ماعلى المسلم في رمضان
منصور احمد المقبول
الخطبة الأولى :
الحَمْدُ للهِ الذي فَرَضَ عَلَيْـنَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وأَكْرَمَنا فِيهِ بِنُزُولِ القُرآنِ، وجَعَلَهُ مَوسِماً لِلطَّاعَةِ والبِرِّ والإِحْسَانِ، وبَاباً وَاسِعاً يَلِجُهُ طُلاَّبُ الجِنَانِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يَغْفِرُ ذُنُوبَ مَنْ صَدَقَ مِنَ التَّائِبينَ، ويَرْفَعُ دَرَجَةَ المُخْلِصِ مِنَ الصَّائِمينَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ صَاَمَ وَصَلَّى، وأَصْدَقُ مَنْ تَضَرَّعَ وَدَعا، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ (( فَاتَّقُواْ ?للَّهَ يا أُوْلِى لأَلْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) واعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ اللهَ سُبحانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ مِنَ الأَزْمَانِ مَواسِمَ لِلطَّاعَاتِ، واصْطَفَى فِيهَا أَيَّاماً ولَيَالِيَ وسَاعَاتٍ، وأَوْدَعَها صُنُوفاً مِنَ الفَضَائِلِ والنَّفَحَاتِ، فَضْلاً مِنْهُ وإِحْسَاناً، وَكَرَماً عَلَى عِبَادِهِ وامتِنَاناً، أَلاَ وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ المَواسِمِ شَهْرَ رَمَضَانَ بِأَيَّامِهِ ولَيَالِيهِ العِظَامِ، شَهْرَ الصِّيَامِ والقِيَامِ، شَهْرَ الطُّمَأْنِينَةِ والرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ، شَهْرَ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ وإِيقَاظِ الضَّمِيرِ، والعَطْفِ عَلَى اليَتِيمِ والفَقِيرِ، فِيهِ تَتَخلَّصُ النُّفُوسُ مِنَ النَّزَعَاتِ الذَّاتِيَّةِ، وتُسَيْطِرُ الإِرَادَةُ عَلَى شَهَواتِ النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّةِ، إِنَّهُ فُرْصَةُ كُلِّ تَائبٍ، وعِبْرَةُ كُلِّ آيبٍ، ((ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(2)، ولَو لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَينَا فِي رَمَضَانَ، غَيْرُ تَشْرِيفِنَا بِإِنْزَالِ القُرآنِ، لَكَانَ كَافِياً لِتَقْدِيرِهِ وإِدْرَاكِ مَا لَهُ مِنَ العَظَمَةِ والشَّأْنِ، قَالَ تَعالَى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))(3)، ، فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ مَا أَعْظَمَها، ومِنَّةٍ مَا أَجَلَّهَا ، لِذَا فَلاَ غَرْوَ أَنْ تَستَقبِلَ الأُمَّةُ هَذَا الزَّائِرَ المَحْبُوبَ بِفَرَحٍ غَامِرٍ، وسُرورٍ ظَاهِرٍ، وبَهْجَةٍ بِكَ يَا رَمَضانُ، فَكَمْ تَاقَتْ لَكَ أَرْوَاحُ أَهلِ الإِيمَانِ، وهَفَتْ لاِستِقْبَالِ بُشْرَاكَ الآذَانُ، وَهَـمَتْ سَحائبُكَ النَّدِيَّةُ هَتَّانَةً بِالرَّحْمَةِ والغُفْرانِ، فِي رِحَابِكَ تُورِقُ الأَيَادِي وتَفِيضُ النُّفوسُ بِرّاً وإِحْسَاناً، وتَنْتَعِشُ الأَرْواحُ إِخْلاَصاً وإِيمَاناً،
أَيُّها المُسلِمُونَ : بُلُوغُ شَهْرِ رَمضَانَ نِعْمَةٌ كُبْرَى، ومَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ جُلَّى، يُقَدِّرُها حَقَّ قَدْرِهَا الصَّالِحُونَ، ويُؤَدِّي وَاجِبَها أَصْحَابُ الهِمَمِ المُشَمِّرونُ، وإِنَّ مِنْ شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ جَمِيلَ استِشْعَارِها، ومِنْ أَدَاءِ الوَاجِبِ لِهَذِهِ الفُرْصَةِ حُسْنَ استِغْلاَلِها، إِنَّ العَمَلَ الجَادَّ لاَ يَكُونُ عَلَى تَمَامِهِ، إِلاَّ حِينَ يَتَهَيَّأُ لَهُ تَمَامَ التَّهَيُّؤِ، فَيَستَثِيرُ هِمَّةَ النَّفْسِ إِلَى الطَّاعَاتِ،
