مَا يَجِبُ عَلَى اَلْمُسْلِمِ عِنْدَ سَمَاعِ اَلْإِشَاعَاتِ

عايد القزلان التميمي
1445/06/08 - 2023/12/21 18:50PM
اَلْحَمْد لِلَّهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ، وَنَهَاهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ، وَأَمَرَهُ بِالتَّثَبُّتِ وَالتِّبْيَانِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ ، اَلْمُؤَيِّدَ بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْبُرْهَانِ ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، أَهْلُ اَلصِّدْقِ وَالْإِيمَانِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ تعالى واحفظُوا ألسنتَكُم، واعلَمُوا أنَّ المُسلِم مأمورٌ بالصِّدْقِ في حديثِهِ وكلامِهِ، والتَّثبُّتِ من كلِّ ما يَقولُهُ أو يَنقُلُهُ، حتَّى لا يَقَعَ في الكَذِبِ،
قال نبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (كَفَى بالْمَرْءِ كَذِبًا ‌أنْ ‌يُحَدِّثَ ‌بكُلِّ ‌ما ‌سَمِعَ) رواه مسلم،
و(قالَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ: (( بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ )) رواه مسلم،
وقال الإمام مالك: (اعلَمُ أنَّهُ ‌فَسَادٌ ‌عظيمٌ أنْ يَتَكَلَّمَ الإنسانُ بكُلِّ ما يَسْمَعُ).
عِبَاد اَللَّهِ وَإِنَّ مِنْ اَلظَّوَاهِرِ اَلسَّيِّئَةِ اَلَّتِي رَاجَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي مُجْتَمَعِنَا وَأَصْبَحَتْ تُهَدِّدُ قِيَمَنَا وَحَيَاتنَا ، وَتَزِيدُ مِنْ نَشْرِ اَلْمَشَاكِلِ فِيمَا بَيْنَنَا ، إِنَّهَا ظَاهِرَةُ نَشْرِ اَلْإِشَاعَاتِ وَالتَّرْوِيجِ لَهَا وَتَنَاقَل اَلْأَنْبَاء اَلْمَغْلُوطَة وَالْكَاذِبَة لِتَحْقِيقِ أَهْدَافٍ خَبِيثَةٍ يُرِيدُ مُرَوِّجُو هَذِهِ اَلْإِشَاعَاتِ أَنْ يُحَقِّقُوهَا وَيَصِلُوا إِلَيْهَا .
وَيُمْكِن تَعْرِيفُ اَلْإِشَاعَةِ بِأَنَّهَا كَلَاماً أَوْ خَبَراً يُشَاعُ بَيْنَ اَلنَّاسِ مِنْ دُونِ اَلتَّثَبُّتِ مِنْ مَصْدَرِهِ أَوْ مَعْرِفَةِ مَدَى صِحَّتِهِ مِنْ كَذِبِهِ ،
وَلَقَدْ حَذَّرْنَا اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ هَذَا اَلدَّاءِ اَلْخَبِيثِ يَقُولُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ .
وَلَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَاتِ فِي اَلْحَدِيثِ عَنْ حَادِثَةِ اَلْإِفْكِ وَتَبْرِئَةِ أُم اَلْمُؤْمِنِين عَائِشَة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا .
وَلَنَا عِبْرَة وَاضِحَة تُظْهِرُ لَنَا خَطَرُ اَلْإِشَاعَاتِ نَقْتَبِسهَا مِمَّا حَصَلَ فِي حَادِثَةِ اَلْإِفْكِ زَمَنَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تِلْكُمْ اَلْمَقُولَة اَلْخَبِيثَة ، وَالْفِرْيَةُ اَلْعَظِيمَةُ أَلَّا وَهِيَ قَذْفُ أُم اَلْمُؤْمِنِين عَائِشَة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا ، اَلطِّيبَةُ اَلطَّاهِرَةُ ، بِقَصْدَ اَلنِّيلِ مِنْ عِرْضِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا نَتَجَ عَنْهَا مِنْ فِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ وَكَرْبٍ شَدِيدٍ مَرَّ بِهِ اَلْمُجْتَمَع اَلْإِسْلَامِيُّ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ .
عِبَاد اَللَّهِ إِنَّ اَلْمُسْلِمَ اَلْعَاقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ مِنْ اَلْمَعْلُومَاتِ إِذَا سَمِعَهَا وَيَتَأَكَّدُ مِنْ صِحَّتِهَا وَمِنْ مَصْدَرِهَا قَبْلَ نَشْرِهَا فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
وقال سبحانه (( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ))
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : إِنَّنَا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ كُثُرٌ فِيهِ تَرْوِيجِ الإشَاعَات دُونَ تُثْبِت وَخَاصَّةً عَنْ طَرِيقِ بَرَامِجِ اَلتَّوَاصُلِ ، فَمَا هُوَ إِلَّا نُسَخٌ وَلَصْقٌ لِلرَّسَائِلِ وَالصُّوَرِ ، مُكْتَفِيًا بَعْضُهُمْ عِنْدَ نَسْخِهِ بِقَوْلِ : كَمَا وَصَلَنِي : وَلَقَدْ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( بئسَ مطيَّةُ الرَّجلِ زعموا((  صححه الألباني .
