ما يدخل الجسم أو يخرج منه و أثره في الإفطار
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1435/09/06 - 2014/07/03 11:11AM
[FONT="] ما يدخل الجسم أو يخرج منه و أثره في الصوم [/FONT]
الحمد لله ربّ العالمين ، حمدًا كثيرًا طيّبًا مبارَكا فيه ، ملءَ السموات وملءَ الأرضِ وملءَ ما بينهما ، وملءَ ما شاءَ ربُّنا من شيءٍ بعد ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، له الحكمةُ البالغة سبحانه ، والثناءُ الحسنُ الجميل ،وأشهد أنَّ محمّدًا عبد الله ورسوله ، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبِهِ الأخيار ، ومن تبعَهُم على الحقّ إلى يوم الدّين وسلَّم ، ثم أما بعد [FONT="]: [/FONT]
معشر المؤمنين : المسلمُ مطالبٌ شرعًا باستيفاء أركان صحّة الصوم ، وهي ترجعُ إلى ركنين أساسيّين لا يتم صومُ المسلم إلا بهما : النيّة و الإمساكُ عن المفطّرات . هذا و للجسم - معشر الأحباب - مداخل ومخارج تستعملُ في الطعام والشراب و سائر الأمور الحيويّة و العلاجية ، يترتّبُ على استعمال بعضها الإفطارُ يقينًا ، ولا يترتّب على بعضها الآخر ، يحتاجُ المسلمُ إلى مراجعة أحكامها حفظًا لصيامه بتحقيق الحدِّ الصحيح في الإمساك .
نقفُ - معشر المؤمنين - وقفةً فقهيّة مع هذه المداخل والمخارج واستعمالاتها و أثرها في الصوم ، ونبدأُ من أعلى إلى أسفل ، فأعيروني قلوبكم و أسماعَكُم حفظكم الله ، ونسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى :
أوّلاً : الأذُن : وهي تستعملُ إدخالاً في التقطير العلاجي و الغسيل ، وكلاهما لا يفطّر لأنه ليس بينها وبين الجوف قناة متصلة كما أثبت ذلك الطب الحديث . أما إذا أزيلت طبلة الأذن لا سمح الله فإن البلعوم يتصل بالأذن عن طريق قناة ( استاكيوس ) . فتكون كقطرة الأنف في الحكم والله أعلم .
ثانيًا : العين - معشر المؤمنين - تستعملُ إدخالاً أيضًا في التقطير العلاجي و المراهم و الكُحل ، وكلّها لا تتسبّبُ بالإفطار .
فإذا نزلنا إلى الأنف - معشر المؤمنين - وجدناه يُسْتَعملُ إدخالاً في التقطير العلاجي ، وقد اختلف العلماء فيه هل يفطر أم لا ؟ ،ورأي الشيخين ابن باز وابن عثيمين أنها تفطر . فالأولى تركها والله أعلم .
و أما في الإخراج فنجدُ مسألة الرُّعاف هل يتسبّبُ لصاحبه بالإفطار أم لا ؟ : و الصحيحُ أنّ الرعافَ أقربُ ما يُقاسُ على القيء لاشتراكهما في أوصاف متعددة ، و القيء ثبتَ فيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه فصّل فقال :" من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدًا فليقض " ( صحيح الجامع : 6243 ) .فإذا ألحقنا بهذا التفصيل الرعاف قلنا : إذا نزل الرعاف بغير اختيارٍ ولا تحريك لم يفسد به الصّوم ، كما في حرارة الشمس ، والتعب ، أو عند الوضوء وما شابه ، فإذا نزل بتسبُّبٍ وتحريك كالضرب و ما شابه حصل الإفطار .
رابعًا - معشر المؤمنين - : الفم ، و فيه عدّة مسائل فاحفظوها و انتبهوا إليها :
أما الأكل والشرب : فلا إشكال في كونه من المفطّرات ، فإن حصل نسيانًا فلا شيء على العبد : قال رسول الله صلة الله عليه وسلم :" من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه .
أما إدخال الدواء والعلاج - معشر المؤمنين - : فإدخال الأدوية السائلة والصلبة يتحقق به الإفطار ، لنفاذه إلى الجوف ، والواجب تأخير التناول عن وقت الإمساك المقرّر شرعًا ، فإن تعسّر طِبًّا ولم يجد الطبيب أدويّةً مكافِئَة يتناولها المريض خارجَ أوقات الإمساك أفطر المريضُ بالتناوُل و قضَى بعد رمضان .
