ما زال في الشهر بقية
عبدالله حمود الحبيشي
1436/09/15 - 2015/07/02 10:51AM
عباد الله .. هذه نِعَمُ الله تتجدد بمرور أيام رمضان، وهذه آلاؤه تتوالى علينا بتوالي ليالي هذا الشهر الفضيل ، وكل يومٍ نعيشه من رمضان فهو نعمة وفضل من الله ، فمن عباد الله من أوقفه الأجل عن إكماله ، ومنهم من أوقفه المرض عن صيامه .. فاللهم لك الحمد على نعمك أن بلغتنا رمضان وأعنتنا على الصيام والقيام فأتمم لنا فضلك باكمال شهرنا ونحن بصحه وعافية وتقبله منها.
عباد الله .. إن استشعار هذه النعمة ومعرفتها يجدد النشاط في النفس ويبعث العزيمة للعمل والأجتهاد .. والوفاء بعهد الله أن نعبده ولا نشرك به شيئا .. نعبده في كل وقت وكل حين .. في كل الشهور لا في شهر دون آخر "قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ".
إنقضى أكثرُ من نصف الشهر الكريم، ونحن على مقربة من الثلث الأخير .. فلا بد من محاسبة كيف مضت الأيام؟ وكيف قضيناها؟.. ماذا عملنا وماذا حققنا؟ .
يشعر بعض المسلمين بنقص في العبادة ونوع من التثاقل والكسل وشيء من الفتور بعد انتصاف الشهر ، وسبب ذلك أن البعض ينشط في أول الشهر لما يلمسه من حلاوه الإيمان ، وطعم الطاعة والعبادة ، ثم تتحول شيء فشيئا إلى عادة ، وأعمال رتيبه في العشر الأواسط ، ونلحظ قلة المصليين مقارنة بأول الشهر ، وقلة القارئين لكتاب الله ، وتثاقلٌ عن الطاعات .. بعض الناس يعزم قبل دخول الشهر على الجد والأجتهاد في الصيام والقيام وقرآءة القران وغيرها من الطاعات ، ويدخل الشهر وكل يوم يقول غدا ، وبعد غد أبدأ ، فإذا مضى نصف الشهر أجلها إلى رمضان القادم ، وكأنه ضمن البقاء إلى ذلك العام ..
إن هذا كله لا شك من وساوس الشيطان ، ليصرف الناس عن الطاعة والعبادة ، ويحرمهم من الأجور والرحمات ، ويضيع عليهم الاستفادة من شهر الرحمة والمغفرة .
وحتى لا نقع في شيء من الفتور والكسل ، وحتى لا نخسر رمضان بالتأجيل والتسويف ، ما أحوجنا أن نجدد العزم والنشاط ، والجد والأجتهاد لنفوز في هذا الشهر بالمغفرة والرضوان :
إن من أهم الوسائل والأسباب المعينه على ذلك الحرص على تحقيق التعبد في الصيام باستحضار النية أثناء القيام به، وأن العبد يصوم لرب العالمين، والهدف من هذا الامتناع عن الملذات إرضاء رب العالمين "يَترُكُ طعامَهُ وشرابَهُ وشهوتَهُ منْ أجْلِي، الصيَامُ لي وأنا أجزِي بهِ" .
كما أن تذكر الأجرَ والثواب على الصيام ينشط الإنسان ، ويعين على العبادة فـ(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) أي فضل من الله؟ وأي كرم يعطيه الله لعبده؟ بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه ، وكلنا بحاجة للمغفرة .. ولكن شرط المغفرة مقرون بالأحتساب .. الاحتساب في جميع أيام الشهر، في أوله وفي وسطه وفي آخره، فالمحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم وبكل صوم، ويرجع دائماً إلى الله سبحانه وتعالى يطلب المغفرة.
ومن الأسباب المعينة على تجديد النشاط والاجتهاد التأمل في الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي يناله أهل الصيام (كل عمل ابن آدم له كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) .
الصيام يشفع لك يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، منعته الشهوات في النهار فشفّعني فيه.هكذا يقول الصيام يوم القيامة.
لا بد أن لا تغيب هذه الاحاديث عن أذهاننا، ونحن الآن أشرفنا على الثلث الأخير من شهر رمضان .
عباد الله .. إن معرفة فضائل الأوقات ومكانتها يعين العبد على استغلالها واستثمارها والاجتهاد فيها .. "إنَّ للهِ تبارك و تعالى عُتقاءَ في كلِّ يومٍ و ليلةٍ ( يعني في رمضانَ ) . و إنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ و ليلةٍ دعوةٌ مُستجابةٌ" هل استشعرنا أننا قد نكون من عتقاء الله في هذه الليلة .. وإذا انتهت قلنا لعلها لم تكن ، ولكنها هذه الليله .. حتى نستغل هذه المواسم ونبذل فيها ونجتهد فهي أيام قليلة .
