ما فعل بنا عصر الرّكود و الجمود ؟..
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1434/08/24 - 2013/07/03 23:21PM
[font="] ما فعل بنا عصر الرّكود و الجمود ؟[/font]..
مرّت على المسلمين قرون طويلة، وأحقاب عديدة، وهم بخير إخوة متحابون متعاونون، يؤدّون فرض الصيام وسنّة " صلاة التراويح " في رمضان، وبينهم الألفة و المحبّة و الوفاق.. يجمعهم الإسلام في إطاره الواسع، و تعاليمه السمحة، و مبادئه الرّشيدة.. لا شيءًَ يكدّر صفوهم، أو يشتّت شملهم، لا في رمضان و لا في غير رمضان، لأنّ القرآن و طاعة الرحمن، كان الشغل الشاغل لهم..
ثم جاء هذا العصر – عصر الجمود الفكريّ و الركود العلميّ – فلم يجد المسلمون لأنفسهم شيئا يدعو إلى العناية و الاهتمام، إلاّ الاشتغال بـ " الفروع الجزئية " و ترك " الأمور الكليّة " التي كان ينبغي عليهم أن يولوها أكبر قسط من العناية و الاهتمام..
و دبّ الخلاف و النّزاع بينهم بسبب تلك الفروع، ممّا أصبح عنوانا ظاهرا على تخلّف المسلمين، و تأخّرهم عن مسايرة ركب الحضارة الإنسانية، بعد أن كانوا هم روّادها و قادتها..
و العجب أنّ من يحمل هذا الوزر– وزر الانحراف عن منهج الإسلام السويّ – ليسوا هم " العامّة " بل " الخاصّة " الذين تصدّروا لزعامة الأمّة، و هم ممّن ينتسب إلى العلم، و يدّعي أنّه يريد إحياء سنّة " السلف الصّالح "، ويزعم أنّه وصل إلى درجة من العبقرية والنّبوغ، لم يصل إليها كثير من علماء العصر.. بل ويأخذ بعضهم الغرور أحيانا، حتّى يُخيّل إليه أنّه بلغ درجة " الأئمّة المجتهدين " ثم يأتي بآراءٍ غريبة وأمورٍ عجيبة، تناقضُ ما ذهب إليه جمهور العلماء – سلفا و خلفا – لتفكيك جماعة المسلمين، و ما أحسن ما قال بعضهم:
يا علماء العصرِ يا ملحَ البلد
ما يُصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد
الدّين الذي يجمع القلوب، و يوحّد الصفوف، و يقوّي دعائم الأُخوّة الإسلامية، أصبح اليوم – بسبب الجهل و ركوب الأهواء – سببا للتناحر و التخاصم و التفرّق و النّزاع، و مدعاةً إلى تفكّك أواصر الأخوّة الإيمانية، التي ربطها الله تعالى برباط الدّين، مصداقا لقوله سبحانه: " إنَّما المؤمنونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ". ( سورة الحجرات الآية: 10 )، و يا لها من كارثة و فاجعة أليمة، تحلُّ بالمسلمين، بسبب التعصّب الأعمى للآراء.. و التقليد لشيوخ العصر، ممّن يحبّون الشهرة، فيزعمون أنّهم أهلٌ للاجتهاد، في هذا العصر المنكوب !!!
يؤجّجون نار العداوة و الفرقة بين المسلمين، و يثيرون الفتن لأمورٍ بسيطةٍ يسيرة، كأمر " حمل السبحة، و وضع اليدين في الصلاة، و صلاة التراويح، و تقبيل يد العالم، و القيام للضيف القادم، و ذكر الله في جماعة، و قول القارئ: صدق الله العظيم عند الانتهاء من التلاوة "، و أمثال ذلك من الأمور التي تحتاج إلى جدال و مناظرة، لأنّها أمورٌ بسيطة يسيرة في نظر الدّين، لا تعدو أن تكون محصورة بين دائرة " الفاضل و المفضول " من أحكام الحلال و الحرام..
