مَا أَبْلَغَهَا مِنْ مَوْعِظَة 9 جُمَادَى الآخِرَة 1442هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1442/06/07 - 2021/01/20 12:31PM

مَا أَبْلَغَهَا مِنْ مَوْعِظَة 9 جُمَادَى الآخِرَة 1442هـ

الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار، خَلَقَ الْجَنَّةَ وَأَعَدَّهَا لِعِبَادِهِ الْأَبْرَار، وخَلَقَ النَّارَ وَجَعَلَهَا لِلْكُفَّارِ وَالْفُجَّار، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وَأَشْكُرُهُ وَأَسْأَلُهُ الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالسَّلَامَةَ مِنَ النَّار، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَخْيَار، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ رَبِّكُمْ وَلِلْجَزَاءِ بِأَعْمَالِكُمْ (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيه)

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: جَاءَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ بِأَخْبَارٍ عَجِيبَةٍ عَمَّا يَحْصُلُ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَتَعَالَوْا بِنَا نَتَعَرَّفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَعَلَّ قُلُوبَنَا تَرِقُّ وَأَحْوَالَنَا تَتَغَيَّرُ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قَالَ (هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟) قُلْنَا: لاَ، قَالَ (فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا) يَعْنِي: أَنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةً وَاضِحَةً، ثُمَّ قَالَ (يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ [أي: بقايا من أهل الكتاب السابقين الموحدين, وذلك قبل تبديل كتبهم]، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ : اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ.

ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ : نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ.

حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، [أي : أننا في الدنيا تركناهم وعباداتهم مع حاجتنا لهم, لأنهم كانوا مشركين , فعبدنا ربنا, فنحن اليوم في حاجته أعظم ما يكون] وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا, فَيَتَّبِعُونَهُ .

ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ [يعنى: الصراط الذي يمر عليه الناس فوق النار] فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ (مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ، يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا [يعني: سرعة مرور المؤمنين على الصراط وعلى هذه الكلاليب] كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [أي: أن بعضهم تخدشه الكلاليب لكنه يمر, وبعضهم تخدشه وتسقطه في النار] حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ [يعني: أن المؤمنين يسألون الله عز وجل أن يخرج الذين سقطوا في النار, ويلحون عليه تبارك وتعالى] يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا ، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا ، وَيَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا) ... (فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلاَئِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا [أي: احترقوا واسودوا وصاروا حمما ]، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ (يعني: أنهم يحيون حياة ضعيفة) فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ  [المراد: ليس لهم عمل زائد عن أصل الإيمان], فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ، وَفِيهِ فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ، مِنْهَا: وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، وَكَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، فيَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ وَهُمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَرَوْنَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا يَشَاءُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَرُؤْيَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ نَعِيمِ الْجَنَّةِ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: إِثْبَاتُ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَإِثْبَاتُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلَامِ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: إِثْبَاتُ الصِّرَاطِ وَأَنَّهُ جِسْمٌ يُنْصَبُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ يَمُرُّ النَّاسَ عَلَيْهِ بِحَسْبِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ النَّجَاةَ فَعَلَيْكَ أَنْ تُنْجِي نَفْسَكَ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَوْحِيدِهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا فَلَا تَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَكَ.

أَسْأَلُ اللهِ أَنْ يُنَجِّنِي وَإِيَّاكَ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

              الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَتَعَالَوْا بِنَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَتَعَرَّفُ عَلَى آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يُطَهِّرَهُ اللهُ مِنْ ذُنُوبِهِ التِي اقْتَرَفَهَا فِي الدُّنْيَا، وَما مَصِيرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبَي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ قَالَ (وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ , وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللهَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ [أي: لعلك إن حققت لك طلبك أن تسأل غيره] فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللهُ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لَا تَسْأَلُنِي غَيْرَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، يَدْعُو اللهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ [أي : انفتحت واتسعت]، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ اللهُ مِنْهُ قَالَ: ادْخُلْ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ)

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَأَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلَكُمْ مِنْ فَضْلِهِ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنُعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا, اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ, اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى سُنِّةِ نَبِيِّكَ مُحَمِّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلِّتِهِ وَأَعِذْنَا مِنْ مُضِّلَاتِ الْفِتَنِ, رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَ آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ و لا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات

1611145869_مَا أَبْلَغَهَا مِنْ مَوْعِظَة 9 جُمَادَى الآخِرَة 1442هـ.docx

المشاهدات 3313 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا