ما للديون وما عليها؟ -2-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/11/01 - 2024/05/09 11:45AM

ما للديون وما عليها؟ -2-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

باتَ يتقلَّبُ على فراشِه طَوَالَ اللَّيلِ، قد علاهُ الهمُّ، وكساهُ الغمُّ، جَليسُهُ القَلَقُ، وأَنيسُهُ الأَرقُ، حاصرتْه الأفكارُ، فهو مكتئبٌ حيرانُ، وأما في النَّهارِ، فهو على صفيحٍ من نارٍ، إذا خرجَ من بيتِهِ، التَحَفَ الهوانَ، وارتدى ثوبَ الذُّلِّ، يُخيفُه الهواءُ والأصواتُ والظِّلُّ، يشعرُ أنَّ عليه من النَّاسِ رقيبٌ، وشبحُهم عن خَيالِه لا يغيبُ، وإذا جلسَ في البيتِ فهو وَجِلٌ مرتابٌ، ذِهنُه سَارحٌ وعينُه على البَابِ، قد اعتزلَ النَّاسَ والأقاربَ والأحبابَ، إذا وعدَ أخلفَ، وإذا حدَّثَ فهو كَذَّابٌ، لعلكم عرفتموه، إنه صاحبُ الدَّينِ، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ: "الدَّيْنُ هَمٌّ باللَّيلِ، ومَذَلَّةٌ بالنَّهارِ"، ما بينَ حاجاتٍ ونفقاتٍ وفواتيرَ وطلباتٍ، وما بينَ غريمٍ مُتَربِّصٍ في جميعِ الأوقاتِ، لسانُ حالِهِ يقولُ:

أَلاَ لَيْتَ النَّـهَارَ يَعُــودُ لَيْـلًا*فَــإِنَّ الصُّبْـحَ يَــأْتِي بالهُـمُومِ
حَوَائِـجُ مَــا نُـطِيقُ لَهَا قَضَاءً*وَلَا دَفْـعًا وَرَوْعَــاتُ الغَرِيــمِ

لقد نصحَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أمتَه حينَ قالَ لها: "لا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قال: الدَّينُ"، ولذلكَ كانَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-كثيرًا ما يتعوذُّ من الدَّينِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ-شِدَّتُه وغلبَتُه وثِقلُهُ-وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".

وأخبرَ عن أثرِ الدَّينِ على إيمانِ الرِّجالِ، فقدْ كانَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ‏ فيقولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ،‏ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ-الدَّيْنِ-؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ".

يا عبدَ اللهِ، اعلم أنكَ ستبقى حَميمًا كَريمًا، حَبيبًا صَحيبًا، صَديقًا عَريقًا، مُحترمًا مُكَرَّمًا، مَا دُمتَ غَنيًا مستغنيًا عَمَّا في أَيدي النَّاسِ، وصدقَ القائلُ: "من اِحتجتَ إليهِ، هُنتَ عليهِ"، واعلم أن الدَّينَ رِقٌّ-عُبودِيةٌ-تَأسرُ بهِ نفسَك، وغِلٌّ يُوضعُ في عُنِقَكَ، وقَيدٌ تُربطُ به يدُكَ ورِجلُكَ، فانظرْ إلى من تملِّكُه أَمرَكَ، فإذا احتجتَ دَيْنًا فاخترْ من هو كريمٌ غيرُ مَنَّانٍ، يحتسبُ الأجرَ من اللهِ الملكِ الدَّيانِ، وتعجَّلْ يَا عبدَ اللهِ السَّدادَ، فإنَّ الدَّينَ لا يَسقطُ بينَ العِبادِ، ولو كُنتَ شهيدًا في الجِهادِ، فَقَد "سَأَلَ رَجلٌ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ-عَلَيْهِ السَّلَام-قَالَ لِي ذَلِكَ".

