِهِمْ وَهُوَ يَقُولُ:«لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ مِمَّا أَنْصُرُ مِنْهُ نَفْسِي»، فَكَانَ فَتْحُ مَكَةَ المُبِينُ.
وَيُلَخِّصُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَلِكَ بِقَولِهِ:«إِنِّا وَالله قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتَّبِعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ»رَوَاهُ أَحْمَدُ .
هَكَذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِحْسَاسًا بِالمُؤْمِنِينَ، وَمَحَبَّةً لَهُمْ، وَرَحْمَةً بِهِمْ، وَسَعْيًا فِي نُصْرَتِهِمْ وَنَجْدَتِهِم.
وَأَخَذَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ هَذَا الخُلُقَ النَّبِيلَ عَنْهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُقَدِّمُ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُؤْثِرُ غَيْرَهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَيُحِسُّ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِ، وَيَشْعُرُ بِمُعَانَاتِهِم، وَيَقِفُ مَعَهُمْ فِي كُرُوبِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ .
فَعَائِشَةُ بَعْثَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُُ عَنْهُمَا إِلَيْهَا بِمِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا، فَقَالَتْ لَهَا مَوْلَاتُهَا:«لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْماً? فَقَالَتْ: ألَا قُلْتِ لِي؟!».
لَقَدْ نَسِيَتْ نَفْسَهَا أَثْنَاءَ اهْتِمَامِهَا بِغَيرِهَا؛ عِلْمًا أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً ذَلِكَ اليَومِ وَلَا فَطُورَ عِنْدَهَا، وَقَدْ فَرَّقَتْ عَلَى الضُّعَفَاءِ مِئَةَ أَلْفٍ وَلَمْ تُبْقِ دِرْهَمًا لِفُطُورِهَا!!
وَكَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئاً اشْتَرَى بِهِ لَحْماً أَوْ سَمَكاً ثُمَّ يَدْعُو المُجَذَّمِيْنَ فَيَأْكُلُوْنَ مَعَهُ.
ولمَّا غَلَا السَّمْنُ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اكْتَفَى بِالزَّيْتِ؛ فَقَرْقَرَ بَطْنُهُ مِنْهُ، فَقال رضي الله عنه:«قَرْقِرْ مَا شِئْتَ، فَوَالله لاَ تَأْكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ». وَمَرِضَ ابْنُ عُمَرَ، فَاشْتَهَى عِنَبًا، فَاشْتُرِيَ لَهُ، فَسَمِعَ سَائِلاً يَسْأَلُ؛ فَقَدَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ العِنَبَ.
وَجَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِم، مِنْ خُلَفَاءَ وَعُلَمَاءَ وَصَالِحَينَ؛ فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَأَحْيَوْا الأُخُوَّةَ الإِيمَانِيَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ أَخْلَاقِ أَسْلَافِهِمْ، وَوَاسَوْا غَيْرَهُمْ فِي مُصَابِهِمْ .
قَالَ أَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«لَقَدْ رَأَيْتُنَا فِي مَجْلِسِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ أَرْبَعَيْنَ فَقِيهًا أَدْنَى خَصْلَةٍ فِينَا التَّوَاسِي بِمَا فِي أَيْدِينَا»، وكَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنْ فَضْلِ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ ثُمَّ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ، وَمَنْ مَاتَ عُرْيَانًا فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ».
وَكَانَ بَكْرُ بنُ عَبْدِ الله المُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يَلْبَسُ كِسْوَتَهُ ثَمَّ يَجِيءُ إِلَى المَسَاكِينِ، فَيَجْلِسُ مَعَهُمْ يُحْدِّثُهُمْ وَيَقُولُ:«لَعَلَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ» تَأَمَّلُوا شُعُورَهُ بِهِمْ، وَمُوَاسَاتَهُ لَهُمْ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ الْجُلُوسِ مَعَهُمْ !!