عِبَادَ اَللَّهِ لقد حارب الإسلام  مُشْكِلَةَ اَلشَّائِعَاتِ وَالْأَخْبَارِ اَلْكَاذِبَةِ مِنْ خِلَالِ وَسَائِلَ عَدِيدَةٍ وَمِنْهَا : حَثَّ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى حِفْظِ اَللِّسَانِ وَقِلَّةِ اَلْكَلَامِ ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني ، وفى الحديث الآخر قوله عليه الصّلاة والسّلام : ((المُسلِمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانه ويده)) متفق عليه.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ  وَلِكَيْ لَا تُؤَثِّر هَذِهِ اَلْإِشَاعَاتِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ اَلْإِشَاعَاتِ :أن يُحسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا).
ويجب على المسلم عند سماع الإشاعة أن يتوثّق من صحة النقل، ويطلب المسلم الدليل عليه، قال الله تعالى: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)،
ولذلك كل خبر ليس عليه دليل فصاحبُه كاذِب لقوله تعالى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
ويجب على المسلم عند سماع الإشاعة في الأمور المهمة أن يَرُدَّ الأمر إلى ولاةِ الأمور وإلى العلماء،
وقد ذَكَرَ لنا ربنا في كتابه أن إذاعة الشائعات من صفات المنافقين، وعلّمنا كيفية التعامل معها، وحذرنا من اتباع خطوات الشيطان، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
عِبَادَ اَللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ نَشْرَ اَلْإِشَاعَاتِ اَلْكَاذِبَةِ مِنْ جُمْلَةِ اَلْكَذِبِ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا ، بَلْ كَبِيرَةً مِنْ اَلْكَبَائِرِ ، وَقَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
ولِعِظَمِ خطر الإشاعة والكذِب في المجتمع فقد روى البخاري في صحيحه من حديث سَمُرةُ بنُ جُنْدُبٍ رَضيَ اللهُ عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في حديث الرؤيا الطويل: «فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يأتي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ» قال: «ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ الْمَرَّةَ الْأُولَى» فسأل عنه النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال له المَلَكان : " أمَّا الذي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عنْه حتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يَومِ القِيَامَةِ )).
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحَمْد لِلَّهِ اَلْقَائِمِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، اَلرَّقِيبُ عَلَى كُلٍّ جَارِحَةٍ بِمَا اِجْتَرَحَتْ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
 أَمَّا بَعْد فَيَا عِبَاد اَللَّهِ : يجب علينا فِي مُوَاجَهَةِ حَرْبِ الشَّائِعَاتِ: تَرْبِيَةُ النُّفُوسِ عَلَى الْخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَالتَّثَبُّت فِي الْأُمُورِ، واستحضار مراقبة الله عز وجل في كل وقت وحين،
قال الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾
وَقالَ تَعَالَى (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ))
وقال سبحانه (( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )).
فاتَّقوا الله - عبادَ الله - وراقِبُوه في جميع أحوالكم، ويقول لكم في الحديث القدسي (( يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ)) أخرجه مسلم.
عباد الله
صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات

1703217110_ما يجب على المسلم عند سماع الإشاعات.docx

1703217202_ما يجب على المسلم عند سماع الإشاعات.pdf

المشاهدات 1161 | التعليقات 0