أمور جزئية فرعية أثاروها و جعلوها في مكان الأصول الكبرى، التي يجب أن يهتمّ بها المسلمون، كأمور العقيدة، و وحدة الكلمة، و جمع الصفّ، في سبيل مكافحة الدّعوات الهدّامة، و الجمعيات التبشيرية، و النّزعات الإلحادية و الفساد الخلقي الذي استشرى بين شباب المسلمين و الفتيات.. و كأنّ المسلمين اليوم بحاجة إلى من يمزّقهم، و يشتّت شملهم، بعد أن مزّقهم عدوّهم المستعمر، فجعلهم شيعا و أحزابا، قال تبارك و تعالى: " كلّ حزْبٍ بما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ". ( سورة الرّوم الآية: 32 )..
و الأنكى من هذا، أنّ هذا التقاطع و التدابر، و التمزّق و التناحر، الذي عليه المسلمون اليوم، يبرز باسم " الغيرة على الدّين ".. باسم " إحياء السنّة " أحيانا و باسم السلف الصّالح طورا آخر، و السّلف منها بريء.. و ما درى هؤلاء، أنّ هذه مكيدة خبيثة، يدبّرها لهم أعداء الأمّة و معارضي عودتها إلى كتاب الله و سنّة رسوله، ليشغلوهم بالصغير عن الكبير، و بالفرع عن الأصل، و يجعلوا بأسهم بينهم شديدا، فتتمزّق كلمتهم و يتفرّق جمعهم، و الله تبارك و تعالى قد حذّرهم من ذلك في آياته البيّنات، فقال: " و اعتصموا بحبلِ اللهِ جميعا و لا تفَرَّقوا و اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عليكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فألَّفَ بينَ قُلُوبِكُمْ فأصبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ". ( سورة آل عمران الآية: 103 )، و قال سبحانه: " و لا تَكُونُوا كالذينَ تَفَرَّقُوا و اخْتَلَفُوا مِنْ بعدِ ما جاءَهُمُ البيِّناتُ و أولئِكَ لَهُمْ عذابٌ عظيمٌ ". ( سورة آل عمران الآية: 105 )
وما يضير هؤلاء المتسلّفين إن كان غرضهم خدمة الإسلام، أن يتركوا المسلمين يصلّون في رمضان ثمان ركعات أو عشرين، و أن يسبّحوا الله سبحانه باليد أو بالمسبحة، و أن يذكروا الله فرادى أو جماعة، و أن يكرّسوا جهودهم للوقوف في وجه الملاحدة، و الشيوعيين، بدل أن يجعلوا همّهم مقاومة المصلّين المتعبّدين!! و أن يذكروا قول المصطفى الهادي صلى الله عليه و سلم: " إنّ هذا الدّبن يُسْرٌ، و لَنْ يُشادَّ الدّينَ أَحَدٌ إلاّ غلبَهُ "، و قوله صلى الله عليه و سلم: " بشِّروا و لا تُنَفِّروا، و يَسِّرُوا و لا تعسِّرُوا ".
اللهمّ الهمنا رشدنا، و احفظنا من اتّباع الهوى، و جنّبنا مضلاّت الفتن ما ظهر منها و بطن، يا رب العالمين..
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
الإمام الخطيب
تونس
مرّت على المسلمين قرون طويلة، وأحقاب عديدة، وهم بخير إخوة متحابون متعاونون، يؤدّون فرض الصيام وسنّة " صلاة التراويح " في رمضان، وبينهم الألفة و المحبّة و الوفاق.. يجمعهم الإسلام في إطاره الواسع، و تعاليمه السمحة، و مبادئه الرّشيدة.. لا شيءًَ يكدّر صفوهم، أو يشتّت شملهم، لا في رمضان و لا في غير رمضان، لأنّ القرآن و طاعة الرحمن، كان الشغل الشاغل لهم..
ثم جاء هذا العصر – عصر الجمود الفكريّ و الركود العلميّ – فلم يجد المسلمون لأنفسهم شيئا يدعو إلى العناية و الاهتمام، إلاّ الاشتغال بـ " الفروع الجزئية " و ترك " الأمور الكليّة " التي كان ينبغي عليهم أن يولوها أكبر قسط من العناية و الاهتمام..
