ما يحتاجه المسلم في زمن الغربة والفتن والشدائد

عنان عنان
1436/07/03 - 2015/04/22 06:57AM
" الخطبة الأولى "

معاشر المؤمنين: رغم كل ما نراه من فتنٍ وإغرءاتٍ، وفتنٍ في كل مكانٍ، رغم كل ما نراه من تكاسل الناس عن الطاعاتٍ، وتسارع الناس للشهوات، فإن من بين أولئك فئةً من الناس اصطفاهم الله وحفظهم لما حفظوا أوامرَه ونواهيه، أولئك همُ الغرباء عن عبد الله ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. قلنا من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس " [رواه البخاري]. ولقلتهم بين الناس سُموا الغرباء، فأهل الإسلام بين الناس غرباء، والمؤمنون بين أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم بين المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يُميزونها من البدع والأهواء بين أهل العلم غرباء، والداعون إلى السنة والصابرون على أذى المخالفين هم أشد الناس غربةً، ولكن هؤلاء لا غربة عليهم، لا يظن ظان أن الغرباء يعيشون بتعاسةٍ وشقاءٍ كلا بل هم أسعد الناس في الدنيا وأعلاهم منزلةً في الأخرة بعد النبيينَ والشهداءِ، لأنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " فطوبى للغرباء " وطوبى من الطيب.

وأهل الدنيا لا ينظرون إلى الرجل الملتزم، وإلى الرجل المتدين، وإلى حافظ القرءان، وإلى الذي يملك علماً بالدين، أهل الدنيا ينظرون إلى أهل المال والجاه والعز، ودليل ذلك ما قاله تعالى حكايةً عن القوم الذين أرادوا مثل ما أوتي قارون." قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتيَ قارون إنه لذو حظٍ عظيمٍ* وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الأخرة خير لمن ءآمن وعمل صالحاً وما يلقاها إلا الصابرون ".

قال الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله-: " ثلاثون سنةً ما خرجت منها إلا بشيء واحد، هو أني رأيت الحياةَ
كمائدة القمار، فمن الناس من يخسر مالَه ويخرج ينفض كفَّه، ومنهم من يخرج مُثقِلاً بأموال غيرِه التي ربحها، ومنهم من يقوم على الطريق يمسح الأحذية، ومن يمد إليه حذاءَه ليمسحه له، ومن ينام على السرير، ومن يسهر في الشارع يحرس النائم، ومن يأخذ التسعة من غير عمل، ومن يكد ويدأب فلا يبلغ الواحد، وعالم يخضع لجاهل، وجاهل يترأس العلماء، ورأيت المال والعلم والخلق والشهادت قسماً وهباتٍ، فرب غنيٍ لا علم عنده، وعالمٍ لا مال لديه، وصاحبِ شهاداتٍ ليس بصاحب علم، وذي علم ليس بذي شهادات، ورب مالكِ أخلاقٍ لا يملك معها شيئاً، ومالكٍ لكل شيء ولكن لا أخلاق له، ورأيت في مدرسي المدارس من هو أعلم من رئيس الجامعة، وبين موظفي الوزارة من هو أفضل من الوزير، ولكنه الحظ، أو هي حكمة الله لا يعلم سرَّها إلا هو، إبتلانا بخفائها لينظرَ أنرضى أم نسخط
.

معاشر المؤمنين، لقد ازدادت الفتن، وعمت في كُلِّ مكان، في الشوارع والطرقات والمجمعات والأسواق والبيوت وفي الأعمال وفي الجامعات، قلَّ النكاح وكثر السِفاح، الزنا في الشوارع، البيوت تأكل ربا وسُحتاً، والتجار يغشون سِلعةً، الإ ما رحم الله، وقلت مؤنة الدين والدنيا، قال ابن عيينة-رحمه الله-: اشتدت مؤنة الدين والدنيا، قيل: وكيف؟ قال أما الدين: فلا تجد عليه أعواناً، وأما الدنيا فلا تمد يدَك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً سبقك إليه ". الزمن الذي يذهب خير من الذي يأتي، عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا يأتيكم زمان إلا وكان بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربَّكم " [رواه البخاري].

معاشر المؤمنين: قال ربكم الرحيم: " اقترب للناس حسابُهم وهم في غفلة معرضون* ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدثٍ إلا استمعوه وهم يلعبون* لأهيةً قلوبُهم ". فالقيامة تقوم والناس غافلون، القيامة تقوم على أناسٍ لا يعرفون ذكرَ الله ويقولون: كنا نسمع أجدادنا يقولون: لا إله إلا الله، القيامة تقوم على شرار الخلق، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق " [رواه البخاري].

معاشر المؤمنين: قال رسولكم الكريم-صلى الله عليه وسلم-: " اعدد ستاً بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيتِ المقدس، ثم موتانِ يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائةَ دينارٍ فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا ودخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيَغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غايةً تحت كُلِّ غايةٍ اثنا عشر ألفاً " [رواه البخاري].

العلامة الأولى، موت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقد مات بأبي وأمي عليه-الصلاة والسلام-.
العلامة الثانية، فتح بيت المقدس، وقد فُتحت بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-
العلامة الثالثة، موتان يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، وهذا حدثَ في طاعون عَمواس.
العلامة الرابعة، استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائةَ دينار فيظلُّ ساخطاً، وهذا حدث في عهد عمر بن عبد العزيز-رحمه الله- وسيكثر أيضاً في آخر الزمان.
العلامة الخامسة، فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا ودخلته، والفتنة هذه هي التنكولجيا القنوات الفضائية، والإنترنت، ومواقع التواصل الإجتماعي فهذه دخلت كلَّ البيوت، ونشرت فيها الشر.
العلامة السادسة، فهي هدنة أي صلحة تكون بيننا وبين بني الأصفر وهم النصارى فيغدرون النصارى بالمسلمين، فيجهز الروم جيشاً عدده هائل، عشرون غايةً أي رايةً تحت كل غاية اثنا عشر الفاً، وهذه العلامة لم تحدث بعد، وستحدث في آخر الزمان كما أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم-.

معاشر المؤمنين: فتنتانِ مغموسٌ فيها كثير من الناس، ألأ وهما فتنة النساء وفتنة المال، فهما زينتا الحياة الدنيا، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ما تركت فتنةً بعدي أضرَّ على الرجال من النساء " [رواه البخاري ومسلم]. وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إن الدنيا حُلوةٌ خضرة، وإن الله مُسخلفُكم فيها فناظرٌ ما تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " [رواه مسلم]. والرجل لا يشبع من النساء ولو ظفر بمئة امرأة، " النساء كالبحر كلما شربت منه ازددت عطشاً ".

قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ لكلِّ أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال " [صححه الألباني].
والمصيبة كلَّ المصيبة، أصبحنا نحفر الحفر لإخواننا من أجل الحصول على المال، نحلف بالله كذباً من أجل المال، نغش ونزور من أجل المال، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ليأتين على الناس زمان لا يبالي به المرء من أخذ المال أمن حلالٍ أم من حرامٍ " [رواه البخاري]. والنفس لا تشبع من المال، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " لو كان لإبن أدم واديانِ من مال لأبتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابنِ أدم إلا الترابُ، ويتوبُ الله على من تاب " [رواه مسلم].

فاصبروا عباد الله على الشهوات، فالجنة لا يلقاها إلا الصابرون، قال سبحانه: جناتُ عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كُلِّ بابٍ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ".

معاشر المؤمنين: هل تعلمون متى يؤمنون الناس؟ الناس يعلنون إيمانهم وتوبتَهم في موطنين، الموطنِ الأول عند معاينة الموت، قال سبحانه: " حتى إذا جاء أحدَهم الموت قال رب ارجعون كلا هو كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون ". والموطنِ الثاني عند طلوع الشمس من المغرب، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا بها أجمعون وذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً " [رواه البخاري]. ينام الناس ثم يستيقظون ويذهب المؤمنون إلى المسجد، فيصلون صلاةَ الفجر، والليل لا يزال مُغيماً في ظلامه، ويصلون الظهر، والليل لا يزال مغيماً بظلامه، حينها يرى الناس أيةً عجيبةً في الكون، ألا وهي طلوع الشمس من المغرب، فإذا رآها الناس يعلنون إيمانهم، ولكن لا ينفعهم إيمانهم، ولا تنفعهم توبتهم، لأن باب التوبة يُغلق، قال سبحانه: " يوم يأتي بعض آيات ربك لا تنفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ".