و أما بخاخ الربو - معشر المؤمنين - فقد أفتى العلماء بأنه لا يتسبب في الإفطار لأن الواصل منه إلى المريء و من ثم إلى المعدة قليل جدا ، فلا يفطر قياسا على المتبقي من المضمضة والاستنشاق ، ولأن هذا الدخول ليس قطعيا بل مشكوك فيه ، والأصل الصيام ولا يزول الأصل بالشك ، وكذلك هو أشبه بالسواك .
و أما عن إدخال أجهزة العلاج : كالمنظار لكشف المعدة من الفمفلا يفطّر ،ما لم يضع عليه الدكتور شيئاً من الدهن فإن وضع هذا الدهن فهو مفطّر بلا إشكال .
و كذلك الأكسجين لا يفطّر لأنه كاهواء الذي نتنفّسه من الخارج .
أيها الإخوةُ في الله : لا زلنا مع الفم ، وإذا تحدّثنا عن الإخراجِ عبر هذا المسلَكِ وجدنا حالةَ خروجِ القيءِ أعزّكم الله ، و القيءُ بيّنَ حكمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مفصّلاً فيه فقال :" من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدًا فليقض " ( صحيح الجامع : 6243 ) ، فانظُر أيَّ حالتيك حصل واحكُم بنفسِك على نفسِك ! .
أيضًا نجدُ مسألة قلع الضرس والسن : فقلع الأضراس والأسنان لا يفطر ، وعلى الصائم الحذر من بلوغ شيء إلى المعدة ، فلو دخل من الدم شيءٌ بغير اختياره فلا يفطر به الصائم ، والله أعلم .
معشر المؤمنين : نقفُ الآن مع الجلد وما يتعلّقُ به من أحكام الإفطار أو عدمه :
الجلد - معشر الأحباب - منفذٌ للإدخال والإخراج :
فأما في الإدخال فنجد المراهم العلاجية المختلفة ، وهي لا تفطّر .
و أما في الإخراج : فنجدُ مسألة الحجامة ، وقد اختلف العلماءُ فيها على ثلاثة أقوال أقواها التفصيل هل يحصل بها تعبٌ وضعفٌ أم لا ، فإن حصل بها ضعفٌ أفطر صاحبها للضعف ، وإلا فلا شيء عليه ، والجمهور على جوازها في نهار رمضان وأنها لا تفطّر : فعن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم"[1] . و في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم" [2] . و في معنى الحجامة التبرّع بالدم .
نسأل الله السلامة والعافية ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى . أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم .
الخطبة الثانية :
معشر المؤمنين : أما تحت الجلد من أوردة و عضلات و ما يتعلق به من إدخال المناظير والغسيل الكلوي وما شابه :
فالحُقَنُ التي يصفُها الأطبّاءُ نوعان : علاجيّةٌ لا يتحقّقُ بها الإفطار ، ومغذّية يتحقّقُ بها الإفطار لأنها في معنى الأكل والشّرب ، فتأكّد من نوع الحقنة تُدرك الحكم الفقهي .
و حقنة الأنسولين التي يتعاطاها مريض السكر ليست مفطرة [اللجنة الدائمة 3929] ،وإذا كان يجب عليه تناول شيء من الطعام بعد الحَقن حفاظًا على القلب وجب عليه الإفطار (اللجنة الدائمة 11353) .
و أما الغسيل الكلوي - معشر الفضلاء - : فهو تنقيةٌ و تخليصٌ للجسم من السموم ، و يمكن أن يضاف فيه شيءٌ يغذّي المريض ، فلذلك تحصّل فيه التفصيل ؛ فإذا كان معه مواد مغذية فإنه مفطّر ، أما إذا كان مجرد تصفية الدم وتنقيته من المواد الضارة فهذا لا يفطر . والله أعلم .
و إدخالُ المناظير الطبيّة عبر الجلد للتصوير أو العلاج لا يتسبّب في الإفطار .
أيها الإخوةُ في الله : نختمُ موضوعنا بالحديثِ عمّا يتعلّق بالفرجِ أعزّكم الله من مسائل الإفطار ، فنقول :
أ / بالنسبة للأمور المشتركة بين الجنسين مما له تعلق بالصوم :
فالجماع: مفطّرٌ باتّفاق ، و تجبُ فيه الكفّارة المغلّظة كما في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت . قال :" مالك ؟ " قال وقعت على امرأتي وأنا صائم ! . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هل تجد رقبة تعتقها ؟ " . قال لا . قال :" فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال لا . قال :" هل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ " قال لا . قال : " اجلس " ومكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل الضخم قال :" أين السائل ؟ " قال أنا . قال :" خذ هذا فتصدق به . . " . والكفارة تكون على الزوج وحده على أصح أقوال العلماء ، لأنَّ الجماعَ الفاعل فيه دائمًا على التحقيق الزوج ، والنبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه السائل الذي جامع زوجته في رمضان دلَّهُ على الكفارة وكان الخطابُ موجَّهًا إليه دون زوجته ، وهذا مذهبُ الإمام الشافعي ورواية عن الإمام أحمد - رحمهما الله- .
وأما الإنزالُ عمدًا بدون جماع فهو مفطّر أيضًا و فيه القضاء عند جمهور أهل العلم .
أما الجنابةُ في النوم : فلا تفطّر لحديثِ عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما-:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم "[3].
ولا بأسَ هاهنا - معشر الأحباب – أن نستفيدَ حكمَ المباشرة في الحياة الزوجيّة في رمضان :
من أدلّةِ واقعيّةِ الشريعةِ الإسلاميّة ، وتميُّزِها عن شريعة أهل الكتاب :الترخيصُ في المُباشَرَةِ الزوجيّة في رمضان بشروط : عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلُ ويباشرُ وهو صائمٌ ، وكانَ أملَكَكُم لإربه " (البخاري1927 ، ومسلم1106 ) . أي : حاجته ونفسِه . [ بمعنى أنه يباشر ولا يصل به الأمر إلى جِماع ] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه :" أن رجلاً سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخَّصَ لهُ وآتاهُ آخرُ فنهاهُ ، فإذا الذي رخَّصَ له شيخ والذي نهاه شاب " (صحيح سنن أبي داود :2090) .
فمعنى المباشرة : الملامسة بين بدَنَي الزوجين على وجه الاستمتاع دون أن يصل الأمر إلى جماع أو جنابة :
ولذلك - معشر المؤمنين - هناكَ ثلاث درجات من المعاشرة الزوجية في رمضان :
1- مباشرة لا تصل إلى جماع ولا تنتُجُ عنها الجنابة : وهذه جائزة .
2- مباشرة لا تصل إلى جماعٍ ولكن يكونُ معها الجنابة هذه تفسِدُ الصّومَ وتجبُ منها القضاء عند جمهور العلماء .
3- مباشرة ينتُجُ عنها الجماعُ حتى ولو لم تنتُج عنها جنابة فهذه حرام ، تفسِدُ الصّومَ وتجبُ منها القضاء والكفارة باتفاق .
نعودُ بعد هذا إلى استكمال موضوعنا :
و أما المذيُ - معشر المؤمنين - الماءُُ الأبيض الشفاف الذي ينزل من الفرج بسبب استدعاء الشهوة بمختلف الطرق فيُفسِدُ الوضوءَ و لا يفطّر على التحقيق . قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :"توضأ واغسل ذكرك"[4] .
فالحيضُ والنفاسُ مفسدٌ للصوم ولو في الساعة الأخيرة منه .
أما النزيفُ وهو الاستحاضَةُ فلا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش:" إذا كان دم الحيض فإنه أسودٌ معروف فامسكي عن الصلاة،فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق"[5].
[FONT="][FONT="]أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمُ عَلَى طَاعَتِهِ وَعَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ , وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّءَ الأَخْلاقِ لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْت ! اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ ! اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ! [/FONT][/FONT]
[FONT="][FONT="]1][/FONT][/FONT] - البخاري:1939.