و دبّ الخلاف و النّزاع بينهم بسبب تلك الفروع، ممّا أصبح عنوانا ظاهرا على تخلّف المسلمين، و تأخّرهم عن مسايرة ركب الحضارة الإنسانية، بعد أن كانوا هم روّادها و قادتها..
و العجب أنّ من يحمل هذا الوزر– وزر الانحراف عن منهج الإسلام السويّ – ليسوا هم " العامّة " بل " الخاصّة " الذين تصدّروا لزعامة الأمّة، و هم ممّن ينتسب إلى العلم، و يدّعي أنّه يريد إحياء سنّة " السلف الصّالح "، ويزعم أنّه وصل إلى درجة من العبقرية والنّبوغ، لم يصل إليها كثير من علماء العصر.. بل ويأخذ بعضهم الغرور أحيانا، حتّى يُخيّل إليه أنّه بلغ درجة " الأئمّة المجتهدين " ثم يأتي بآراءٍ غريبة وأمورٍ عجيبة، تناقضُ ما ذهب إليه جمهور العلماء – سلفا و خلفا – لتفكيك جماعة المسلمين، و ما أحسن ما قال بعضهم:
يا علماء العصرِ يا ملحَ البلد
ما يُصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد
الدّين الذي يجمع القلوب، و يوحّد الصفوف، و يقوّي دعائم الأُخوّة الإسلامية، أصبح اليوم – بسبب الجهل و ركوب الأهواء – سببا للتناحر و التخاصم و التفرّق و النّزاع، و مدعاةً إلى تفكّك أواصر الأخوّة الإيمانية، التي ربطها الله تعالى برباط الدّين، مصداقا لقوله سبحانه: " إنَّما المؤمنونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ". ( سورة الحجرات الآية: 10 )، و يا لها من كارثة و فاجعة أليمة، تحلُّ بالمسلمين، بسبب التعصّب الأعمى للآراء.. و التقليد لشيوخ العصر، ممّن يحبّون الشهرة، فيزعمون أنّهم أهلٌ للاجتهاد، في هذا العصر المنكوب !!!
يؤجّجون نار العداوة و الفرقة بين المسلمين، و يثيرون الفتن لأمورٍ بسيطةٍ يسيرة، كأمر " حمل السبحة، و وضع اليدين في الصلاة، و صلاة التراويح، و تقبيل يد العالم، و القيام للضيف القادم، و ذكر الله في جماعة، و قول القارئ: صدق الله العظيم عند الانتهاء من التلاوة "، و أمثال ذلك من الأمور التي تحتاج إلى جدال و مناظرة، لأنّها أمورٌ بسيطة يسيرة في نظر الدّين، لا تعدو أن تكون محصورة بين دائرة " الفاضل و المفضول " من أحكام الحلال و الحرام..
أمور جزئية فرعية أثاروها و جعلوها في مكان الأصول الكبرى، التي يجب أن يهتمّ بها المسلمون، كأمور العقيدة، و وحدة الكلمة، و جمع الصفّ، في سبيل مكافحة الدّعوات الهدّامة، و الجمعيات التبشيرية، و النّزعات الإلحادية و الفساد الخلقي الذي استشرى بين شباب المسلمين و الفتيات.. و كأنّ المسلمين اليوم بحاجة إلى من يمزّقهم، و يشتّت شملهم، بعد أن مزّقهم عدوّهم المستعمر، فجعلهم شيعا و أحزابا، قال تبارك و تعالى: " كلّ حزْبٍ بما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ". ( سورة الرّوم الآية: 32 )..