" الخطبة الثانية "

معاشر المؤمنين: ما نحتاجه في زمن الغربة والفتن والشدائد، أن نكثر من الطاعات، حتى تزداد تقوى الله في قلوبنا، وكلما ازدادت الطاعة زادت التقوى، ومصداق ذلك قولُه تعالى: " يايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ".

ومما نحتاجه في زمن الغربة والفتن والشدائد، التضرع إلى الله-عز وجل-بالدعاء، قال سبحانه: " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون ". قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ما من مسلم يدعو بدعوة إلا واستجاب الله له ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم، إما أن يعجل له الإجابة بالدنيا، أو يدفع عنه من السوء مثلها، أو يدخرها له في الأخرة " [رواه الحاكم].

ومما نحتاجه في زمن الغربة والفتن والشدائد، الإكثار من ذكر الله-عز وجل- لذلك أمر الله-عز وجل- جنودَه بالمعركة أن يُكثروا من ذكر لما فيه من الثبات في الفتن والشدائد، قال سبحانه: " يايها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون "

ومما نحتاجه في زمن الغربة والفتن والشدائد، إحسان الظن بالله-عز وجل-فمن كان فقيراً وأحسن الظنَّ بالله بإنه سيغينه عن قريب حُقق له مرادُه، ومن كان مريضاً أو مصاباً بهم وغم وأحسن الظنَّ بالله وأن مع العسر يسراً فرج الله عنه عن قريب، فما أُعطيَ العبد خيراً من حُسن الظنِّ بالله.

ومما نحتاجه في زمن الغربة والفتن والشدائد، هجران الذنوب والمعاصي، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " [رواه مسلم].

ومما نحتاجه في زمن الغربة والفتن والشدائد، الرجوع إلى الله، قال سبحانه: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعضَ الذي عملوا لعلهم يرجعون ". والفساد هو فساد معايش الناس من ظلم وفتن وقتل ومحق للبركة وغلاء في الأسعار وغير ذلك من الضرر، وما سبب ذلك؟ بما كسبت أيدي الناس من المعاصي والذنوب، ليذيقهم بعض الذي عملوا فقال الله بعض الذي عملوا فإن لم يقل بعض لمحقنا وأهلكنا بذنوبنا، وما ترك على ظهر الأرض من دابة، ولماذا يفعل الله بنا ذلك فقال: " لعلهم يرجعون " أي يتوبون ويستغفرون ويتضرعون اللهَ-سبحانه وتعالى- وقال سبحانه: " ولنذيقنَّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون " أي نذيقهم من المصائب والبلاء لعلهم يرجعون إلينا ويتوبون إلينا، والأدهى والأمَرُّ أن الصالحين يهلكون بعرى المفسدين، قالت زينب زوجةُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لرسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثُرَ الخَبَث " [رواه البخاري] والخبث هي المعاصي.

ومما نحتاج إليه في زمن الغربة والفتن والشدائد، الإكثار من الإستغفار، فالإستغفار آمان من عذاب الله وسخط الله، قال سبحانه: " وما كان الله معذبَهم وهم يستغفرون ". قال ابن الجوزي-رحمه الله-: " وآسفاه على عبد كلما اقترب من القبور زاد عنده الفتور-أي الملل من الطاعة-، وكلما كثرت أوزارُه قلَّ إستغفارُه ". فسبحان الله أكثر الناس الذين يستغفرون ذنوبهم قليلة، نسأل الله العفو والعافية.

ومما نحتاج إليه في زمن الغربة والفتن والشدائد، سؤال الله الثباتَ، ونكثر من هذا الدعاء الذي كان يدعو به رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء.

وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المشاهدات 3158 | التعليقات 0