ويُقَسِّمُ فِي ضُروبِ الخَيْرِ الأَيَّامَ والسَّاعَاتِ وإِنَّ مِنْ وَاجِبِ المُسلِمِ لِتَحقِيقِ غَايَةِ هَذَهِ العِبَادَةِ فِي أَكْمَلِ صُوَرِها، إِدْرَاكَ مَعنَى الصِّيَامِ والمَقَاصِدِ التِي شُرِعَ مِنْ أَجْلِها، فَالصِّيَامُ شُرِعَ لِتَرْبِيَةِ النَّفْسِ عَلَى الفَضَائِلِ، وَكَبْحِ جِمَاحِها عَنِ الرَّذَائِلِ، فِيهِ صَبْرٌ عَلَى حَمْأَةِ الظَّمَأِ ومَرارَةِ الجُوعِ، ومُجَاهَدَةُ النَّفْسِ فِي زَجْرِ الهَوَى، وتَذْكِيرٌ بِحَالِ المَسَاكِينِ والمُقْتِرِينَ، يَستَوِي فِي الصِّيَامِ المُعْدِمُ والمُوْسِرُ، فَكُلُّهُمْ صَائِمٌ لِرَبِّهِ، مُستَغْفِرٌ لِذَنْبِهِ، يُمْسِكُونُ عَنِ الطَّعَامِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، ويُفْطِرونَ فِي آنٍ وَاحِدٍ، يَتَساوونَ طِيلَةَ نَهَارِهِمْ بِالجُوعِ والظَّمأ، لِيَتَحَقَّقَ قَولُ اللهِ فِي الجَمِيعِ: ((إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ))(5)، هَذَا وإِنَّ مِمَّا يَقْدِرُ عَلِيهِ كُلُّ صَائِمٍ، ويَستَطِيعُهُ كُلُّ ذَاكِرٍ وقَائمٍ، التَّوْبَةَ والاستِغْفَارَ، والنَّدَمَ عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْبِ الكَرِيمِ الغَفَّارِ، والصَّومُ طَاعَةٌ مِنَ الطَّاعَاتِ، لاَ تُقْبَلُ إِلاَّ مِنَ المُخْبِتِينَ التَّائِبِينَ التُّقَاةِ، قَالَ تَعالَى حَاثّاً عِبَادَهُ عَلَى التَّوبَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً) والأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَارِ، والسَّعِيدُ مَنْ يُخَلِّدُهَا بِأَحْسَنِ الأَعْمَالِ، ورَاحَةُ النَّفْسِ فِي قِلَّةِ الآثَامِ، وفِي هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ يُكْثِرُ المُسلِمُ مِنَ العِبَادَاتِ، ويُوَسِّعُ عَلَى الآخَرِينَ بِبَذْلِ المَعْروفِ وتَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ، فَإِنِ استَطَعْتَ أَلاَّ يَسبِقَكَ إِلَى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ، فَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ يُفْتَحُ بَابُ الإِجَابَةِ مِنَ السَّمَاءِ، وفِي كُلِّ لَيْلَةٍ للهِ مِنَ النَّارِ عُتَقاءُ، فَاظْفَرْ بِذَلِكَ لِئَلاَّ يَكُونَ حَظُّكَ مِنَ الصِّيَامِ الجَوُعَ والظَّمَأَ، وخَزَائِنُ الوَهَّابِ مَلأَى، فَسَلْ مِنْ جُودِ الكَرِيمِ، واطْلُبْ رَحْمَةَ الرَّحِيمِ، فَهَذَا شَهْرُ الإِجَابَةِ، ومَوْسِمُ الرُّجُوعِ والإِنَابَةِ،
أَيُّها المُسلِمُونَ : مَا أَجْمَلَ ذَلِكَ الأَبَ الذِي استَعَدَّ لِرَمَضَانَ مَعَ أُسْرَتِهِ بِبَرنَامَجٍ حَافِلٍ بِالطَّاعَةِ، يَستَغِلُ أَجْواءَهُ الإِيمَانِيَّةَ لِتَهْذِيبِهِمْ قَدْرَ الاستِطَاعَةِ، يُنَوِّعُ لَهُمْ فِيهِ النَّافِعَ مِنَ البَرامِجِ، مابين صَلاَةٍ وصِيَامٍ، وذِكْرٍ ودُعَاءٍ وقِيَامٍ وزِيَارَةٍ لِلأَقَارِبِ والأَرْحَامِ وصدقةٍ وبرٍ وإحسان دُونَ أَنْ يَكُونَ نَشَاطٌ مِنْها عَلَى حِسَابِ الآخَرِ، وَإِذَا كَانَ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرَ القُرآنِ، شَهْرَ النُّورِ الذِي لاَ تَنْطَفِئُ مَصَابِيحُهُ، والذِّكْرِ الذِي لاَ يُسأَمُ مِنْهُ بِكَثْرَةِ تَرديدهِ، والجَلِيسِ الذِي لاَ يَمَلُّهُ الأَتْقِياءُ، والغِذَاءِ الذِي لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، فَمَا أَشْرَقَ بَيْـتاً يُضِيءُ أَيَّامَهُ ولَيَالِيَهُ بِحَلْقَةٍ قُرآنِيَّةٍ، يَتَربَّى فِيهَا أَفْرَادُ الأُسْرَةِ عَلَى آدَابِهِ الرَّبَّانِيَّةِ، لِيَنْشَؤُوا نَشْأَةً صَالِحَةً إِيمَانِيَّةً؛.
