متى تزأر أسودنا في وجه الضباع ؟

عبدالله البصري
1432/01/15 - 2010/12/21 03:50AM
ظللت أرقب ردود الأقوال والأفعال إما نفياً أو إثباتاً أو تعليقاً عما تناقلته بعض وسائل الإعلام من استغلال حاجة فتياتٍ ستيراتٍ لتخييرهن بين عملهن أو حيائهن ، إما النقاب أو لقمة العيش ؟! فإن كان هذا وقعاً بالفعل فهو باعتبار الفطرة الإنسانية دون أي اعتبار آخر لا يقع إلا من عديم الشرف والمروّة ، وهب أنه لا دين لك لا ترجو جنة ولا تخشى ناراً ؛ فأين مراجل الرجال وأخلاق الكرام ، أفٍ ثم أفٍ عليك وعلى كل قادر غض طرفه عنك .

ذكرني هذا الخبر وأشباهه في محاربة الفضيلة والعفة بما سطرته دواوين الأدب شعراً ونثراً وهي تصف (الضباع) ، فالعرب تكاد تطبق على كرهها ، فتارةً تصفها : بالدناءة لأكلها الجيف ، وفي أخرى : بالحمق لسرعة انخداعها ، وثالثةً : بالفساد لأنها تأكل حتى عظم الرأس ، وفيها صفة رابعة دنيئة : وهي اللؤم فهي تتبع (الأسد!) تأكل من فتاته فإن جُرح أو ضعُف يوماً تجمعت عليه ففتكت به ، وخامسها ـ وهي لطيفة ـ : أن (إناثها) أكبر حجماً من (ذكورها) فهي التي تقود أسرتها ، وتختار ذكراً تُسيطر عليه فإن عصى أمرها أدبته! ، فسبحان الله إلى هذا الحد بلغ التطابق! ، ومن أجل الحقيقة والحقيقة فقط! أذكر أبرز الفروق بينهما وهو :
أن ضبعنا المسكين هذا على الأقل لا يُقال له "وزير"!!.
لا لوم على الضباع المستوحشة فهكذا أرادها خالقها ، ولكنّ اللوم كل اللوم على بشر يلبسون جلود الضأن على قلوبِ وأخلاق الضباع .

لقد تعامل هؤلاء مع وطنهم ومجتمعهم بأخلاق الضباع مراراً ، فما زال محفوراً في ذاكرة الوطن موقفهم في حين عزّ اشتداد أزمة الخليج الثانية أبان غزو صدام حسين للكويت في يوم الثلاثاء 17/4/1411 هـ ، وأثناء ما كانت جيوش أكثر من ثلاثين دولة داخل حدودنا ؛ قاموا بتخبيب مجموعة من نسائنا ليخرجوا في مظاهرة سافرة وبتنسيق مسبق مع وسائل إعلامية غربية كانت موجودة لتغطية أحداث الحرب مثل cnn وعدد من وكالات الأنباء الأمريكية والبريطانية ، خرجن يطالبن بحقوقهن المسلوبة كما يزعمن ومنها قيادة المرأة للسيارة وغيرها من القضايا الاجتماعية البحتة .

فتأمل الظرف الذي تمر به البلاد وقيادتها بالذات ، وطريقة المطالبة الاستفزازية من خلال مظاهرة علنية في وسط العاصمة الرياض ، ثم انظر في عواقبها فما زالت آثار تصدعات هذا اللؤم المتناهي في اختيار الظرف والأسلوب يعاني منها المجتمع إلى الآن في تمزق بل وتمزع لاندري عند أي حدٍ سيقف .

وفي عودة أخرى لأخلاق الضباع عام 1424هـ بعد يومين فقط من خطابٍ كان لولي العهد ـ آنذاك ـ الأمير عبدالله بن عبد العزيز والذي كانت مقاليد الأمور بيده وقد أعلن فيه تعهد حكومته التزام أحكام الشريعة الإسلامية ، وبالتزامن مع المظاهرات التي تجوب مدن فرنسا والعالم منددة بحظر الحكومة الفرنسية لحق المسلمات في ارتداء الحجاب ؛ أحدثوا شرخاً ظاهراً في صورة الملك القادم أمام شعبه ، وتسببوا في هرج ومرج في حديث الناس عن هذا الملك المحبوب الذي استبشروا خيرا بقدوم عهده ؛ فقد عقدت الغرفة التجارية في جدة منتدىً كبيراً تنبيك صوره عن أهدافه ، وكان من هذه الصورة الصفيقة ما نشرته جريدة عكاظ على صفحتها الأولى لمجموعة نساء سافرات منهن من كشفت شعرها مع المكياج الكامل في إشارة للصورة النمطية التي يُراد ترسيخها في عقل المجتمع في تحدٍ صارخ لكل الأنظمة والدساتير التي قامت عليها "المملكة". حينها أصدر سماحة مفتي عام المملكة الشيخ / عبد العزيز آل الشيخ بياناً مُدوياً ، وقد تُلي هذا البيان في نشره الإخبار الرئيسة الساعة التاسعة والنصف في 28/11/ 1424هـ على القناة السعودية الأولى .

وحتى لا يُقال هذا هو رأي المؤسسة الدينية المتشددة في السعودية فقد انتقد هذا المنتدى بقوة وذمه ذماً شديداً رجل الأعمال المشهور عبد الرحمن الجريسي رئيس الغرفة التجارية بالرياض وقال في مؤتمر صحفي عقده في يوم الخميس 29/11/ 1424هـ خصيصاً لهذا الأمر وهو منشور في الصحف ومبثوث على شبكة الانترنت قال : إن أسلوب مشاركة المرأة في هذا المنتدى لا يتفق البتة مع اعتقادات السعودية ، مشيراً إلى أن ظهور المشاركات بهذا المنظر وكأنهن عارضات أزياء لا يخدم الأهداف التي نسعى من أجل تحقيقها وهي توفير المجال المناسب لعمل المرأة وإعطاءها دور مهم في خدمة الوطن والمواطنين ، حيث أننا بهذا أسأنا إلى المرأة السعودية وأسأنا إلى فكرة المنتديات عموماً .

وقال الجريسي أيضاً : إن سيدات الأعمال اللاتي شاركن في المنتدى بهذه الطريقة المرفوضة لا يمثلن المجتمع السعودي بل يمثلن أنفسهن ، مشدداً على أن الدولة وافقت على عقد هذا المنتدى ولا كنها لم تقم بتنظيمه .. إضافة إلى أن المواضيع التي طرحت على أجندة المنتدى كانت مشاكل سعودية خاصة يفترض أن تناقش داخلياً فيما بين المختصين ، كون أن الصفة التي تمتع بها هذا الحدث هي صفة العالمية .. وبين أن الموسيقى الصاخبة التي بدأ بها المنظمون كانطلاقة لفعاليات المنتدى أساءت كذلك وتسببت في ألم لدى الحضور ، بحكم أن عقده جاء على بوابة مكة المكرمة ، الأمر الذي أن تراعى فيه الخصوصية الدينية .
وهذا الألم الذي شعر به الجريسي والحضور لأجل الإساءة إلى سمعة المملكة ومراعاة خصوصيتها الدينية لم يشعر به هؤلاء ، لأن البلد إن لم يكن مرتعاً لشهواتهم فأخلاقهم العالية قد أملت عليهم أنه مهما قدم لهم ومهما امتلأت أرصدتهم من خيراته فهو لا يعني لهم شيئاً .

وتأمل أخلاق الضباع حين أعلنوا عن منتداهم في مركز خديجة بنت خويلد في يوم الاثنين 23 /12 /1431هـ وخادم الحرمين الشريفين لتوه من أسبوع واحد فقط قد سافر لأجل العلاج ، فرغبة منهم في المسارعة لاستغلال الوضع الراهن وتدارك الزمن مع علمهم الكامل بما سيجره ذلك من فتن وقلاقل لم يؤجلوه ولم يقولوا ليس هذا حينه مراعاة لظرف الملك والدولة فكل هذا عندهم لا قيمة له ، ولتفهم هذا التصرف منهم فتكرماً راجع الصفة الرابعة من صفات (الضباع) المذكورة أول المقال .

وأيُّنا لم يُصدم ويفتش عن مخفضات الضغط وهو يستمع إلى وزير العمل عادل فقيه في هذا المنتدى وهو يعبر عن الاختلاط الممنوع بعبارة يستحي منها الحجر! بأنه ما يكون معه (التلاحم الجسدي) ، وهل يقول مثل هذا الكلام (رجل) ؟! فإن كانت زلة لسان غير مقصودة فليعلن رجوعه عنها وسأعلن اعتذاري له على الملأ ، وإن أصر عليها فلا ولله ما ترضى (أم عامر) أن تكون هذه أخلاقها .

وأحرفي هذه ليست موجهة إليهم .. لا ، بل إلى الرجال الذين ما زالوا رجالا ، إلى الأسود من أحفاد الإمام المجدد محمد بن سعود ، إلى خير خلف لخير سلف من علمائنا الأكارم ، إلى كل حُرٍ من نسل حُر وما زال حرا لم تُرخِّم رجولته عوائد الزمان .

فما زالت الحُرُم في بيوتها تنظر في وجوه أسودها هل تكشر عن أنيابها غيرةً عليها ؟
أم أن الضباع خلعت أنيابها ثم بالت عليها ؟! ولله در الفرزدق حين قال :

فإنّ امْرَاً يَسْعَى يُخَبّبُ زَوْجَتي ... كَساعٍ إلى أُسْدِ الثّرَى يَسْتَبيلُها

وَمِنْ دُونِ أبْوَالِ الأسُودِ بَسالَةٌ ... وَصَوْلَةُ أيْدٍ يَمْنَعُ الضّيمَ طُولُها

لقد تكاثرت الضباع في مملكتنا الغالية وخرجت من كل صوب وأصبح لصوتها خَشْفةٌ مخيفة ، فلا تخطئهم الأبصار في صحافة أو وزارة أو محفل ، فإن أردت وسْماً تعرفهم به فقد جمع أخيبهم المنتدى الأخير لمركز خديجة بنت خويلد عام 1431، واضمم إليهم من دافع عنه من كتاتيب الصحافة تحيط بأغلبهم ، وقد باعوا الشرف والأعراض بثمن بخس دراهم معدودة ، وكانوا في الدين والوطن والعفاف من الزاهدين .

أفلا هِزبرٌ من أسودنا يُسمع ذات الشرف زئيره فقد جرّ هؤلاء اليوم نقابها ، وإن تُركوا فغداً يجرجرون ذيل عباءتها ، فإن لم يردعهم الصوت رفع هذا الشهم يداً كيد الضِرغامٍ فلَطمَ هذه الضباع على وجهها لطمةً تُعيدها إلى جحورها ..
وتؤرخها الأجيال فيقال: "عام الضباع" على وزن "عام الفيل"!!

عصام بن صالح العويد
المشاهدات 1430 | التعليقات 0