[FONT="][2] - الإرواء(4/74).[/FONT]
[FONT="][3] - متفق عليه.[/FONT]
[FONT="][4] - البخاري(269)،ومسلم(303).[/FONT]
[FONT="][5] - صحيح: الإرواء(204).[/FONT]
خطبة في صورة ملحة فقهية :
ما يدخلُ الجسم أو يخرج منه وأثرُهُ في الصوم
( ملاحظة مهمة : يمكن للخطيب أن يتصرف في الفتوى تبعًا للدليل الأقوى لديه أو للمذهب السائد في وطنه
وما نسيه أخوكم يضيفه الخطباء وينبّهون عليه ) :
ما يدخلُ الجسم أو يخرج منه وأثرُهُ في الصوم
( ملاحظة مهمة : يمكن للخطيب أن يتصرف في الفتوى تبعًا للدليل الأقوى لديه أو للمذهب السائد في وطنه
وما نسيه أخوكم يضيفه الخطباء وينبّهون عليه ) :
معشر المؤمنين : المسلمُ مطالبٌ شرعًا باستيفاء أركان صحّة الصوم ، وهي ترجعُ إلى ركنين أساسيّين لا يتم صومُ المسلم إلا بهما : النيّة و الإمساكُ عن المفطّرات . هذا و للجسم - معشر الأحباب - مداخل ومخارج تستعملُ في الطعام والشراب و سائر الأمور الحيويّة و العلاجية ، يترتّبُ على استعمال بعضها الإفطارُ يقينًا ، ولا يترتّب على بعضها الآخر ، يحتاجُ المسلمُ إلى مراجعة أحكامها حفظًا لصيامه بتحقيق الحدِّ الصحيح في الإمساك .
نقفُ - معشر المؤمنين - وقفةً فقهيّة مع هذه المداخل والمخارج واستعمالاتها و أثرها في الصوم ، ونبدأُ من أعلى إلى أسفل ، فأعيروني قلوبكم و أسماعَكُم حفظكم الله ، ونسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى :
أوّلاً : الأذُن : وهي تستعملُ إدخالاً في التقطير العلاجي و الغسيل ، وكلاهما لا يفطّر لأنه ليس بينها وبين الجوف قناة متصلة كما أثبت ذلك الطب الحديث . أما إذا أزيلت طبلة الأذن لا سمح الله فإن البلعوم يتصل بالأذن عن طريق قناة ( استاكيوس ) . فتكون كقطرة الأنف في الحكم والله أعلم .
ثانيًا : العين - معشر المؤمنين - تستعملُ إدخالاً أيضًا في التقطير العلاجي و المراهم و الكُحل ، وكلّها لا تتسبّبُ بالإفطار .
فإذا نزلنا إلى الأنف - معشر المؤمنين - وجدناه يُسْتَعملُ إدخالاً في التقطير العلاجي ، وقد اختلف العلماء فيه هل يفطر أم لا ؟ ،ورأي الشيخين ابن باز وابن عثيمين أنها تفطر . فالأولى تركها والله أعلم .
و أما في الإخراج فنجدُ مسألة الرُّعاف هل يتسبّبُ لصاحبه بالإفطار أم لا ؟ : و الصحيحُ أنّ الرعافَ أقربُ ما يُقاسُ على القيء لاشتراكهما في أوصاف متعددة ، و القيء ثبتَ فيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه فصّل فقال :" من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدًا فليقض " ( صحيح الجامع : 6243 ) .فإذا ألحقنا بهذا التفصيل الرعاف قلنا : إذا نزل الرعاف بغير اختيارٍ ولا تحريك لم يفسد به الصّوم ، كما في حرارة الشمس ، والتعب ، أو عند الوضوء وما شابه ، فإذا نزل بتسبُّبٍ وتحريك كالضرب و ما شابه حصل الإفطار .
رابعًا - معشر المؤمنين - : الفم ، و فيه عدّة مسائل فاحفظوها و انتبهوا إليها :
أما الأكل والشرب : فلا إشكال في كونه من المفطّرات ، فإن حصل نسيانًا فلا شيء على العبد : قال رسول الله صلة الله عليه وسلم :" من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه .
أما إدخال الدواء والعلاج - معشر المؤمنين - : فإدخال الأدوية السائلة والصلبة يتحقق به الإفطار ، لنفاذه إلى الجوف ، والواجب تأخير التناول عن وقت الإمساك المقرّر شرعًا ، فإن تعسّر طِبًّا ولم يجد الطبيب أدويّةً مكافِئَة يتناولها المريض خارجَ أوقات الإمساك أفطر المريضُ بالتناوُل و قضَى بعد رمضان .
و أما بخاخ الربو - معشر المؤمنين - فقد أفتى العلماء بأنه لا يتسبب في الإفطار لأن الواصل منه إلى المريء و من ثم إلى المعدة قليل جدا ، فلا يفطر قياسا على المتبقي من المضمضة والاستنشاق ، ولأن هذا الدخول ليس قطعيا بل مشكوك فيه ، والأصل الصيام ولا يزول الأصل بالشك ، وكذلك هو أشبه بالسواك .
و أما عن إدخال أجهزة العلاج : كالمنظار لكشف المعدة من الفمفلا يفطّر ،ما لم يضع عليه الدكتور شيئاً من الدهن فإن وضع هذا الدهن فهو مفطّر بلا إشكال .