وأما يومُ القيامةِ فلا دُخولَ للجنَّةِ ولا نَجاءَ، حتى تُسدَّدَ الحُقوقُ للغُرماءِ، صَلَّى النَّبِيُّ الْفَجْرَ فَقَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "هَاهُنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَحَدٌ؟ هَاهُنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَحَدٌ؟ هَاهُنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَحَدٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَحْبُوسٌ عَنِ الْجَنَّةِ بِدَيْنِهِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَافْدُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَأَسْلِمُوهُ-اِتْرُكُوهُ-".

يا من أُبتليَ بالدَّينِ، لا تنسَ فضلَ من أقرضَك عليكَ، أتذكرُ حينَ جئتَه مَدينًا حزينًا، حسيرًا كسيرًا، مهمومًا مغمومًا، قد تَنَكَّسَ رأسُكَ، وخَشعَ صوتُكَ، وانْـخَفضَ بَصرُكَ، تشكو إليه الحالَ، وتسألُه بعضَ المالَ، وتَعدِهُ بسُرعةِ الوَفاء، وتُشهدُ على ذلكَ مَنْ في السَّماءِ، ومن صدقتْ نيَّتُه، فعلى اللهِ إعانتُه، قالَ الرسولُ-عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ أخَذَ أمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أدَاءَهَا أدَّى اللهُ عنهُ، ومَنْ أخَذَها يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللهُ"، فعجِّلْ في سدادِ الدَّينِ، قبلَ أن ينقطعَ حبلُ المُحبينَ:

بَنُو عَمِّنَا أَدُّوا الدَّرَاهِمَ إِنَّمَـا*

                       يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّـاسِ حُـبُّ الدَّرَاهِمِ

اعتذر له عن التَّاخيرِ، وابعثْ إليه بالمعاذيرِ، أجِبْ على الاتصالاتِ، وأعطِه ما تيَّسرَ من الرِّيالاتِ، وإيَّاكَ ونيَّةَ السُّوءِ والخِداعِ والنِّفاقِ، فَتُحْشَرَ يومُ القيامةِ مع السُّرَّاقِ! قالَ الرسولُ-عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقٍ، وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُؤَدِّيَهُ فَهُوَ زَانٍ، وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا، وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ سَارِقٌ".

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فإليكَ يا صاحبَ اليدِّ العُليا، يا من أعطيتَ وما بخِلتَ، ويا من يسَّرتَ وما عسَّرتَ، ويا من للحاجاتِ قضيتَ، ويا من للكُرَبِ نفَّستَ، أبشرْ فإنَّ الجزاءِ من جنسِ العملِ، قالَ الرسولُ-عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".

وإذا رأيتَ من أخيكَ عُسرًا فَأَنْظِرْهُ-أَخِّرْهُ-إلى أن يجدَ شيئًا كما أمرَك اللهُ-تعالى-بهذا: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)، واسمعْ لأثرِ أجرِ إنظارِ المعسرِ على أصحابِ-رسولِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هذا أَبُو قَتَادَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-طَلَبَ غَرِيمًا له، فَتَوَارَى عنْه، ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقالَ: إنِّي مُعْسِرٌ، فَقالَ: آللَّهِ؟ قالَ: اللَّهِ قالَ: فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يقولُ: "مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عنْه".

وإذا كانَ رَجلٌ لم يعملْ خيرًا قطُ قالَ لربِّه: لا أعلمُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، إلا أني كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: تَجَوَّزُوا عَنْهُ، فكيفَ بكَ إذا فعلتَها وأنتَ قدْ جئتَ بالحسناتِ والباقياتِ الصَّالحاتِ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ فرجْ همَّ المهمومينَ، ونفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدينَ عن المدينينَ.

اللَّهُمَّ اجعلْ لنا وللمسلمينَ من كل همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ بلاءٍ عافيةً، ومن كلِّ مرضٍ شفاءً، ومن كلِّ دَينٍ وفاءً، ومن كلِّ حاجةٍ قضاءً، ومن كلِّ ذنبٍ مغفرةً ورحمةً.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1715244335_ما للديون وما عليها؟ -2-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1715244336_ما للديون وما عليها؟ -2-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 656 | التعليقات 0