عباد الله .. إن الخسارة في هذا ا لشهر ليست كأي خساره ولذا جاء التصريح من النبي عليه الصلاة والسلام واضحا ومباشرا فقال (ورغِم أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخ قبل أن يُغفَرَ له) ويقول عليه الصلاة والسلام (أتاني جبريلُ ، فقال : يا مُحمَّدُ ! مَن أدرك شهرَ رمضانَ فماتَ فلم يُغْفَرْ لهُ فأُدْخِلَ النَّارَ فأبعدَه اللهُ ، قُل : آمينَ ، فقلتُ : آمينَ) .
أيها الصائمون .. إن الاجتماع لقيام الليل وصلاة التروايح لم يشرع إلا في رمضان ، هذه عبادة جليلة ينبغي أن تعطى حقها .. هذا القيام لابد أن يقام بحقه، التبكير إلى المساجد وعدم تضييع صلاة العشاء في الجماعة الأولى، والفرض أهم من النفل.
والحرص على التدبر والتأمل في كتاب الله ، وما يقرأ من آيات في صلاة التروايح ، واستحضار القلب عند آيات الرحمة.. العذاب.. الثواب.. العقاب.. القصص.. الأمثال.. أهوال القيامة.. ذكر أسماء الله جل وعلا .. (من قام رمضانَ ، إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه) (إنه من قام مع الإمامِ ، حتى ينصرفَ ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ) .
عباد الله .. إن بين أيدينا وقت غالي وثمين يغفل عنه كثير من الناس ، إنه وقت الأسحار .. ذلك الوقت الذي يضيع بالنوم قبل رمضان ، وبالسهر في رمضان .. إن من أسباب دخول أهل الجنة الجنة والفوز بنعيمها "وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"
إنه وقت النزول الإلهي، في الثلث الأخير من الليل يقول عليه الصلاة والسلام (إذا مضى شَطرُ الَّليلِ ، أو ثُلُثاه ، ينزل اللهُ تبارك وتعالى إلى السماءِ الدنيا . فيقول : هل من سائلٍ يُعْطَى ! هل من داعٍ يُستجابُ له ! هل من مُستغْفِرٍ يُغفَرُ له ! حتى ينفجِرَ الصبحُ)
اللهم اجعلنا ممن عمر هذا الشهر بالعبادة، وارزقنا توبة نصوحاً، وعملاً متقبلاً، وصياماً مبروراً، وقياماً مشكوراً. اللهم إنا نبرأ إليك من تقصيرنا، اللهم إنا نسألك أن تتجاوز عما أسرفنا فيه من حق أنفسنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو ا لغفور الرحيم .
الخطبة الثانية ..
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله .. أطيعوا الله وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ .
يا من فرط فيما مضى من أيام هذا الشهر, و تساهل في استغلال أيامه ولياليه.. مازال في الشهر سعة, وما زال في العمر بقية, ولعلك لا تدرك رمضان بعد عامك هذا.
بقي في الشهر بقيه , بقيت العشر الأواخر, وبقيت ليلة القدر, ومن حرم خيرها فقد حرم.
الحق بركب الصالحين, وعد إلى مولاك الكريم, والزم عتبة العبودية, فإن رمضان فرصة لإصلاح النفس , وتهذيب الذات, وإصلاح ما قطعته من حبالٍ مع الله, وقد مضى أكثره .
عباد الله .. ما أحوجنا ونحن في أيام فاضلة ، وزمان مبارك أن نتقي الله ، ونسلك أنفسنا في سلك الخَيرِيَّةِ، ونلحق بِرَكبِ أَهلِ الخَيرِ، فمن السعادة لنا في الدنيا والنجاة لنا في الآخرة أن نكون من أهل الخير ، الدالين عليه ، العاملين به ، المتعاونين فيه ، وَلْتَكُنْ مِنَّا أُمَّةٌ تَدعُو إِلَيهِ؛ فَإِنَّهُ لا نَجَاةَ إِلاَّ لأَهلِ الخَيرِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً ".
لَقَد كَانَ مِن دُعَاءِ حَبِيبِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي عَلَّمَهُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- أَن تَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِني أَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لم أَعلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لم أَعلَمْ".
فالنلح على الله بالدعاء فإننا في شهر قبول الدعاء ، ولنسأله سبحانه أن يدلنا على سبل الخير الظاهرة والباطنة ، وَأَن يوفقنا لِعَاجِلِهِ وَآجِلِهِ . ومع الدعاء لا بد من بذل الأسباب والتي تعين عليه والمبادرة للخير دون تكاسل أو تردد ، فما على المرأ إلا أن يتوكل على الله ويبدأ بالخطوة الأولى في أَيِّ طَرِيقٍ مِن طُرُقِ الخَيرِ وَيُعَوِّدَ نَفسَهُ إِيَّاهُ شَيئًا فَشَيئًا؛ لِيَجِدَ نَفسَهُ بَعدَ ذَلِكَ وَقَد صَارَ الخَيرُ جُزءًا مِن حَيَاتِهِ .
قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنما العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنما الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ، وَمَن يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ".
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " الخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ و من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".
نسأل الله أن يرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب الخير وأهله