و كذلك الأكسجين لا يفطّر لأنه كاهواء الذي نتنفّسه من الخارج .
أيها الإخوةُ في الله : لا زلنا مع الفم ، وإذا تحدّثنا عن الإخراجِ عبر هذا المسلَكِ وجدنا حالةَ خروجِ القيءِ أعزّكم الله ، و القيءُ بيّنَ حكمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مفصّلاً فيه فقال :" من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمدًا فليقض " ( صحيح الجامع : 6243 ) ، فانظُر أيَّ حالتيك حصل واحكُم بنفسِك على نفسِك ! .
أيضًا نجدُ مسألة قلع الضرس والسن : فقلع الأضراس والأسنان لا يفطر ، وعلى الصائم الحذر من بلوغ شيء إلى المعدة ، فلو دخل من الدم شيءٌ بغير اختياره فلا يفطر به الصائم ، والله أعلم .
معشر المؤمنين : نقفُ الآن مع الجلد وما يتعلّقُ به من أحكام الإفطار أو عدمه :
الجلد - معشر الأحباب - منفذٌ للإدخال والإخراج :
فأما في الإدخال فنجد المراهم العلاجية المختلفة ، وهي لا تفطّر .
و أما في الإخراج : فنجدُ مسألة الحجامة ، وقد اختلف العلماءُ فيها على ثلاثة أقوال أقواها التفصيل هل يحصل بها تعبٌ وضعفٌ أم لا ، فإن حصل بها ضعفٌ أفطر صاحبها للضعف ، وإلا فلا شيء عليه ، والجمهور على جوازها في نهار رمضان وأنها لا تفطّر : فعن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم"[1] . و في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم" [2] . و في معنى الحجامة التبرّع بالدم .
نسأل الله السلامة والعافية ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى . أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم .
الخطبة الثانية :
معشر المؤمنين : أما تحت الجلد من أوردة و عضلات و ما يتعلق به من إدخال المناظير والغسيل الكلوي وما شابه :
فالحُقَنُ التي يصفُها الأطبّاءُ نوعان : علاجيّةٌ لا يتحقّقُ بها الإفطار ، ومغذّية يتحقّقُ بها الإفطار لأنها في معنى الأكل والشّرب ، فتأكّد من نوع الحقنة تُدرك الحكم الفقهي .
و حقنة الأنسولين التي يتعاطاها مريض السكر ليست مفطرة [اللجنة الدائمة 3929] ،وإذا كان يجب عليه تناول شيء من الطعام بعد الحَقن حفاظًا على القلب وجب عليه الإفطار (اللجنة الدائمة 11353) .
و أما الغسيل الكلوي - معشر الفضلاء - : فهو تنقيةٌ و تخليصٌ للجسم من السموم ، و يمكن أن يضاف فيه شيءٌ يغذّي المريض ، فلذلك تحصّل فيه التفصيل ؛ فإذا كان معه مواد مغذية فإنه مفطّر ، أما إذا كان مجرد تصفية الدم وتنقيته من المواد الضارة فهذا لا يفطر . والله أعلم .
و إدخالُ المناظير الطبيّة عبر الجلد للتصوير أو العلاج لا يتسبّب في الإفطار .
أيها الإخوةُ في الله : نختمُ موضوعنا بالحديثِ عمّا يتعلّق بالفرجِ أعزّكم الله من مسائل الإفطار ، فنقول :
أ / بالنسبة للأمور المشتركة بين الجنسين مما له تعلق بالصوم :
فالجماع: مفطّرٌ باتّفاق ، و تجبُ فيه الكفّارة المغلّظة كما في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت . قال :" مالك ؟ " قال وقعت على امرأتي وأنا صائم ! . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هل تجد رقبة تعتقها ؟ " . قال لا . قال :" فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال لا . قال :" هل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ " قال لا . قال : " اجلس " ومكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل الضخم قال :" أين السائل ؟ " قال أنا . قال :" خذ هذا فتصدق به . . " . والكفارة تكون على الزوج وحده على أصح أقوال العلماء ، لأنَّ الجماعَ الفاعل فيه دائمًا على التحقيق الزوج ، والنبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه السائل الذي جامع زوجته في رمضان دلَّهُ على الكفارة وكان الخطابُ موجَّهًا إليه دون زوجته ، وهذا مذهبُ الإمام الشافعي ورواية عن الإمام أحمد - رحمهما الله- .