أَيُّها المُؤمِنونَ : إِنَّ مِنَ الخَطَأِ الوَاضِحِ أَنْ يَكُونَ المَرْءُ الذِي لاَ يَمْلِكُ إِلاَّ كَفَافاً مِنَ المَالِ، لاَ يُحْسِنُ تَرشِيدَ مَصْروفَاتِهِ ونَفَقَاتِهِ، فَإِذَا أَقْبَلَ رَمَضَانُ كَلَّفَ مِيزَانِيَّتَهُ فَوقَ طَاقَتِها، أَو رَكِبَ لِذَلِكَ الدُّيُونَ مُتَجَاهِلاً سُوءَ عَاقِبَتِها،
فَأَيْنَ هُوَ فِي شَهْرِ القُرآنِ، مِنْ قَولِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ: ((وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً))(8)؟، وفِي مُقَابِلِ هَذَا الخَطَأِ خَطأٌ آخَرُ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ بَسَطَ اللهُ لَهُ فِي الرِّزقِ، ولِكنَّهُ نَسِيَ بإِسْرافِهِ مَا وَجَبَ فِي مَالِهِ مِنْ حَقٍّ، مُتَجَاهِلاً المُحتَاجِينَ مِنَ الخَلْقِ، فَأَيْنَ هُوَ فِي شَهْرِ الإِحْسَانِ، مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي مُحْكَمِ القُرآنِ حِينَ قَالَ: ((وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) ، فَالمَالُ مَالُ اللهِ، والخَلْقُ عَبِيدُهُ ، ومَنْ وَاسَاهُمْ نَالَهُ خَيْرُهُ ونَوالُهُ، قَالَ تَعالَى: ((آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ))(10)، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُضَاعِفُ إِنْفَاقَهُ فِي رَمَضَانَ، ويُكْثِرُ مِنَ الجُودِ والإِحْسَانِ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ أَجْودَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ، لاَ يَرُدُّ مُحتَاجاً ولاَ ذَا مَسأَلَةٍ، وَإِذَا كَانَ الإِنْفَاقُ عَلَى المُحتَاجِينَ مِنْ أَجـَـلِّ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّ الإِسْرافَ مِنْ أَخْطَرِ المُوبِقَاتِ، إِنَّهُ يَحْرِمُ صَاحِبَهُ مَحَبَّةَ اللهِ، ويُبْعِدُهُ عَنْ رَحْمَتِهِ ورِضَاهُ، قَالَ تَعالَى: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))(11)، إِنَّ الإٍسْرَافَ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِتَعالِيمِ الدِّينِ، وأَوَامِرِ رَبِّ العَالَمِينَ، لِذَا كَانَ فَاعِلُهُ مِنْ إِخْوانِ الشَّيَاطِينِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واستغلوا رَمَضَانَ بِالإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَات
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،
الخطبة الثانية
أما بعد أيها المسلمون عباد الله ينبغي للمسلم أن يكون محافظا على صومه من المفطرات و عليه أن يعلم ما هو الشيء الذي يفسد الصوم و الذي لا يفسده و وعليه أن يصوم وفق ما امره الله في كتابه و سنة رسوله فصيام رمضان فريضة على كل مسلم، بالغ، عاقل ، من أول الشهر إلى آخره، والناس لهم حالات عند شهر رمضان، فالصحيح المقيم يجب عليه صيام رمضان أداءً كل يوم، وأما المريض الذي يشق عليه الصيام أو يحتاج إلى الإفطار فإنه يفطر ويقضي من أيام أخر، وكذلك المسافر الذي يباح له القصر وهو من تبلغ مسافة سفره ثمانين كيلو فأكثر فإنه يفطر ويقضي من أيام أخر وأما من لا يطيق الصيام لهرم أو كبر أو مرض مزمن لا يستطيع معه الصيام ولا يقدر على القضاء في المستقبل فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) فهذه أحوال الناس مع الصيام، ولا بد من النية في جميع النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، تكون النية معه دائماً، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل فلو أنه أمسك عن الطعام والشراب و المفطرات من غير نيةٍ فإنه لا يسمى صائماً شرعاً، واعلموا رحمكم الله أن الصيام له مبطلات يجب على الصائم أن يتجنبها، أولاً: ما يُدخل إلى الجوف من أي موضع كان فإنه يفطر الصائم وذلك كالأكل والشرب متعمداً، أما من نسي وأكل أو شرب فإن صيامه باقٍ وهو