ما مضى من رمضان، وماذا بقي؟

عبدالكريم الخنيفر
1442/09/11 - 2021/04/23 02:03AM

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد ألا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا…

أيها المسلمون، أن هذا القرآنَ الذي بين أيدنا وأمامَنا، جعله اللهُ عربيًا سهلَ الألفاظِ واضحَ المعاني لنحققَ تقوى الله، قال تعالى: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، فأوصيكم مع قراءَتِهِ بتدبَّرِ معانيه، لعلنا نتَّقيَ اللهَ سبحانه فندخلَ جنتَه.

عبادَ الله، لن أقولَ مضى الثُّلثُ والثُّلثُ كثير، ولن أقولَ: ما أسرعَ ما انقضتْ عشرةُ أيامٍ من الشهرِ الكريم، إنما هيَ لحظتُك التي أنت فيها ركِّز بما تستغلها فيه، فلحظتُكَ التي صليتَ فيها التراويح، أو التي قرأتَ فيها ما شاء اللهُ من القرآن،  وتلكَ اللحظةُ التي سِرتَ فيها لصلاةِ الظهر قاهرًا لذةَ النوم، ولحظةَ أعطيتَ أمرَ صرفِ الصدقة، وتلك اللحظةُ الزكيةُ الخاشعةُ وأنت ممسكٌ بتمرتِكَ ترقبُ المؤذنَ مبتهِلا بدعائك فَرِحًا بفِطْرِك، كلُّ هذه اللَّحَظَاتِ أجرٌ كبيرٌ وفَضْلٌ عظيمٌ، نسأل اللهَ القبول.

أما تلك الفترةُ حينَ تأمرُك نفسُكَ بالسوءِ فتتركَ فَرْضًا وتفعلَ محظورًا، أو الفترةُ التي تَغْلبُ الإنسانَ فيها العادةُ المجتمعيةُ لمشاهدةِ التِّلفازِ فيتابعَ أراذلَ القومِ المستهزئين بكل شيء، الفارغين من المفيد، الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف، أو الفترة التي تذوبُ فيها لطبْعِك فتعومَ في جوالِك بلا فائدة، بل بأضرارٍ شرعيةٍٍ ونفسيةٍ وفكرية.

كلُّ هذه الفتْراتِ بأدقِّ أجزائِها أنتَ محاسبٌ عليها.

قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه).

فحاسبْ نفسَكَ يا عبدَ الله على ما مضى من شهرِك، إنْ خيرًا فاحمدِ اللهَ وزدْ، وإنْ شرًا فاستغفرْ الله وتُبْ، فإنَّه سبحانه ما أنشأَ لك السمعَ والبصرَ والفؤادَ إلا لتتأملَ في حالِك ومآلِك، وإنَّ الذي أنشأها لسائلُك عنها، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ الكريم، ونفعنَا بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيم.

 


الخطبة الثانية:

الحمدُ لله على إحسانه والشكرُ له على توفيقه وامتنانه أما بعد، عبادَ الله، ليس بغريبٍ أنْ يأتيَ على الإنسانِ فتورٌ في العبادة، فيتثاقلَ في أدائها، بل قد قرَّرَ الشرعُ ذلك فقال الرسول ﷺ: «لِكُلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولِكُلِّ شرَّةٍ فَترةٌ، فمن كانَت فَترتُهُ إلى سنَّتي، فَقد أفلحَ، ومَن كانت إلى غيرِ ذلِكَ فقد هلَكَ»، ومعنى الحديثِ أنَّ الإنسانَ يجتهدُ في أداءِ العبادة، ثم يعتريه فتورٌ وخمولٌ تكون له نتيجتان: إما أن يستريحَ قليلا ليواصلَ الحرصَ والاجتهاد، وإما أنْ يتوقَّفَ لداعي الكسل، ثم تجذبُه الملهياتُ والمغرياتُ، حتى يقعَ في شَرَكِها أعاذنا الله وإياكم، فاللهَ اللهَ عبادَ الله ألا تسمحوا للفتورِ أن يتمكَّنَ  منكم، وتعاهدوا إيمانَكم بمداومة عمل الطاعات، واحرسوه أن يخدِشَه خادشُ الغفلةِ أو الذنب.

اللهم وفَّقنا في هذا الشهر المبارك للصيام والقيام وتلاوة القرآن على أكملِ وجهٍ وأحسنه، اللهمَّ أعنَّا فيه على اغتنام الطاعات والظَّفَرِ بالليالي المباركات، واجعلنا ممن صام رمضانَ وقامَه إيمانًا واحتسابًا.

اللهم وفَّقنا لتلاوة القرآنِ وتدبُّرِه وفَهْمِ معانيه والعملِ بما فيه، واجعله لنا نورًا وضياءً في الدنيا والآخرة.

اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنا لما تحبُّ وترضى، وخذ بناصيته للبرِّ والتقوى، وارزقه البطانة الصالحةَ الناصحة.

اللهمَّ وفقهُ ونائبَه لما فيه خير البلاد والعباد.

سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

المرفقات

1619143370_خطبة ثلث رمضان.pdf

المشاهدات 2077 | التعليقات 0