ما للعمال وما عليهم-17-7-1438ه-خالد القرعاوي-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1438/07/17 - 2017/04/14 04:45AM
[align=justify]
أما بعدُ: فإنَّ دِينَنَا العظيمَ قَائِمٌ على التَّنَاصُحِ فِيمَا بَينَنَا, لِذَا لا بُدَّ مِنْ الصَّرَاحَةِ والوُضُوحِ فِي كُلِّ ما يقالُ! وهنا سؤالٌ: مَا الرأيُ فِي رَجُلٍ يَأْكُلُ مَا لَيسَ لَهُ؟!، يغتني من كَدِّ الضُّعَفاءِ وَالمَسَاكِينِ وَتعبِهم؟!، ما الرأيُ في مسلمٍ يَتَرَدَّدُ عَلَى المَسَاجِدِ, وَيَقْرَاُ كَلامَ اللهِ-سبحانه-وَيَسْمَعُ أحَادِيثَ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم-ثُمَّ هُوَ يَخُونُ, وَيَنْقُضُ عَهْدَهُ؟!، أَينَ هَو مِن قَولِ البَارِي-جَلَّ وَعَلا-: [وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا]، أَلَمْ يَسْمَعْ قولَ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم-: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ"، وقولَه: "المُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ"، وقولَ عمرَ بنِ الخطابِ-رضي اللهُ عنه-: "لَا تُغُرُّنِي صَلَاةُ امْرِئٍ وَلَا صَوْمُهُ، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ صَلَّى، لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ".
لقد وُجِدَ فِي مُجْتَمَعِنَا-منذ زمنٍ-فَسَادٌ دِينِيٌّ وَأَخْلاقِيٌّ وَمَالِيٌّ، مِنْ بعضِ العَمَالِ الوافِدينَ لا كُلِّهم-أكررُ القولَ مِنْ بعضِ العَمَالِ الوافِدينَ لا كُلِّهم-الذينَ يعملونَ ما يشاؤونَ، دُونِ حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ!، همُهم الأكبرُ جمعُ المالِ بأيِ طريقةٍ حتى لو كانتْ محرمةً، ينشرونَ الفَسَادَ الأخْلاقِيَّ, بصنعِ الخمورِ، وإشاعةِ الزنا والفجورِ، ويمارسونَ أنواعًا من الغِشِّ وَالنَّصْبِ والتَّزْوِيرِ، والمُتَابِعُ لِلجِهاتِ الرَّقَابِيَّةِ يَعجبُ ويُذهلُ مِنْ هَولِ مَا يَسْمَعُ وَيَرى مما يصدرُ عنهم!
وهذا لا يمنعُ من قولِ الحقِ أنَّ كثيرًا من إخوانِنا الوافدينَ-بِحَمْدِ اللهِ-مُلْتَزِمٌ بِدِينِهِ، قَائِمٌ بِعَمَلِهِ، مُحْتَرِمٌ لأنْظِمَةِ البَلَدِ وَأهْلِهِ، فَيَسْتَحِقُ هؤلاءِ منَّا كُلَّ الحُبِّ والاحْتِرَامِ وَالتَقْدِيرِ، وَلَكِنَّ المشكلةَ في القليلِ الفاسدِ المفسدِ، ويبدو أنَّ بعضَ أهلِ البلدِ من المواطنينَ شركاءُ معهم في هذا الفسادِ والإفسادِ، وسببٌ من أسبابِه، إنَّ المشكلةَ بدأتْ يومَ نَقَضَ كفلاءُ هؤلاءِ العمالِ العَهْدَ وَالاتِّفَاقَ، فتَنَكَّرَ للعَامِلِ وَخَدَعَهُ!، تركَ هذا العَامِلُ أهْلَهُ وَأَولادَهُ وَبَلَدَهُ، وَفِي مُخَيَّلَتِهِ أنَّهُ سيعيشُ بينَنا عزيزًا ومقدرًا ومحترمًا، وأنَّه سَيَجْمَعُ مَالًا مشروعًا بجهدِه وتعبهِ, فَإذا هُو يُفَاجَأُ من كفيلِه: إمَّا أنْ تَقْبَلَ بِكَذَا-بمالٍ أقلَّ من المتفقِ عليه-وإلَّا سَفَّرْتُك!، فَيَأْخُذُ الأُجْرَةَ مُضْطَرًّا، وَهُو لا يَمْلِكُ حَولًا وَلا طَولًا.
