مُتَّـبِعُوْنَ لا مُبْـتَدِعُوْنَ
راشد بن عبد الرحمن البداح
22 ربيع الأول 1440هـ.إنَّ الحمد لله؛ نحمده،ونستعينه، ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله؛فلا مضلَّ له، ومن يُضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
ما تقولون – معاشر الإخوة - في قَوْمٍ جلسوا فِي الْمَسْجِدِ حِلَقاً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ؟! فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً.
أتظن أن عملَهم خير أم شر؟! أتمدحهم أم تذمهم؟!
أما العالم النحرير والصحابي الكبير ابن مسعود tفقد وَقَفَ عَلَى نفَر من هؤلاء، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟! قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ!! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ e مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ e أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ. قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ e حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ الراوي: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ([1]).
أرأيتم كيف أن البدع تبدأ في ظاهرها بالخير، وناقص العلم قد يعجب بها وبأهلها، ثم يفعلها دون أن يسأل أهل العلم. وهكذا في زمننا انتشرت بعض البدع عبر رسائل الواتساب، دون تثبت وسؤال، فإذا أُنكر على أحدهم قال:إنما أنا ناقل، أو العهدة على الراوي. وهذا الكلام لا يخرجه من التبعة ولا يبرئ ذمته. ومن أمثلة رسائل الجوال البدعية التواصي بصيام آخر يوم من السنة؛ لأنه وافق يوم الاثنين، أو أن يوحَّد الدعاء في وقت ما لأحد أو على أحد، فهذا داخل في البدع. ومن البدع قول بعض الجهال: اقرأ آية كذا أو سورة كذا أربعين مرة أو اقرأها الساعة الفلانية أو بالمكان الفلاني، وهذه بدع؛ لأنها تُحدد عددًا أو زمانًا أو مكانًا بلا دليل.
وقد يقول من يهوِّن مِن شأن البدع: إنَّ الذي يأتي بالبدعة متقرِّباً بها إلى الله قصدُه حسن، فيكون فعلُه محموداً بهذا الاعتبار، والجواب: أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد أن يكون العملُ موافقاً للسنَّة، وهو أحد الشرطين لقبول العمل، وهما الإخلاصُ لله، والمتابعة لرسول الله.
ومِمَّا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد من موافقة السنَّة: قصة الذي ذبح أُضحيته قبل صلاة العيد، فقال له النَّبيُّ e: شاتُك شاةُ لحم. قال ابن أبي جمرة: وفيه أنَّ العملَ وإن وافق نية حسنة لَم يصح إلاَّ إذا وقع على وفق الشرع([2]).
ومن الأقوال الجليلة الجميلة لسلف الأمة، الداعية للاتباع، الناهية عن الابتداع: قَولُ حَسَّانَ بنِ عطية ~: مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِى دِينِهِمْ إِلاَّ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لاَ يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة([3]).
وقال الإمام مالك ~: مَن ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لَم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً)([4]).
____________فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثةٍ بدعة، وكلُّ بدعةٍ ضلالة:
ألا وإن من نعم الله علينا في هذه البلاد المباركة أن البدع أقل انتشارا ومعالم السنن أكثر اشتهارًا، وانظروا إلى المقابر كيف خلت من كل بدعة بحمد الله، حتى عند موت الملوك والأمراء؛ لا تجد فرقًا بين أمير ومأمور، ألا إنها نعمة جليلة، وسببها أن الله تفضل علينا بكثرة علماء يدعون للسنة ويحذرون من البدعة: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}. وَهكذا في بلاد أخرى، تَجِدُ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ كُلَّمَا ظَهَرَ وَقَوِيَ كَانَتْ السُّنَّةُ وَأَهْلُهَا أَظْهَرَ وَأَقْوَى..
- فاللهم لك الحمد يا من هو للحمد أهل، أنت أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكلنا لك عبد.
هذا واعلموا -رحمكم الله- أن من أفضل الطاعات، وأشرف القربات، كثرةَ صلاتكم وسلامكم على خير البريات، فقد أمركم بذلك ربكم جلَّ وعلا فقال تعالى قولاً كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. . .
- اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ.
- اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
- اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.
- اللهم وبارِك في عمر وليِّ أمرِنا وولي عهده، وزدهم عزًا وبذلاً لنصرة الإسلام، وخدمة المسلمين، وراحة رعيتهم.
- اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأدم عليها نعمة الاستقرار والنماء والرخاء.
- اللهم عم أوطان المسلمين بالخير والسلام، وحقق للمسلمين اجتماع كلمتهم، وصلاح أحوالهم.
- أَيهاْ النَاسْ: إِنَّ اللهَ يَأمركُمْ بِثلاثٍ فَاتَبعوهَا، وَينَهاكُم عَنْ ثَلاثٍ فاجْتنِبوهَا، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
([2]) فتح الباري لابن حجر (10/17)
([3]) سنن الدارمي (برقم 90 ). وانظر فتح الباري (13/290)
([4]) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (6/ 85). وانظر الاعتصام للشاطبي (1/66)
المرفقات
لا-مبتدعون
لا-مبتدعون
لا-مبتدعون-2
لا-مبتدعون-2