و الأنكى من هذا، أنّ هذا التقاطع و التدابر، و التمزّق و التناحر، الذي عليه المسلمون اليوم، يبرز باسم " الغيرة على الدّين ".. باسم " إحياء السنّة " أحيانا و باسم السلف الصّالح طورا آخر، و السّلف منها بريء.. و ما درى هؤلاء، أنّ هذه مكيدة خبيثة، يدبّرها لهم أعداء الأمّة و معارضي عودتها إلى كتاب الله و سنّة رسوله، ليشغلوهم بالصغير عن الكبير، و بالفرع عن الأصل، و يجعلوا بأسهم بينهم شديدا، فتتمزّق كلمتهم و يتفرّق جمعهم، و الله تبارك و تعالى قد حذّرهم من ذلك في آياته البيّنات، فقال: " و اعتصموا بحبلِ اللهِ جميعا و لا تفَرَّقوا و اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عليكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فألَّفَ بينَ قُلُوبِكُمْ فأصبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ". ( سورة آل عمران الآية: 103 )، و قال سبحانه: " و لا تَكُونُوا كالذينَ تَفَرَّقُوا و اخْتَلَفُوا مِنْ بعدِ ما جاءَهُمُ البيِّناتُ و أولئِكَ لَهُمْ عذابٌ عظيمٌ ". ( سورة آل عمران الآية: 105 )
وما يضير هؤلاء المتسلّفين إن كان غرضهم خدمة الإسلام، أن يتركوا المسلمين يصلّون في رمضان ثمان ركعات أو عشرين، و أن يسبّحوا الله سبحانه باليد أو بالمسبحة، و أن يذكروا الله فرادى أو جماعة، و أن يكرّسوا جهودهم للوقوف في وجه الملاحدة، و الشيوعيين، بدل أن يجعلوا همّهم مقاومة المصلّين المتعبّدين!! و أن يذكروا قول المصطفى الهادي صلى الله عليه و سلم: " إنّ هذا الدّبن يُسْرٌ، و لَنْ يُشادَّ الدّينَ أَحَدٌ إلاّ غلبَهُ "، و قوله صلى الله عليه و سلم: " بشِّروا و لا تُنَفِّروا، و يَسِّرُوا و لا تعسِّرُوا ".
اللهمّ الهمنا رشدنا، و احفظنا من اتّباع الهوى، و جنّبنا مضلاّت الفتن ما ظهر منها و بطن، يا رب العالمين..
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
الإمام الخطيب
تونس
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
السلام عليكم يا شيخ محمد ومرحبا بك بعد انقطاع وجزيت خيرا ونفع الله بك على كتاباتك ومقالك
وما تطرقت إليه من واجب الاعتصام وضرورة توحد الأمة في مواجهة أعدائها هو موضوع في غاية الأهمية، وهذه الوحدة وهذا الاعتصام الضروري والحتمي لزاما أن يكون شرعيا أي اجتماع على الحق والهدى وإلا كان اجتماعا باطلا في مواجهة مثله.
وما استشهدت به من وجود من يهتم بفروع الشريعة على حساب وحدة المسلمين وتوحيد صفهم أو أن يعادي من أجل ذلك فهذه الشريحة توجد لكنهم قلة قليلة بإذن الله وهذا لا يحملنا ذلك ألا نهتم بها أو ننقص من شأنها أو نتركها أو نشمت بمن يدعو إليها ويحافظ عليها إذا كانت ضمن فقه الألويات والمهم والأهم.
وماذا يضير المسلم لو عمل بكل ذلك وهو المطلوب شرعا " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ..." وبهذا يكون المسلم قد نال المنى وحقق الكمال وكتب من السابقين بالخيرات.
وإنا نخاف أننا نشن هجوما وعتابا على من يقدمون المهم على الأهم أو الفروع على الأصول أو بعض من عتبت عليهم فنقع في نفس الإشكال وهو أننا نفرغ أنفسنا لنقد العلماء المجتهدين والعلماء الراسخين على اجتهاداتهم والتي تكون في نظر البعض خاطئة ونترك أعداءنا في كيدهم وجورهم وكأننا ما عملنا شيء وستكون القضية عالم يجتهد وقد يخطئ وفي المقابل منتقد متربص ونقع في نفس الإشكال.
أسأل الله تعالى أن يهلمنا رشدنا ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه.
خالص تحياتنا لكم
تعديل التعليق