فَيَا أيُّها الكفيلُ الظَّالِمُ، الجَشِعُ الغَشُومُ: تَذَكَّرَ قَولَ اللهِ-تَعَالى-: [يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ]، وقولَ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ-: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-حِجَابٌ".
أو أنْ يَتَعَمَّدَ الكفيلُ تَأْخِيرَ رَوَاتِبِهِ لأشْهُرٍ طِوَالٍ!، وَينسى أو يتناسى أن هذا العاملَ له أسرةٌ محتاجةٌ، تَنْتَظِرُ بِفَارِغِ الصَّبْرِ ما يرسلُه لهم من مالٍ آخرَ الشهرِ! أيْنَ هَذا الكَفِيلُ مِنْ تَوجِيهِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-حِينَ قَالَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"، بِأيِّ حَقٍّ وَأَيِّ شَرْعٍ وأي قانونٍ يَسْتَقْطِعُ الكَفيلُ مِن العَامِلِ مَبْلَغًا شَهْرِيًّا أَوْ سَنَوِيًّا مُقَابِلَ كَفَالَتِهِ، إنَّ هَذَا واللهِ استغلالٌ وظُلْمٌ كبيرٌ واضحٌ حتَّى وَإنْ رَضِيَ العَامِلُ وَوَقَّعَ على ذَلِكَ، ومن فعله من الكفلاءِ عَاقَبَهُ اللهُ عَلى ذَلِكَ، إمَّا بِخَسَارَةٍ مَادِيَّةٍ، أو أمْرَاضٍ مُتَتَالِيَةٍ, أو نَكَدٍ وشقاءٍ لا يَعْلَمُه إلَّا اللهُ، قالَ-تعالى-: [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ]، وقالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".
فاللهمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنَيا أكْبَرَ هَمِّ المسلمينَ, وَأغْنِهم بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ, وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، أسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَللمُسْلِمِينَ.
أما بعدُ: فَاحْذَرُوا الظُّلْمَ وَسُوءَ عاقبتِه ونهايتِه، فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ وهلاكٌ وخسارةٌ في الدنيا والآخرةِ، حرمَّه اللهُ على نَفْسِهِ فَقَالَ: [وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا]، وَقَالَ-سبحانه-فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا"، وَقَالَ رَسُولُنا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "المُسْلِمُ أَخَو المُسْلِمَ لا يَخُونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ".
كَمْ مِنْ دَعْوَةِ مَظْلُومٍ سَرَتْ فَوقَ الغَمَامِ فَاسْتَجَابَ اللهُ لَهَا!، قَدْ سَلَبَتْ غَنِيَّا مَالَهُ، وَفَرَّقَتْ بَينَه وبينُ زَوْجِهِ، أَفْقَرَتْ وَأَمْرَضَتْ وَنَكَّدَتْ! مَنْ لِعَامِلٍ قَدْ سُرِقَ كَدُّهُ وَجَهْدُهُ وَمَالُهُ؟، مَنْ لِضَعِيفٍ بُخِسَ حَقُّهُ وَأُخْلِفُ عَقْدُهُ؟، مَنْ لإنْسَانٍ قَدْ أُهِينَتْ كَرَامَتُهُ؟! إنَّ لَهُ اللهُ القَوِيُّ القَادِرُ القَائِلُ: "لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ-عَزَّ وَجَلَّ-: وَعِزَّتِي وجلالي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".
أَلا وَإنَّ مِنْ أَبشَعِ صُوَرِ ظُلْمِ العُمَّالِ: إتْعَابَهُمْ فِي العَمَلِ، وَإجْهَادَهُمْ فَوقَ طَاقَتِهِمْ!، قالَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-:"إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ-أَيْ خدمُكم الذينَ يُصْلِحُونَ أُمُورَكُمْ-جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"، وَمِنْ أَوضَحِ أنْوَاعِ الظُّلْمِ: عَدَمُ دَفْعِ أُجْرَتِهِمْ، قالَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ-تَعَالَى-: "ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ".
إخواني الكرام: نَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ انْتِشَارِ جَرَائِمِ بَعْضِ العمالِ الوافدينَ! فَإذا عُلِمَ أنَّ بَعْضَ الكفلاءِ يَسْتَقْدِمُ العَشَرَاتِ مِنْهُمْ وربما المئاتِ وَيَتْرُكُهُمْ هَمَلًا، وَيُطَالِبُهُمْ بِدَخْلٍ شَهْرِيٍّ!، فلا تَسَلْ عَنْ أَنْواعِ طُرُقِ كَسْبٍ يَسْلُكُونَهَا!، قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ]، إنْ لَمْ يكنْ هَذَا العَمَلُ بَاطِلاً فَمَا هُوَ البَاطِلُ؟! إنَّنَا نُطَالِبُ أنفسنَا والمسلمينَ أنْ نَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقِ الإسْلامِ عَمَلِيًّا؛ لا نُرِيدُ إسْلامًا مُرَقَّعًا مَخرَّقًا، نَأْخُذُ مِنْهُ مَا نَشَاءُ، وَنَدَعُ مَا نَشَاءُ، إذَا حَضَرَ الرِّيَالُ ذهبَ الدينُ وَتلاشتِ التَّقْوَى!، [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ].
هذا الكلامُ لا يَعْنِي الطَّعْنَ فِي سَائِرِ الكُفَلاءِ، فَعِنْدَنَا نَمَاذِجُ منهم-بِحَمْدِ اللهِ-مُشَرِّفَةٌ, صَالِحُونَ يَخَافُونَ اللهَ واليومَ الآخرَ، وَلا نُقَلِّلُ كَذَلِكَ مِنْ أَخْطَاءٍ فَادِحَةٍ لِعَمَالٍ قَلَّتْ أَمَانَتُهُمْ، وَفَسَدَتْ أَخْلاقُهُم، واعتادوا عَلى السَّرِقَةِ وَالغِشِّ وَالاحْتِيَالِ، الهَدَفُ أنْ نَكُونَ يَدًا وَاحِدَةً ضِدَّ الفسادِ والإفسادِ, وحِصْنًا نِحْمِي دينَنا وأخلاقَنا ومُجْتَمَعَنَا وَبَلَدَنَا وأمنَنا وأموالنَا, مِن أيْدٍ تُرِيدُ العَبَثَ بِها، وَقَدْ أَعْطَتْ الجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ-مشكورةً-وَقْتًا مُحَدَّدًا لِتَصْحِيحِ أَوضَاعِ العمالِ المخالفينَ، فلْنتعاونْ على البِرِّ والتَّقْوى, ونتناهَ عَن الإثْمِ والعُدْوَانِ، نَسألُ اللهَ أنْ يُعيذَنَا والمسلمينَ مِن البُخْلِ وَالطَّمَعِ، وَالجَشَعِ وَالهَلَعِ.[/align]
أما بعدُ: فإنَّ دِينَنَا العظيمَ قَائِمٌ على التَّنَاصُحِ فِيمَا بَينَنَا, لِذَا لا بُدَّ مِنْ الصَّرَاحَةِ والوُضُوحِ فِي كُلِّ ما يقالُ! وهنا سؤالٌ: مَا الرأيُ فِي رَجُلٍ يَأْكُلُ مَا لَيسَ لَهُ؟!، يغتني من كَدِّ الضُّعَفاءِ وَالمَسَاكِينِ وَتعبِهم؟!، ما الرأيُ في مسلمٍ يَتَرَدَّدُ عَلَى المَسَاجِدِ, وَيَقْرَاُ كَلامَ اللهِ-سبحانه-وَيَسْمَعُ أحَادِيثَ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم-ثُمَّ هُوَ يَخُونُ, وَيَنْقُضُ عَهْدَهُ؟!، أَينَ هَو مِن قَولِ البَارِي-جَلَّ وَعَلا-: [وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا]، أَلَمْ يَسْمَعْ قولَ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم-: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ"، وقولَه: "المُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ"، وقولَ عمرَ بنِ الخطابِ-رضي اللهُ عنه-: "لَا تُغُرُّنِي صَلَاةُ امْرِئٍ وَلَا صَوْمُهُ، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ صَلَّى، لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ".
