ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا - حرمة الغش والاحتكار
أبو المثنى
الحمد لله الذي شرع لنا الإسلام دينا وأنزل علينا الكتاب تبيانا أحمده سبحانه فهو العليم الحكيم وأشهد ألا إله إلا هو الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا. أما بعد
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن من تقوى الله أن نعبدَه بما شرع ، فنأتمر بما أمر وننتهى عما نهى ، على ما كان عليه فهم سلف الإمة فقد كانوا هم على الهدى.
وإن من أعظم الأمور خطرا العبثُ في مسائل التوحيد والتلبيسُ فيها ، والتوحيد لابد وأن يكون الحديث فيه حديثا واضحاً بيّنا لا لبس فيه ولا تلبيس فهو رأس مال المسلم.
وإن مما يجب على المسلم اعتقاده أن الإسلام الدينُ الحق وما سواه باطل ، وأن الله جل وعلا قد جعل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع قبله ، فكل دين سوى الإسلام كفر وعدوان " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " والله جل وعلا قد أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وتكفل بحفظه وجعله مهيمنا على الكتب قبله ، وما سوى القرآنِ من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل ليس هو كلام الله فقد حرفه اليهود والنصارى وبدلوه كفرا وعدوانا " وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " وقال الحق سبحانه " يحرفون الكلم عن مواضعه" وقال في شأن هيمنة القرآن " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" فالقرآن هو كلام الله الحق والذي لم يُبدل ولم يحرف وهو المهيمن على الكتب قبله. وعليه فكل فعل أو قول يجعل شريعة الإسلام مساوية لغيرها من الشرائع فهو ضلال مبين ، أو يجعل القرآن في منزلة مساوية للتوراة والإنجيل فهو إفك وفرية على رب العالمين ، ومن لم يؤمن بنبينا ويؤمن بكتابنا فهو من جثاء جهنم ومن وقودها خالدا مخلدا فيها ، فقد أعذر النبي وأنذر حين قال قولا فصلا وأقسم عليه وحذر " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمةِ يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
وإبراهيم خليل الله ، نحن أحق به ، فما كان يهوديا ولا نصرانيا كما قال الحق سبحانه: " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" فنحن أحق بإبراهيم عليه السلام وقد أكرمه الله ببناء الكعبة ، والكعبة قبلتنا نحن معاشر المسلمين.
وإن مما يلفت انتباه قارئ القرآن أنه يمر بآيات كثيرة بيّن الله فيها ضلال اليهود والنصارى بل يقرأ المسلم في صلاته كل يوم " اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" مع أن ضلال اليهود والنصارى واضح بيّن ، وذلك لأنه قد سبق في علم الله أن من المسلمين من سيتّبع اليهود والنصارى حتى لو دخلوا جحر ضب دخلوه.
فالله الله أيها المسلمون بالحفاظ على مسائل التوحيد ومبانيه ، فتمسكوا بما في كتاب الله وسنة رسوله على فهم سلف الأمة ، وأكثروا من حمد الله سبحانه وتعالى فقد كان في هذه الجزيرة بدع وشركيات وأغلاط في التوحيد فأنقذها الله بإمامين تناصرا على دعوة التوحيد على فهم سلف الأمة فُنصروا ، فتمسكوا بالأمر العتيق ، ولا تُحدثوا فإن الحدث في مسائل التوحيد باطل وشره مستطير ، وتأملوا في كتاب الله لتعقلوا أن الله جل وعلا قد ذم اليهود والنصارى وما هم عليه ، وبين ضلالهم وضلال من ركن إليهم وابتغى رضاهم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من مضلات الفتن ولا تفتنا في ديننا ، وأستغفر الله لي ولكم إن ربي رحيم ودود.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله ومن اقتدى أما بعد
فاتقوا الله أيها المؤمنون ، وحافظوا على توحيدكم ، فإنه رأس مالكم
واعلموا رحمكم الله أنا معاشر الخطباء قد وجهنا للحديث عن خطر الغش وحرمته وتحريم الاحتكار والتلاعب في البيع والشراء ، وهذا لعمر الله خسران مبين ، فإن الإنسان في هذه الدنيا له أفعال بينه وبين ربه أو بينه وبين الناس ، فمن ظلم نفسه فيما بينه وبين ربه ، فهو موعود بالتوبة ما لم يقع في الشرك ، فإن أصاب ما يكفر ذنبه غفر الله له ، وأما من ظلم أحدا من الخلق فهو مطالب برد مظلمته في الدنيا أو إباحته فإن لم يكن ، فإن الجزاء بحسنات وسيئات.
ومما يؤكد حرمة الغش في المعاملات ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»
ومما يحرم على التاجر أيضا احتكار السلع والإضرار بالناس ، فقد "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تَلَقَّى الرُّكْبَانُ" وقال في حديث آخر " "لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ" والأصل في معاملات الناس الحل والإباحة إلا ما كان فيه أحد ثلاثة أمور وهي الغرر و الربا والظلم فأي معاملة في البيع والشراء فيها غرر محرم أو فيها ظلم لأحد أطراف العقد أو فيها ربا فهي معاملة محرمة.
وعلى العباد أن يتسامحوا في معاملاتهم فقد دعا نبي الله لمن كان سمحا فقال: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى"
وعلى الأفراد والشركات التجارية أن تلتزم بالأنظمةِ المشروعة واللوائح والعقود ، فإنها ما وُجدت إلا للمصلحة وضبط التصرفات ، والبعدِ عن التستر التجاري فقد ثبت ضرره وهو جريمةٌ يعاقب عليها النظام. فعليكم في معاملاتكم بالصدق والنصح للمسلمين فرزق قليل حلال ، خير من كثير حرام. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجزهم على ما يبذلون للإسلام والمسلمين خيرا ، اللهم أيدهم على الحق واجعل لهم نصيرا وظهيرا ، اللهم أعل بهم سنتك واحفظ بهم توحيدك يا رب العالمين
اللهم ارحم موتانا وعاف مبتلانا واشف مريضنا ورد غائبنا وفك أسيرنا واهد ضالنا برحمتك يا أرحم الراحمين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد