ما للعامل وما عليه-5-2-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ إبراهيم العجلان

محمد بن سامر
1441/02/05 - 2019/10/04 07:48AM
  

الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.

"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".

أما بعدُ: فيا إخواني الكرام، إنسانٌ طرقتُه الحاجةُ، وأوْجعُهُ الفقرُ، فقرَّرَ بعد هذه الحال أنْ يُغادرَ أرضَه التي نشأَ فيها، وتَأَقْلَمَ على أجوائِها وهوائِها، وما أقسى هُجرانَ الديارَ، غادرَ بلادَه، وتركَ أهلَه وأولادَه، يَسْعى لِلُقْمةِ العيشِ، وكفِّ الوجهِ عن السؤالِ، وصلَ تلكَ الديارَ الجديدةَ، يحملُ معه أنواعًا من الآلامِ التي يقاومُها، ألمِ الغربة، وألمِ الحاجة، وألمِ فراقِ الأهلِ والأحبابِ، نزلَ إلى سوقِ العملِ، وقدْ طافَ في خَياله مستقبلٌ مُشْرقٌ، فَبَذَلَ منِ أجلِ ذلك جَهدَه ووقتَه، واستفرغَ وُسْعَهُ وَنَشَاطَه، تحمَّلَ حرَّ الشمس، وتعايشَ مع قطراتِ العَرَقِ، ولم يُبالِ بِشَحَوبِ وجْهِهِ، ورداءَةِ ملابِسِهِ، حتى إذا انتهى الشهرُ ذهبَ إلى كفيلَهِ، ليقبضَ راتبَه: أجرَ ما تعبَ وتعنَّى، فما كان من صاحبِ العملِ إلا أنْ راغَ وتنكرَ، وضاقَ وتنمّرَ، وادّعى الرداءَة في الإنتاجِ، والضعفَ في العملِ، وماطلَ الأجيرَ، وعابَ الجهدَ، وجهَّزَ الأعذارَ والمسوغاتِ لمنعِ الأُجرةِ أو تقليلِها.

     لا تسل بعد ذلك عن مراراتِ الظلمِ المتَجرَّعةِ، ولا عن لوعاتِ الضميرِ الحارقةِ.

     رجالٌ مغتربونَ، يحتبسونَ الدموعَ والعبراتِ، ويتغصصونَ الآهاتِ، ويكابدونَ القهرَ والحسراتِ.

     ظلمُ العمالِ والأُّجراءِ والخدمِ ظاهرةٌ فشتْ وانتشرتْ، وبانتْ أحوالهُا وأحزنتْ، استهانَ بها بعضُ ضعفاءِ الإيمانِ، وفقراءِ الأخلاقِ، ومن تمزقتْ عندهم خيوطُ الإنسانيةِ، وما علمَ هؤلاءِ المساكينُ أنَّ المخاصمةَ أمامَهم، مخاصمةً ممنْ؟، من الله ِالملكِ العدلِ، الذي لا يظلم الناسَ مثقالَ ذرةٍ، قال رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-: قَالَ اللَّهُ-تَعَالَى-: "ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ".

     إنَّ هذا التجاوزَ في الحقِ، والاعتداءَ على الحقوقِ ما كان ليكون إلا لخفةٍ في الدينِ، وضعفٍ في الأمانةِ، واستهانةٍ بالوفاءِ.

     فهذا الوافدُ إنما هاجرَ وطنَه، وتحمَّلَ ألمَ الغربةِ ليعملَ، ويُحفَظَ له حقُّه، ومن أعظمِ صورِ حفظِ الحقوق ِكتابتُها والالتزامُ بها.

     والوفاءُ بالعقدِ حَتْمٌ لازمٌ على الطرفين، والقيام به تامٌّ مستوفى، من أعظمِ صورِ أداءِ الأمانةِ، "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، وأثنى اللهُ على أهلِ الوفاءِ بالعهودِ، "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"، والتقصيرُ في العقدِ نقصٌ في الديانةِ، ومسئوليةٌ ومحاسبةٌ، يقول الله-سبحانه-: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولًا"، وقال-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-: "لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له".

     وبسببِ عدم ِكتابةِ عقودِ العملِ أو التقصيرِ في الالتزامِ بها، برزتْ صورٌ وأخطاءٌ، يجبُ ألا يُستهانَ بها:

        • ومنها: بخسُ الموظفين والخدمِ حقوقَهم ورواتبَهم: نحن لا ننكرُ وجودَ طائفةٍ من العمالِ مستهترةٍ مقصرةٍ، يجبُ أن تحاسبَ على ذلك بعدلٍ وإنصافٍ، لا أنْ تنتهكَ جميعُ الحقوقِ لأجلِ تقصيرٍ أو تقصيرين، فالأصلُ أن يُعطى المكفولُ أو العاملُ حقَّه بموجبِ العقدِ، ولا تُبخَسُ الأجورُ ولا تؤخّرُ، قال-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-: "أعطوا الأجيرَ أجرَه قبلَ أنْ يجفَ عَرقُه".

            • ومنها: تكليفُ الموظفِ والعاملِ فوقَ طاقتِه، مما يُعجزهُ أو يُتعبُه، فقدْ نهى الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-عن ذلك، ووصى بالأجراءِ والعمالِ خيرًا فقالَ: "إخوانُكم خَوَلُكم-خدمُكم-، جعلهم اللهُ تحتَ أيديكم، فمن كان أخوه تحتَ يدِه فليُطعمْه مما يأكلُ، ولْيُلبسْه مما يلبسُ، ولا تُكَلِّفوهم ما يَغْلِبُهُم، فإنْ كلّفْتُموهم ما يَغْلِبُهُم فأعينُوهُمْ".

                • ومنها: الغدرُ والخيانةُ، والتحايلُ وقلةُ الأمانةِ بتغييرُ عقودِ العملِ بعدَ مجيءِ العاملِ، فيأتي العاملُ من بلدِه بمهنةٍ تعلَّمها ومهرَ فيها، فيُفَاجَأُ بمهنةٍ أخرى، مرهقة ٍفي طبيعةِ العملِ أو في زيادةِ الوقتِ، فيصبحُ مضطرًا لقبولِ المهنةِ الجديدةِ لحاجتِه وقلةِ حيلتِه.

                    • ومنها: بيعُ الفيزِ والتأشيراتِ على العمالِ بمبالغَ باهظةٍ، قال الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-: "لا يحلُ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبِ نَفْسٍ منهُ"، وقد أفتى العلماءُ بتحريمِ المتاجرةِ بالتأشيراتِ، أو التسترِ على العمالةِ المخالفة ِالمتخلفينَ عن كفلائِهم.

                        • ومنها: استقدامُ عشراتِ العمالِ وربما المئاتِ، وإلقاؤُهم في الشوارعِ والطرقاتِ، ومطالبتهم بدخلٍ شهريٍ ثابتٍ، ولا يوفّرُ لهم الكفيلُ السكنَ المناسبَ، ولا الخدماتِ الضروريةَ التي يَنصُّ عليها نظامُ العملِ في البلدِ، بل ربما يُجْمَعون في غُرفٍ ضيقةٍ، ليس فيها أقلُ متطلباتِ الحياةِ، مما يُهيِئُ الفرصَ الكبيرةَ لحصولِ الجرائمِ الاجتماعيةِ والأخلاقيةِ.