وأما الإنزالُ عمدًا بدون جماع فهو مفطّر أيضًا و فيه القضاء عند جمهور أهل العلم .
أما الجنابةُ في النوم : فلا تفطّر لحديثِ عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما-:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم "[3].
ولا بأسَ هاهنا - معشر الأحباب – أن نستفيدَ حكمَ المباشرة في الحياة الزوجيّة في رمضان :
من أدلّةِ واقعيّةِ الشريعةِ الإسلاميّة ، وتميُّزِها عن شريعة أهل الكتاب :الترخيصُ في المُباشَرَةِ الزوجيّة في رمضان بشروط : عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلُ ويباشرُ وهو صائمٌ ، وكانَ أملَكَكُم لإربه " (البخاري1927 ، ومسلم1106 ) . أي : حاجته ونفسِه . [ بمعنى أنه يباشر ولا يصل به الأمر إلى جِماع ] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه :" أن رجلاً سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخَّصَ لهُ وآتاهُ آخرُ فنهاهُ ، فإذا الذي رخَّصَ له شيخ والذي نهاه شاب " (صحيح سنن أبي داود :2090) .
فمعنى المباشرة : الملامسة بين بدَنَي الزوجين على وجه الاستمتاع دون أن يصل الأمر إلى جماع أو جنابة :
ولذلك - معشر المؤمنين - هناكَ ثلاث درجات من المعاشرة الزوجية في رمضان :
1- مباشرة لا تصل إلى جماع ولا تنتُجُ عنها الجنابة : وهذه جائزة .
2- مباشرة لا تصل إلى جماعٍ ولكن يكونُ معها الجنابة هذه تفسِدُ الصّومَ وتجبُ منها القضاء عند جمهور العلماء .
3- مباشرة ينتُجُ عنها الجماعُ حتى ولو لم تنتُج عنها جنابة فهذه حرام ، تفسِدُ الصّومَ وتجبُ منها القضاء والكفارة باتفاق .
نعودُ بعد هذا إلى استكمال موضوعنا :
و أما المذيُ - معشر المؤمنين - الماءُُ الأبيض الشفاف الذي ينزل من الفرج بسبب استدعاء الشهوة بمختلف الطرق فيُفسِدُ الوضوءَ و لا يفطّر على التحقيق . قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :"توضأ واغسل ذكرك"[4] .
معشر المؤمنين : فإذا رجعنا إلى ما تنفردُ به المرأةُ من أحكام في هذا المجال :
أما النزيفُ وهو الاستحاضَةُ فلا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش:" إذا كان دم الحيض فإنه أسودٌ معروف فامسكي عن الصلاة،فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق"[5].
[FONT="][FONT="]أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمُ عَلَى طَاعَتِهِ وَعَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ , وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّءَ الأَخْلاقِ لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْت ! اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ ! اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ ! [/FONT][/FONT]
[FONT="][FONT="]1][/FONT][/FONT] - البخاري:1939.
[FONT="][2] - الإرواء(4/74).[/FONT]
[FONT="][3] - متفق عليه.[/FONT]
[FONT="][4] - البخاري(269)،ومسلم(303).[/FONT]
[FONT="][5] - صحيح: الإرواء(204).[/FONT]
رشيد بن ابراهيم بوعافية
أشكر الأستاذ الفاضل " محب لأمة الإسلام " على تنبيهاته الكريمة الطيّبة عبر البريد الخاص .
هذا و قد قمت بتصحيح خطأ وقع سهوًا في حكم من خرج منه المني عمدا في رمضان ، قلتُ قبل التصحيح [ يجب عليه عند الجمهور القضاء و الكفارة ] ، والصحيح [ يجب عليه عند الجمهور القضاء ] لأن الكفارة مذهب الإمام مالك فقط . وقد قمت بالتصحيح . فجزى الله الأستاذ خير الجزاء .
و أما بخصوص نصيحة الأخ في الأسلوب و أنه يصعب على العامي بل بعض الخواص فهذا صحيح ، وما نشرته في الحقيقة وعاء إجمالي للخطبة بسبب كثرة المسائل ، وهي بدون شك تحتاج أثناء الطرح إلى الشرح والبيان والتقريب ، وعى كل حال نصيحة الأستاذ صائبة و ليس من منهج النبي صلى الله عليه وسلم الإغراب في الكلام و الأسلوب ، فأرجو المعذرة من الإخوة و أخذ الأمر بعين الاعتبار .
تعديل التعليق