ما أصعبه من شعور !
سامي بن محمد العمر
1441/10/19 - 2020/06/11 19:39PM
ما أصعبه من شعور !
(وباء كورونا)
أما بعد:
فما أصعبه من شعور حين يجتمع الفرح والتخوف، والإقدام والتوقف، والقلق والتلهف.
ما أصعبه من شعور... حين يطير القلب شوقاً - بعد طول حرمان - إلى رياض المساجد، ولكنه مأمور فيها بالتحرز والتباعد.
ما أصعبه من شعور... حين أمكن للمُتيَّم المحروم - بعد طول انقطاع - زيارةُ أمه وأبيه، وهو يخشى على الواحد منهما أن يضره بعدوى تؤذيه، ووباء يفنيه.
ما أصعبه من شعور... حين خالطت نشوة الفرح بالعيد وجميلِ الثياب؛ مرارةَ البعد عن الأقارب والأصحاب والأحباب.
ما أصعبه وما أصعبه..
ولكنها حكمة الحكيم الذي لَطَف حين قدّر، وأحكم حين أمر، وقد أنذر من قبلُ فأعذر، وأخبر بالداء والبلاء، وأرشد للدواء والشفاء..
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 49]
فهذا الذي ترون: ببعض ذنوبهم؛ فكيف لو أخذهم الله بها جميعاً:
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45]
والناس في أوقات المحن والبلاء بين لاهٍ ومعتبر، وغافل ومتذكر، وإنما الحظوة دوماً لأهل الخشية: الذين جمعوا بين قلب يتأثر وعقل يتدبر..
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات: 26]
وإن حقيقة البلاء ليست في ألم الأبدان وفقد الخلان، ولكنها في مواقعة الذنوب، ومقارفة العيوب، وكما قال ابن القيم رحمه الله: "فأهل البلاء هم أهل المعصية وإن عوفيت أبدانهم، وأهل العافية هم أهل الطاعة وإن مرضت أبدانهم"( ).
فيا عبد الله:
ما ابتلاك الله إلا ليمتحن صبرك، ويسمع تضرعك ويختبر خوفك، فهل وَعَينا الدرس أم ما زال فينا من يستعجل بتماديه صنوف العذاب، فهو كالبعير إذا رُبط فلم يدر لم ربط، ثم أُطلق فلم يدر لم أُطلق؟
{ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} [المؤمنون: 76]
{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } [الأنعام: 4]
فالله تعالى يذكرنا لننتبه، ويستعتبنا لننتهي، ويبتلينا لنتوب ونرجع
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 57 - 59]
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية
أما بعد:
وحتى يُكتب السطر الأخير من هذه المحنة، وتُطوى بعون الله هذه الصفحة..
وحتى نقول:
وداعاً يا أشدَّ النازلاتِ وأهلاً بالسعود المقبلاتِ
كفانا العام أنا منك صرنا حديثاً يملأ الدنيا عظاتِ
حتى يتم ذلك فلا بد مع الأوبة والتوبة، والاستكانة والتضرع، والرضا والتوكل، أن نأخذ بأسباب البقاء، وسبل العافية من البلاء، وأن نلتزمَ بتطبيق الأنظمةِ الوِقَائِيَّة، والإجراءات الاحترازية، سائلين الله أن يُسلّمنا من هذه المهلكة، وشاكرين فضله أن كُنّا من أبناء هذه المملكة.
فالشكر لله أولاً وأخيراً ثم لولاة الأمر ورجال الصحة والأمن ولكل مواطن ومقيم في كل ميدان يهدف لحماية الناس والحفاظ على أرواحهم
يا ربُّ يا هادي النبيِّ المجتبى اِغمدْ عنِ الإسلامِ أسيافَ الوبا
يا ربُّ لا يُشْكَى أليمُ عذابِهِ إلاّ إليكَ فقدْ أخافَ وأرعَبَا
يا ربُّ لطفاً بالعبادِ فما لهم ربٌّ سواكَ يقيهمُ المستعصَبا
يــا ربُّ إنّـا نـسـتـقـيـلُكَ حـادثـاً أدهـى مـنَ المرضِ الثقيلِ وأصعبا
أنْ ترفعَ الطاعونَ عنّا عاجلاً وتجيرَنا مِنْ شرِّهِ وتجنِّبا
وتعيدَ ما عودتنا مِنْ نعمةٍ عودتَنا منكَ الكثيرَ الطيِّبا
اللهم ادفع عن بلدنا وبلاد المسلمين الوباء والغلاء والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهمَّ إنا نعوذ بك من جَهْدِ البلاء، ودَرَكِ الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
اللهمَّ إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّلِ عافيتك، وفجاءةِ نِقْمتِك، وجميعِ سَخَطِك.
اللهم احفظنا من كل سوء ومكروه...