                            • ومنها: التقصيرُ في دعوتهِم دينيًا وأخلاقيًا، وعدمُ حثِهم على الطاعةِ والخيرِ، فيمكثُ العاملُ عندَ كفيلِه سنينَ وهو لا يُحسنُ الوُضوءَ والصلاةَ، وربما يأمرُه بالعملِ وقتَ الصلاةِ، وربما رأى من كفيلِه أخلاقًا سيئةً، فينقل ما يراهُ إلى بلادِه، فيشوِّهُ صورةَ الإسلامِ وأهلِه، فما أحسنَ أنْ نُعَلمَّهم ونوجِهَهم إلى الخيرِ، فهو بابٌ خيرٍ، وحسناتٍ دائمةٍ، قال الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-: "من دعا إلى هدى كان له منَ الأجرِ مثلُ أُجورٍ من تبعَه، لا يَنقصُ ذلك من أُجورِهم شيئًا".

                                • ومنها: التسلطُ عليهم واحتقارُهم وشتمُهم وضربهم، وهو مؤشر على عدمِ الخوفِ من اللهِ، عن أبي مسعودٍ البدريِ-رضيَ اللهُ عنهُ-قالَ: "كنتُ أضربُ غلامًا لي بالسوطِ، فسمعتُ صوتًا من خلفي: "اِعلمْ أبا مسعودٍ"، فما عرفتُ صاحبَ الصوتِ من الغضبِ، فلما دنا مني-اقتربَ-إذا هو رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-يقول: "اعلم أبا مسعودٍ، الله أقدرُ عليك منك على هذا الغلامَ"، "فسقط السوطُ من يدي هيبةً له"، وقلت: "لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، يا رسولَ اللهِ، هو حرٌّ لوجهِ اللهِ–تعالى-" فقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَّ-: "أما إنَّك لو لم تفعل لَلَفَحَتْك النار، لمسَّتك النارُ"، قال-تعالى-: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ".

                                الخطبة الثانية

                                     أما بعد: فكما للعاملِ حقوقٌ نصَّ عليها الشرعُ والنظامُ، فكذلك عليه واجباتٌ، وكما أنه يـَحْرُمُ بخسُه وظلمُه، فيَحْرُمُ عليهِ أنْ يضرَ صاحبَ العملِ أو يظلمَه، أو لا يفي بمقتضى العقدِ والعهدِ.

                                     أخي الوافد: تحيزٌ وأنانيةٌ أنْ تطلبَ ما لَكَ وتنسى ما عليك، تقصيرُك في الإنجازِ، وتهاونُك في الإتقانِ، وتفريطُك في ساعاتِ العملِ مخالفةٌ وانتهاكٌ لعقدِ العملِ، وإضرارٌ بمن تستلمُ منه راتبَك، فما جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانُ.

                                     أخي الوافد: عملُك مقصورٌ على صاحبِ العملِ، فعملُك عندَ غيرِه من غيرِ إذنِه ورضاه مخالفةٌ للنظامِ، وإضرارٌ بصاحبِ العملِ.

                                     وبعدُ: فإذا حُفظتْ حقوقُ العاملِ، مع التعاملِ الحسنِ معه، تآلفتِ النفوسُ، وظهرَ الإخلاصُ والجِدُ، واستمرَ النجاحُ والعطاء.

                                     أما إذا ضاعتِ الحقوقُ، وضُيعتِ الواجباتُ فهي شرارةُ الظلمِ، وبدايةُ القهرِ، فلا تنتظرْ إلا تنافرَ النفوسِ، وانعدامَ البركةِ، والخسارةَ في الدنيا قبلَ الآخرةِ، والإسلامُ جاءَ بما فيه مصلحةُ الناسِ، والأنظمةُ التي لا تـُخالفُ الشرعَ، وتُنَظِّمُ العملَ، وترعى الحقوقَ، وتُذَكِّرُ بالواجباتِ فيها مصلحةٌ ظاهرةٌ، والوفاءُ بها من الواجباتِ اللازمةِ التي يشتركُ الجميعُ في المحافظةِ عليها وتطبيقِها والعملِ بها.

                                اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.

                                المرفقات

                                للعامل-وما-عليه-5-2-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-ال

                                للعامل-وما-عليه-5-2-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-ال-2

                                المشاهدات 948 | التعليقات 0