معذور، لقوله صلى الله عليه وسلم: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ، ومنها تناول الأدوية التي يبتلعها الصائم أو تحقن فيه وتصل إلى الجوف مثل الحبوب والسوائل والمحاليل الطبية التي تصل إلى جوفه فإنه بذلك يبطل صيامه، وكذلك الإبر المغذية تبطل الصيام لأنها بمعنى الطعام والشراب، أما الإبر التي تؤخذ تحت الجلد أو تؤخذ تحت العضل فهذه لا تؤثر على الصيام وكذلك التي تؤخذ في الوريد ولكن لو اخرها الى الليل فهو احسن ، وكذلك من المفطرات ما يُستخرج من المعدة وذلك كالاستفراغ عن طريق الفم فإنه يبطل صيامه، أما إذا غلبه القيء والاستفراغ وليس له اختيار في ذلك فهذا لا يؤثر على صيامه، وكذلك من المفطرات إنزال المني بجماع أو بشهوة، وكذلك من مفسدات الصيام الحجامة وهي سحب الدم بقصد العلاج لأنها تُضعف الصائم وتخرج قوّته، قال صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم ، ومثل الحجامة سحب الدم بالطرق الطبية لإسعاف مريض أو للتبرع به فإن هذا يبطل الصيام لأنه مثل الحجامة، يُستخرج به دم كثير، أما الدم اليسير كالذي يُستخرج للتحليل وهي يسيرة فهذه لا تؤثر على الصيام، وكذلك من مبطلات الصيام ما يصيب النساء من دم الحيض فإنه أيضاً يُضعف المرأة، يُضعف قوتها فلذلك منعها الله من الصيام وأوجب عليه القضاء (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وأما الاستحاضة وهي دم النزيف الذي يخرج من المرأة في غير مواعيده فإنه لا يؤثر على الصيام فالمستحاضة تصوم لأنها في حكم الطاهرات، كذلك لو انجرح الإنسان وسال منه دم فإنه لا يؤثر على صيامه لأنه بغير اختياره، ، وكذلك مما يجب على الصائم استصحاب النية كما ذكرنا فلو نوى الإفطار في صيام الفرض فإنه يبطل صيامه لقطعه النية وحتى لو لم يأكل ويشرب،ومن المفطرات أيضاً ما يُستعمل لغسيل الكلى، أو يُستعمل لغسيل المعدة من المحاليل التي تُدخل إلى الجوف وتُسحب منه فإنها أيضاً تفطر الصائم، وكذلك يتجنب الصائم الغيبة والنميمة والسباب والشتم وقول الزور ويحفظ لسانه عن كل ما يجرح صيامه، فليس الصيام مجرد ترك الطعام والشراب وترك المباحات ولكنه مع ذلك ترك المحرمات التي يجب تركها في كل الأوقات وفي حق الصائم آكد، لأنها تجرح صيامه، وتنقّص ثوابه أو تذهب بأجره فيكون حظه من صيامه الجوع والعطش وليس له فيه أجر وكذلك يحفظ سمعه فلا يستمع إلى المعازف والمزامير، ولا يستمع للغيبة والنميمة، ولا يستمع إلى ما يلهيه عن ذكر الله عز وجل مما يبث ويُنشر في وسائل الإعلام كالمسلسلات الهابطة والساخرة فلا يضيّع وقته معها ويبطل صيامه بها فإنه آثم بذلك، كذلك يحفظ بصره ويغضه عما حرّم الله من الصور الفاتنة والمشاهد الفاتنة في الشاشات والفضائيات التي تعرض النساء العاريات أو شبه العاريات، عليه أن يحفظ بصره عما يجرح صيامه،
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على صيامكم من كل مُوهن ومن كل مفسد، وعليكم بالجماعة، فإن يدا الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين ،الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين. للهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناًً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واصرف عنا كيده، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ لنا ديننا الذي به عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليهامعادنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ادفع عنا من البلاء ما لا يدفعه سواك، نعوذ بك من فجأة نقمتك ومن تحول عافيتك ومن جميع سخطك لا إله إلا أنت أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عباد الله اذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نِعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.