وَذَكَرَتْ فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُ مُعْتَمِدًا، يَدُهُ عَلَى خَدِّهِ، سائِلَةٌ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقُلْتُ:«يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَلِشَيْءٍ حَدَثَ؟ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، إِنَّي تَقَلَّدْتُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحْمَرَهَا وَأَسْوَدَهَا، فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالغَازِيْ المَجْهُودِ، وَالمَظْلُومِ المَقْهُورِ، وَالغَرِيبِ الأَسِيرِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ وَالمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِم فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَطْرَافِ الْبِلَادِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَشِيتُ أَنْ لَا يُثَبِّتَ لِي حُجَةً عِندَ خُصُومَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيتُ»
وَفِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ تَصَدَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ المَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بِقِيمَةِ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ كُلِّهَا وَكَانَتْ مِئَةَ دِينَارٍ ذَهَبِيٍّ وَقَالَ:«مَا نِمْتُ اللَّيْلَةَ غَمَّاً لِفُقَرَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَلمَّا سَقَطَ بَيْتُ المَقْدِسِ فِي أَيْدِي الصَّلِيبِيَّينَ؛ اِرْتَجَّ الْعَالَمُ الإِسْلَامِّيُّ مِنْ أَدْنَاهُ إِلَى أَقْصَاهُ، وَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً مُرَّاً لمِا وَرَدَ عَلَيهِمْ مِنْ أَخَبَارِ الْفَظَائِعِ الَّتِي اِرْتَكَبَهَا الصَّلِيبِيُّونَ بِحَقِّ المُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، حَتَّى إِنَّ جُمُوعًا مِنْهُمْ مَا قَدَرُوا عَلَى الصِيَامِ مِنَ الْبُكاءِ وَالإِغْمَاءِ؛ غَمَّاً عَلَى حَالِ إِخْوَانِهِم، وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .
وَكَذَلِكَ لمَّا اجْتَاحَ التَتَارُ بِلَادَ المُسْلِمِينَ؛ كَتَبَ المُؤَرِّخُونَ جَرَائِمَهُمْ بِزَفَرَاتِ قُلُوبِهِمْ، وَدَمْعِ عُيُونِهِمْ، وَكُتُبُ التَّارِيخِ مَمْلُوءَةٌ بِحَسَرَاتِ المُدَوِّنِينَ لِلْحَوَادِثِ وَالمَصَائِبِ الَّتِي أَصَابَتْ المُسْلِمَيْنِ وَاِسْتِرْجَاعِهِمْ وَحَوْقَلَتِهِمْ فِيهَا رَغْمَ أَنَّهُمْ بَعِيدُونَ عَنْهَا مَكَانًا وَزَمَانًا، وَلَكِنَّهُ الشُّعُورُ بِمِحْنَةِ إِخْوَانِهِم المُسْلِمِيْنَ وَمُصَابِهِمْ وَلَوْ تَبَاعَدَ بِهُمُ الزَّمَانُ، أَوْ تَنَاءَى عَنْهُمُ المَكَانُ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُحَيِّيَ الشُّعُورَ بِالأُخُوَةِ فِي قُلُوبِنَا وَقَلُوبِ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَجْعَلَ وَلاَءَنَا لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
أَعَوْذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ ]{ الْمَائِدَةَ : 55 56 }.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ لله حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اِهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقَوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ]{ الْبَقَرَةَ : 223 }.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ وَاقِعُنَا وَوَاقِعَ المُسْلِمِيْنِ اليَومَ وَجَدَ أَنَّ الأَثَرَةَ قَدِ اِسْتَحْكَمَتْ عَلَى الْقُلُوبِ، وَأَنَّ حُبَّ الذَّاتِ قَدْ مَلَكَ النُّفُوسَ؛ وَلِذَا لَا يَتَأَثَّرُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِم، وَلَا يَأْبَهُونَ بِمَا حَلَّ بِغَيْرِهِمْ..
وَفِي مَوْجَةِ الْبَرْدِ الَّتِي نَعِيشُهَا مُنْذُ أَيَّامٍ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ حَصَّنُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُم وَبُيُوتَهُمْ مِنْهَا بِأَنْوَاعِ التَّدْفِئَةِ، لَكِنْ مَنْ مِنَّا تَذَكَّرَ حَالَ الْفُقَرَاءِ الذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَتَدَفَئُونَ بِهِ؟!
مَنْ مَنَّا فَكَّرَ فِي حَالِ مَنْ يَسْكُنُونَ الصَّفِيحَ، يَتَجَمَّدُ فِيهِ أَطَفَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُم مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَهُمْ إِخْوَانُنَا وَعَلَى مَقْرُبَةٍ مِنَّا؟!