لقد وُجِدَ فِي مُجْتَمَعِنَا-منذ زمنٍ-فَسَادٌ دِينِيٌّ وَأَخْلاقِيٌّ وَمَالِيٌّ، مِنْ بعضِ العَمَالِ الوافِدينَ لا كُلِّهم-أكررُ القولَ مِنْ بعضِ العَمَالِ الوافِدينَ لا كُلِّهم-الذينَ يعملونَ ما يشاؤونَ، دُونِ حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ!، همُهم الأكبرُ جمعُ المالِ بأيِ طريقةٍ حتى لو كانتْ محرمةً، ينشرونَ الفَسَادَ الأخْلاقِيَّ, بصنعِ الخمورِ، وإشاعةِ الزنا والفجورِ، ويمارسونَ أنواعًا من الغِشِّ وَالنَّصْبِ والتَّزْوِيرِ، والمُتَابِعُ لِلجِهاتِ الرَّقَابِيَّةِ يَعجبُ ويُذهلُ مِنْ هَولِ مَا يَسْمَعُ وَيَرى مما يصدرُ عنهم!
وهذا لا يمنعُ من قولِ الحقِ أنَّ كثيرًا من إخوانِنا الوافدينَ-بِحَمْدِ اللهِ-مُلْتَزِمٌ بِدِينِهِ، قَائِمٌ بِعَمَلِهِ، مُحْتَرِمٌ لأنْظِمَةِ البَلَدِ وَأهْلِهِ، فَيَسْتَحِقُ هؤلاءِ منَّا كُلَّ الحُبِّ والاحْتِرَامِ وَالتَقْدِيرِ، وَلَكِنَّ المشكلةَ في القليلِ الفاسدِ المفسدِ، ويبدو أنَّ بعضَ أهلِ البلدِ من المواطنينَ شركاءُ معهم في هذا الفسادِ والإفسادِ، وسببٌ من أسبابِه، إنَّ المشكلةَ بدأتْ يومَ نَقَضَ كفلاءُ هؤلاءِ العمالِ العَهْدَ وَالاتِّفَاقَ، فتَنَكَّرَ للعَامِلِ وَخَدَعَهُ!، تركَ هذا العَامِلُ أهْلَهُ وَأَولادَهُ وَبَلَدَهُ، وَفِي مُخَيَّلَتِهِ أنَّهُ سيعيشُ بينَنا عزيزًا ومقدرًا ومحترمًا، وأنَّه سَيَجْمَعُ مَالًا مشروعًا بجهدِه وتعبهِ, فَإذا هُو يُفَاجَأُ من كفيلِه: إمَّا أنْ تَقْبَلَ بِكَذَا-بمالٍ أقلَّ من المتفقِ عليه-وإلَّا سَفَّرْتُك!، فَيَأْخُذُ الأُجْرَةَ مُضْطَرًّا، وَهُو لا يَمْلِكُ حَولًا وَلا طَولًا.
فَيَا أيُّها الكفيلُ الظَّالِمُ، الجَشِعُ الغَشُومُ: تَذَكَّرَ قَولَ اللهِ-تَعَالى-: [يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ]، وقولَ الرسولِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ-: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-حِجَابٌ".
أو أنْ يَتَعَمَّدَ الكفيلُ تَأْخِيرَ رَوَاتِبِهِ لأشْهُرٍ طِوَالٍ!، وَينسى أو يتناسى أن هذا العاملَ له أسرةٌ محتاجةٌ، تَنْتَظِرُ بِفَارِغِ الصَّبْرِ ما يرسلُه لهم من مالٍ آخرَ الشهرِ! أيْنَ هَذا الكَفِيلُ مِنْ تَوجِيهِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-حِينَ قَالَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"، بِأيِّ حَقٍّ وَأَيِّ شَرْعٍ وأي قانونٍ يَسْتَقْطِعُ الكَفيلُ مِن العَامِلِ مَبْلَغًا شَهْرِيًّا أَوْ سَنَوِيًّا مُقَابِلَ كَفَالَتِهِ، إنَّ هَذَا واللهِ استغلالٌ وظُلْمٌ كبيرٌ واضحٌ حتَّى وَإنْ رَضِيَ العَامِلُ وَوَقَّعَ على ذَلِكَ، ومن فعله من الكفلاءِ عَاقَبَهُ اللهُ عَلى ذَلِكَ، إمَّا بِخَسَارَةٍ مَادِيَّةٍ، أو أمْرَاضٍ مُتَتَالِيَةٍ, أو نَكَدٍ وشقاءٍ لا يَعْلَمُه إلَّا اللهُ، قالَ-تعالى-: [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ]، وقالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".
فاللهمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنَيا أكْبَرَ هَمِّ المسلمينَ, وَأغْنِهم بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ, وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، أسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَللمُسْلِمِينَ.
الخطبة الثانية
لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْـَت مُقْتَـِدَرَا*فَالظُّلْمُ آخرُه يفضي إلى النَّدَمِ
تنامُ عَيْنُكَ وَالْمَظْلُـومٌ مُنْتَبِـهٌ*يَدْعُو عَلَيكَ وَعَينُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
أَلا وَإنَّ مِنْ أَبشَعِ صُوَرِ ظُلْمِ العُمَّالِ: إتْعَابَهُمْ فِي العَمَلِ، وَإجْهَادَهُمْ فَوقَ طَاقَتِهِمْ!، قالَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-:"إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ-أَيْ خدمُكم الذينَ يُصْلِحُونَ أُمُورَكُمْ-جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"، وَمِنْ أَوضَحِ أنْوَاعِ الظُّلْمِ: عَدَمُ دَفْعِ أُجْرَتِهِمْ، قالَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ-تَعَالَى-: "ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ".
إخواني الكرام: نَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ انْتِشَارِ جَرَائِمِ بَعْضِ العمالِ الوافدينَ! فَإذا عُلِمَ أنَّ بَعْضَ الكفلاءِ يَسْتَقْدِمُ العَشَرَاتِ مِنْهُمْ وربما المئاتِ وَيَتْرُكُهُمْ هَمَلًا، وَيُطَالِبُهُمْ بِدَخْلٍ شَهْرِيٍّ!، فلا تَسَلْ عَنْ أَنْواعِ طُرُقِ كَسْبٍ يَسْلُكُونَهَا!، قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ]، إنْ لَمْ يكنْ هَذَا العَمَلُ بَاطِلاً فَمَا هُوَ البَاطِلُ؟! إنَّنَا نُطَالِبُ أنفسنَا والمسلمينَ أنْ نَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقِ الإسْلامِ عَمَلِيًّا؛ لا نُرِيدُ إسْلامًا مُرَقَّعًا مَخرَّقًا، نَأْخُذُ مِنْهُ مَا نَشَاءُ، وَنَدَعُ مَا نَشَاءُ، إذَا حَضَرَ الرِّيَالُ ذهبَ الدينُ وَتلاشتِ التَّقْوَى!، [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ].
هذا الكلامُ لا يَعْنِي الطَّعْنَ فِي سَائِرِ الكُفَلاءِ، فَعِنْدَنَا نَمَاذِجُ منهم-بِحَمْدِ اللهِ-مُشَرِّفَةٌ, صَالِحُونَ يَخَافُونَ اللهَ واليومَ الآخرَ، وَلا نُقَلِّلُ كَذَلِكَ مِنْ أَخْطَاءٍ فَادِحَةٍ لِعَمَالٍ قَلَّتْ أَمَانَتُهُمْ، وَفَسَدَتْ أَخْلاقُهُم، واعتادوا عَلى السَّرِقَةِ وَالغِشِّ وَالاحْتِيَالِ، الهَدَفُ أنْ نَكُونَ يَدًا وَاحِدَةً ضِدَّ الفسادِ والإفسادِ, وحِصْنًا نِحْمِي دينَنا وأخلاقَنا ومُجْتَمَعَنَا وَبَلَدَنَا وأمنَنا وأموالنَا, مِن أيْدٍ تُرِيدُ العَبَثَ بِها، وَقَدْ أَعْطَتْ الجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ-مشكورةً-وَقْتًا مُحَدَّدًا لِتَصْحِيحِ أَوضَاعِ العمالِ المخالفينَ، فلْنتعاونْ على البِرِّ والتَّقْوى, ونتناهَ عَن الإثْمِ والعُدْوَانِ، نَسألُ اللهَ أنْ يُعيذَنَا والمسلمينَ مِن البُخْلِ وَالطَّمَعِ، وَالجَشَعِ وَالهَلَعِ.[/align]
المرفقات
ما للعمال وما عليهم-17-7-1438ه-خالد القرعاوي-الملتقى-بتصرف.docx
ما للعمال وما عليهم-17-7-1438ه-خالد القرعاوي-الملتقى-بتصرف.docx