ما أجمل المطر...

عبد الله العلي
1442/04/19 - 2020/12/04 16:38PM

الحمد لله العزيز العلام، ذي الفضل والإكرام، والجود والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدٌ لله ورسولٌ إلى الأنامَ، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى والأحلام.

أما بعد، فاتقوا الله أيها الكرام، وراقبوه على الدوام، فهو سبحانه لا يغفل ولا ينامَ.

يا مُنْزِلَ الغيثِ بعدما قنَطوا *** ويا وليَّ النَّعماءِ والمِنَنِ

يَكونُ ما شئتَ أن يَكون، وَما *** قدَّرتَ ألاَّ يكُونَ لمْ يَكُنِ

مَعَشِرَ الْكِرَامِ: خُطْبَةُ الْيَوْمِ قَدْ فَرَضَتْ نَفْسَهَا، تُؤَجَّلُ لأَجْلِهَا كُلُّ الْمَوَاضِيعِ.

نعمٌ غزارٌ وغيثٌ مدرارٌ وربٌ رحيم كريمٌ غفارٌ

﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾

أَرْسَلَ اللَّهُ لَنَا السَّحَابَ فَتَكَاثَفَ وَتَرَاكَمَ، وَأَرْسَلَ الرِّياحَ اللَّواقِحَ لِيَجْمَعَ السَّحَابَ بِالسَّحَابِ، وَيَأْذَنَ بِالْغَيْثِ الْعَمِيمِ؛ يَقُولُ سبحانه: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾.

حَمَلَتِ الرِّياحُ السُّحُبَ، حَلَّتْ فَوْقَ أرْضِنَا بِرَعْدِهَا وَبَرْقِهَا وَبَرَدِهَا، وَأَنْزَلَ اللهُ غيثَه الَّذِي انتظرناه بِشَوْقٍ وَلَهَفٍ.

غَيْثٌ قَدْ جَبَلَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ عَلَى الْفَرَحِ بِهِ، وَالاسْتِمْتَاعِ بِمُشَاهَدَةِ هُطُولِهِ وَجَرَيَانِهِ، وَاسْتِنْشَاقِ رِيحِهِ وعَبَقِه.

﴿فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾

مطرٌ يُهادينا الحياةَ فترتوي * أرواحُنا قبلَ ارتواءِ الأوديَةْ

ما ساقَها الرحمنُ إلا وصفةً * طبّيةً لجراحِنا المستعصيَةْ

عباد الله:

تأمَّلوا عظَمةَ المولى في هذا المطِر: قَطَرَاتٌ مُفَصَّلَةٌ لا تَخْتَلِطُ قَطْرَةٌ مِنْهَا بِأُخْرَى، وَلا يَتَقَدَّمُ مُتَأَخِّرُهَا، وَلا يَتَأَخَّرُ مُتَقَدِّمُهَا، وَلا تُدْرِكُ الْقَطْرَةُ صَاحِبَتَهَا فَتَمْزَجُ بِهَا، بَلْ تَنْزِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي الطَّرِيقِ الذِي رُسِمَ لَهَا لا تَعْدِلُ عَنْهُ حَتَّى تُصِيبَ الأَرْضَ قَطْرَةً قَطْرَةً، قَدْ عُيِّنَتْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْهَا لَجُزْءِ مِنَ الأَرْضَ لا تَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ، بقدَرٍ معلومٍ ومكيالٍ دقيقٍ لا تزود قطرةٌ ولا تنقُص.

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾

معشر الكرام:

لا صورةَ أجملَ في الدنيا من صورةِ انهمارِ الغيثِ بعد طولِ انقطاعِ، ولا منظرَ أبهى من سيولٍ تتدفقُ عبر الصحاري والفيافي الجدباء، فتطربُ لها الأرضُ العطشى، وتهتزُ وتربو وتُنبِتُ وتنبعِثُ فيها الحياة، لترسُمَ لوحةً شاهدةً على قدرةِ العظيمِ الجليلِ، القادرِ على إحياءِ الأجسادِ بعد الفناءِ... ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾

معشر الكرام:

وكما أن المطرَ رحمةٌ وحياةٌ، لا ينزِله إلا الله، ولا يقدِر على الإتيانِ بهِ إلا هو..

فإنه كذلك قد يكونُ أذىً ومشقةً وعناءً، لا يرفعُه إلى القدير، ولا يمسِكِه إلا اللطيفُ سبحانه.

فالمطرُ قطراتٌ من ماءٍ إذا زادت أغرَقت وجرفت وفتكت ودمرت، وهذا صنعُ الله وقدرتُه في الماءِ الذي هو أيسرُ الأشياءِ، فما الظنُّ بما هو أعظم منه؟!

فاللهم اجعلنا ممن يعتبرونَ بالآيات ويتعظونَ بالعظات اللهم صل على محمد.

 الخطبة الثانية:

الحمد لله اللطيف الخبير، والصلاة والسلام على السراج المنير، وبعد يا كرام:

فإنَّ المطرَ النافعَ المباركَ، هو الذي تُنْبِتَ معه الأرضُ، قال ﷺ: «لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا». رواه مسلم. والسنة: هي القحطُ والجدبُ. فنسأل الله أن يجعله غيثًا مباركًا.. فقد كَانَ النبي ﷺ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا»

والمؤمنُ ينسِبُ نزولَ المطرَ إلى اللهِ وحدهُ لا إلى النجومِ ولا إلى الكواكب والأنواءِ وغيرِها، فيقول بيقينٍ: «مُطرنا بفضل الله ورحمته».

وإن مما ينبغي التذكيرُ به هو توخي الحذرِ عند الخروجِ إلى البراري وعدمُ خوضِ السيولِ الجارفة، والتعرضِ للأخطارِ المُحقَّقةِ.

ويتأكد التذكيرُ على المحافظةِ على الصلوات، ومجانبةِ الملاهي المحرمةِ والمعازفِ والمنكراتِ، وصونِ الحرماتِ، وحثِّ النساء على الحشمةِ وملازمةِ الحياءِ والعفافِ.

 

المشاهدات 441 | التعليقات 0