مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا

الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجزِ لفظ وأعجزِ أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء. أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلمُ الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرًا. إخوة الإيمان والعقيدة ... سيبقى كلام الله ملاذنا، وسيبقى القرآن قبلتنا، وسيبقى مقصود القرآن هدايتنا ونفعنا؛ الأهم أن ننتفع بما نقرأ، أن ننتفع بما نحفظ من كلام ربنا سبحانه. سورتان نحفظهما جميعًا، لكن نريد مقصودهما، تعلُّم معانيهما، الانتفاع بهما، ماذا قال رسولنا ﷺ حينما نزلت تلك السورتان؟! وكيف استقبلهما ﷺ، قال رسول الله ﷺ (أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ!! ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[) والمقصودُ الكلامُ على هاتينِ السُّورتينِ، وبيانِ عظيمِ مَنْفَعَتِهِمَا، وشدَّةِ الحاجةِ بل الضَّرورةِ إليهما، وأنه لا يَستغني عنهما أَحَدٌ قطّ، وأنَّ لَهما تأثيرًا خاصًّا في دَفْعِ السِّحرِ والعَيْنِ وسائر الشُّرورِ، وأنَّ حاجةَ العبدِ إلى الاستعاذةِ بهاتينِ السُّورتينِ، أعظم مِن حاجتهِ إلى النَّفَسِ والطَّعَامِ والشَّرابِ واللِّباسِ. عباد الله .. سُورتانِ لَمْ يَتعوَّذ بمثلِهِما مُتعوِّذٌ، وكان رسول الله ﷺ يَتعوَّذ بهما عندَ وُقوع الرِّيح والظُّلمة، عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ قالَ: بَيْنَا أَنا أَسِيرُ معَ رسولِ اللهِ ﷺ بينَ الْجُحْفَةِ والأَبْوَاءِ، ‌إذْ ‌غَشِيَتْنا ‌رِيحٌ ‌وظُلْمَةٌ ‌شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رسولُ اللهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ بِـ ]أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ ويَقُولُ (يا عُقْبَةُ، تَعَوَّذْ بهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا) قالَ عقبة: وسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنا بهِمَا في الصَّلاةِ. سُورتانِ .. أَمَرَ ﷺ بقراءتهما بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ t قال: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ أَقْرَأَ ‌بالْمُعَوِّذَتَيْنِ ‌في ‌دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ. سُورتانِ .. كانَ ﷺ إذا أَوَى إلى فِرَاشِهِ كُلَّ ليلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثمَّ نَفَثَ فيهِمَا فَقَرَأَ فيهِمَا ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ ثُمَّ يَمْسَحُ بهِمَا ما اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِمَا على رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. سُورتانِ .. أَمَرَ ﷺ بقراءتهما عند النومِ وعند الاستيقاظ، قال ﷺ (يا عُقْبَةَ بنَ عامرٍ؟ اقْرَأْ بهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وقُمْتَ). سُورتانِ .. كانَ السَّلَفُ مِنَ الصحابةِ والتابعين يُعلِّمون أولادهم، إذا أَوَوا إلى فُرُشِهِمْ أَنْ يَقْرَأُوا الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وكانوا يَستحبُّونَ أنْ يَقْرَأُوا هؤلاءِ السُّوَرِ في كُلِّ ليلةٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ والْمُعوِّذتينِ. سُورتان .. تكفي قارئهما في الصباحِ والْمَسَاءِ كُلَّ شيءٍ، قال ﷺ لعبدِ اللهِ بنِ خُبيبٍ (قُلْ: ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ والْمُعَوِّذَتَيْنِ حينَ تُمْسي وتُصْبحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، تكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي: أنَّ تِلاوَةَ هذهِ السُّورِ عندَ الْمَسَاءِ وعندَ الصَّباحِ تَكْفي التالي مِنْ كُلِّ شيءٍ يَخْشَى منهُ كائنًا ما كَانَ. سُورتان .. ما سَأَلَ ‌سَائلٌ ‌بِمِثْلِهِما، ولا استعاذَ مُستعيذٌ بمِثْلِهِما، كما قال ﷺ. قال الشيخُ ابنُ بازٍ رحمه الله: فالنَّصيحةُ لكُلِّ مُسْلِمٍ وكُلِّ مُسلمةٍ أنْ يَقَرأَ هذهِ السُّور الثلاث: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، والْمُعَوذتينِ، صَبَاحًا ومَسَاءً وعندَ النومِ، وفيها الكفايةُ والخيرُ العظيم، تكفيهِ مِنْ شَرِّ السِّحْرِ وغيرهِ، وأنْ يكونَ مُؤْمنًا صَادقًا مُصدِّقًا بما قالَهُ اللهُ ورسولُهُ ﷺ. أسأل الله أن يقينا شر أنفسنا وشر الشيطان وشركه. أقول ما تسمعون ....   الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... في الْمُعَوِّذَتَيْنِ سورة ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ الاسْتِعَاذَةُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فإنَّ الاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ تَعُمُّ كُلَّ شَرٍّ يُسْتَعَاذُ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ في الأَجْسَامِ أَوِ الأَرْوَاحِ، والاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ الْغَاسِقِ -وهُوَ اللَّيْلُ وآيَتِهِ- وهُوَ الْقَمَرُ إِذا غَابَ -تَتَضَمَّنُ الاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ ما يَنْتَشِرُ فيهِ مِنَ الأَرْوَاحِ الْخَبيثَةِ الَّتِي كانَ نُورُ النَّهَارِ يَحُولُ بَيْنَهَا وبَيْنَ الانْتِشَارِ، فَلَمَّا أَظْلَمَ عَلَيْهَا اللَّيْلُ وغَابَ الْقَمَرُ انْتَشَرَتْ وَعَاثَتْ، والاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ في الْعُقَدِ يَتَضَمَّنُ الاسْتِعَاذَةَ ‌مِنْ ‌شَرِّ ‌السَّوَاحِرِ وسِحْرِهِنَّ، والاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ يَتَضَمَّنُ الاسْتِعَاذَةَ مِنَ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ الْمُؤْذِيَةِ بِحَسَدِهَا ونَظَرِهَا، والسُّورَةُ الثَّانِيَةُ تَتَضَمَّنُ الاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والْجِنِّ، فَقَدْ جَمَعَتِ السُّورَتَانِ الاسْتِعَاذَةَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ. ولَهُمَا شَأْنٌ عَظِيمٌ في الاحْتِرَاسِ والتَّحَصُّنِ مِنَ الشُّرُورِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، ولِهَذَا أَوْصَى ﷺ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ بقِرَاءَتِهِمَا عقيبَ كُلِّ صَلاةٍ، وفي هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ في اسْتِدْفَاعِ الشُّرُورِ مِنَ الصَّلاةِ إلى الصَّلاةِ، وَقَالَ ﷺ (مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا). اللهم يا حي يا قيوم، أَحْيِنَا فِي عَافِيَةٍ، وَأَمِتْنَا فِي عَافِيَةٍ، اللهم وَاكْفِنَا الشُّرور والآثام، وقِنا الفتن والأسقام. اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك أن يحضرون ، اللهم إنا نعوذ بك يا سميع يا عليم من الشيطان الرجيم ومن وسوسته وتخذيله وتهويله. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم أنصارًا لدينك، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات

1673595089_مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا.pdf

1673595102_مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا.docx

المشاهدات 568 | التعليقات 0