مَنْ مِنَّا تَذَكَّرَ المُشَرَّدِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مُخَيَّمَاتٍ بالِيَةٍ، فِي فِلَسْطِينِ، وَاللّاَجِئِيْنَ السُّورِيَّيْنَ فِي تُرْكَيَا وَالأُرْدُنَ وَغَيْرِهَا، يَفْتَرِشُونَ أَرْضَاً بَيْضَاءَ مِنَ الزَمْهَرِيرِ، لَيْسَ بَيْنَ أَجْسَادِهِمْ وأَجْسَادِ أَطْفَالِهِمْ وَبَيْنَ الْجَلِيدِ إلَّا قِطْعَةُ حَصِيرٍ، يَنْخَرُ الْبَرْدُ الْقَارِسُ عِظَامَهُمْ وَعِظَامَ أَطِفالِهِمْ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَالظُلْمِ وَالقَهْرِ؟!
مَنْ مِنَّا أَحَسَّ بِهِمْ فَجَفَاهُ النَّومُ لِأَجْلِهِم؟! مَعَ أَنَّ صُوَرَهُمْ تُنْقَلُ إِلَينَا لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ، وَشِدَّتَهُمْ وَكَرْبَهُمْ يَحْكِيهَا لِسَانُ حَالِهِمْ وَمَقَالهِمْ، لَا يَجِدُونَ كِسَاءً يَحْتَمُونَ بِهِ مِنَ البَرْدِ، وَلَا طَعَامًا كَافِيًا يَمُدُّ أَجْسَادَهُم بِالدِفْءِ، فَلِمَاذَا تَغَيَّرَ حَالُ المُسْلِمِينَ حَتَّى أَصْبَحَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَهْتَّمُ لِغَيرِهِ.. أَهُوَ التَّرَفُ الذِّي أَلْهَاهُمْ عَنْ غَيرِهِمْ؟! أَمْ هِيَ الجِدَةُ التي بَطِرَتْ بِهِمْ وَيَظُنُّونَ اسْتِدَامَتَهَا لَهُم؟! أَمْ هِيَ كَثْرَةُ الصَوَارِفِ وَالأَخْبَارِ التَّي يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى كَثُرَ الإِمْسَاسُ فَفُقِدَ مَعَهُ الشُّعُورُ وَالإِحْسَاسُ؟! كُلُّ هَذِهِ أَسْبَابٌ صَحِيحَةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ، وَلَكِنَّ السَبَبَ الأَهَمَّ وَالأَعْظَمَ هُوَ ضَعْفُ الرَّابِطَةِ الإِيمَانِيَةِ.. ضَعْفُ الشُّعُورِ بِالأُمَةِ الوَاحِدَةِ وَالجَسَدِ الوَاحِدِ.
لَقَدْ عَمِلَ الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ عُقُودَاً مِنَ الزَّمَنِ عَلَى فَصْمِ عُرَى هَذِهِ الرَّابِطَةِ، وَإِحْلَالِ رَوَابِطَ جَاهِلِيَّةٍ مَكَانَهَا؛ لِيَكُونَ الْوَلَاءُ وَالْبَرَاءُ مَعْقُودَاً عَلَيهَا، وَلِتُسْتَبْدَلَ بِرَابِطَةِ الإِيمَانِ الَّتِي رَسَّخَهَا الإِسْلَامُ، مِنْ قَوْمِيَّةٍ وَوَطَنِيَّةٍ وإِنْسَانِيَةٍ وَغَيْرِهَا، وَلمَّا سَادَتِ الْعَالَمَ الرَأْسِمَالِيَةُ الْاِقْتِصَادِيَّةُ، وَالِليبْرَالِيَةُ الْفِكْرِيَّةُ، وَانْتَشَرَتْ فِي أَرَجَاءِ الأَرْضِ، وَكَانَ قَانُونَهَا الْبَقاءُ لِلأَصْلَحِ، وَالأَصْلَحُ هُوَ الأَقْوَى؛ احْتَرَقَتْ فِي جَحِيمِهَا الْقِيَمُ وَالأَخْلَاقُ، وَتَلَاشَتِ الرَّحْمَةُ وَالإِحْسَانُ، وَكُرِّسَتْ بِهَا الْفَرْدِيَةُ فِي النَّاسِ، وَأَضْحَى الْوَاحِدُ لَا يَأْبَهُ بغَيْرِهِ إِنِ اكْتَمَلَتْ لَهُ دُنْيَاهُ، فَيَلْهُو وَيَضْحَكُ وَيَأْنَسُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَرَى فِيهِ أَلُوفًا مِنْ الْبَشَرِ تَتَعَذَّبُ وَتَتَأَلَّمُ.
لَقَدْ رَقَّتْ رَابِطَةُ الإِيمَانِ، وَعَمِلَتْ أَيَادِي الاسْتِعْمَارِ عَلَى تَمْزِيقِ المُسْلِمِينَ وَتَفْرِيقِهِمْ؛ فَضَعُفَ مَعَهَا دَاعِي الْاِحْتِسَابِ، وَطَلَبِ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَغَابَ خُلُقُ المُوَاسَاةِ فَضْلَاً عَنِ الإِيثَارِ، وَانْتَشَرَ حَبُّ الذَّاتِ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي النَّاسِ مَنْ يُطْبِّقُ قَوْلَ الله تَعَالَى [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا]{ الإنسان : 8 9 } أَتَدْرُونَ يا عِبَادَ الله أَنَّ رَجَّلَاً مِنْ صَالِحِيِ هَذِهِ الأُمَّةِ اشْتَهَى لَحْمَا لَمْ يَذُقْهُ سَبْعَ سِنِّينَ، فَاشْتَرَى قِطْعَةَ لَحْمٍ عَلَى خُبْزٍ وَشَوَاهَا، فَلَمَّا هَمَّ بِأَكْلِهَا لَقِيَ صَبِيًا فَقَالَ لَهُ:«أَلَسْتَ أَنْتَ ابْنَ فُلَانٍ وَقَدْ مَاتَ أَبُوكَ؟ قَالَ: بَلَى، فَنَاوَلَهُ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ، وَأَقْبَلَ يَبكِي وَيَقْرَأُ [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا] {الإنسان:8}»
فَارْحَمُوا إِخْوَانَكُم يَرْحَمُكُمْ اللهُ تَعَالَى، وَوَاسَوْا الْفُقَرَاءَ وَالمُعْدَمِيْنَ وَاللّاَجِئَيْنَ؛ فَإِنَّ لَهُمْ حُقُوقًا عَلَيكُمْ، وَسَتُسْأَلُونَ عَنْ تَفْرِيطِكُمْ فِي حُقُوقِهِمْ عَلَيكُمْ ، وَتَصَدَّقُوا فَإِنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ ..
وَصَلُوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ ..
المرفقات

متى نشعر بحال إخواننا؟ l.doc

متى نشعر بحال إخواننا؟ l.doc

متى نشعر بحال إخواننا؟.doc

متى نشعر بحال إخواننا؟.doc

المشاهدات 3806 | التعليقات 5

وإنه ليتملكك العجب حينما ترى هذه الرابطة تتحقق في نفوس الأعداء من الرافضة والنصارى واليهود وتضمحل أو تكاد تنعدم في نفوس المسلمين، والأمثلة حاضرة فها هي الشام والعراق ولبنان واليمن يتآلب فيها الرافضة من إيران على أهل السنة والجماعة للقضاء عليهم، وأهل السنة في تخاذل عن نصرتهم بل وإسلامهم لأعدائهم بتلك التقارير الكاذبة عن أحوال إخواننا في الشام، ويقال ذلك عما يلاقيه إخواننا المستضعفين في اليمن من الحوثيين، وهاهم النصارى واليهود يتآلبون مع نصارى الجنوب السوداني على السودان المسلمة حتى يفتتوا أكبر بلد إسلامي كما فتتوا العراق وخيراته من قبل.
جزاك الله خيرا يا شيخ إبراهيم على هذه الخطبة.


جزاك الله خيرا
خطبة عظيمة نافعة


بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله عنا خير الجزاء شيخنا الفاضل إبراهيم ونفع بك وبعلمك ..


شيخ إبراهيم ..

أسأل الله أن لا يحرمك أجرها

وأن يوفقك فيما كتبت وأن ينفع بهذه الخطبة والتي أتت في وقت مناسب جداً

غفر الله ذنبك ورفع قدرك ..


شكر الله تعالى لكم أيها الإخوة الكرام أبو محمد وأبو اليسر وأبو عزام وشبيب، مروركم وتعليقكم وأجزل مثوبتكم، وأسأل الله تعالى أن ينفع بكم آمين..