ماذا قدمت لآخرتك.
حسن الحربي
ماذا قدمت لآخرتك
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحات ، وبفضله تَتَنَزَّل الخيرات والبركات ، وبتوفيقه تَتَحقَّق المقاصد والغايات ، الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله ، أزكى صَلَواتِ الله وتسليماتِهِ على مُعلِّمِ النَّاس الخير ، وهادي البشريَّةِ إلى الرُّشد ، رحمةُ الله للعالمين ، ونعمتِةُ على المؤمنين ، وحُجَّتهُ على الناس أجمعين ، سيِّدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد ، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه ، واتَّبعوا النور الذي أنزل معه ، أولئك هم المفلحون ، ورضي الله عمَّن دعا بدعوته ، واهتدى بسنَّته ، إلى يوم الدين أما بعد.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
عباد الله.
خرج ثلاثة نفر في ذاك الزمان الغابر في ليلة مطيرة، فأووى بهم المبيت الى ذلك الغار.
فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار، فلا صوت يسمع، ولا قوة تنفع، ولا نور في الافق يسطع.
فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ.
(فاليوم ينفع الصادقين صدقهم.. )
فاما الاول / فقد توسل ببره بأبويه وكان لايقدم عليهم مالا ولا ولدا، وفي ليلة تاخر عليهم باللبن، حتى ناما
فانتظر عند قدميهما حتى برق الفجر فلما قاما سقاهم اللبن ،، وابناءه حوله يضاغون جوعا.
فقال /اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ.
وتوسل الثاني/ بعفافه وصبره عن معصية الله.
فقد كانت له ابنت عم، جَاءته تطلب منه مالا لحاجة ألمت بها.
فأعطها عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِها وَبَيْنَ نَفْسِهَا،، ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْ عَلَيْهَا
قالت له اتَّقِ اللهَ / وَلاَ تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليه،
وَتركْ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَها.
فقال/ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا
وتوسل الثالث/ بأمانته وصدقه
قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجائني بَعدَ حِينٍ فَقالَ يَا عبدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتهْزيْ بي، فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَهْزيُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئاً
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ.
عباد الله/ إن هذه المشاهد الحية وغيرها التي نقلت إلينا بالخبر الصحيح لهي بشارة لكل عاملا يقصد بعمله وجه الله،
ويبتعد عن ثناء الناس ومدحهم فإن حصل ثناء بعد ذلك، فهي من عاجل بشرى المؤمن.
وهذا قليل من كثير بجانب ما يدخره لله للمخلصين في الآخرة.
في يوم لا ينفع مالا ولابنون الا من اتى الله بقلب سليم.
فهل تركت لك اثرًا صالحا، وعملا خالصا لوجه الله، ينقذك الله به من حوادث الأيام
ومصارع الأعوام.
وينجيك به الله من كرب يوم القيامة.
(..قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ.. )
قال عليه الصلاة والسلام.
(صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيّاً تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي العُمُر، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ، وَأَهْلُ المُنْكَرِ في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة. )
فَالْمُؤْمِنُ مُطَالَبٌ بِصُنْعِ الْمَعْرُوفِ كَلَّ يَوْمٍ؛
بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الإحسان.،
مِنْ إِمَاطَةِ أَذًى، أَوْ إِعَانَةِ محتاج، أَوِ شَّفَاعَةِ أوَ بَذْلِ جَاهِ، أَوِ إقْرَاضِ، أَوْ سَدَادِ دَّيْنِ، او عيادة مريض، أو مسح على راس يتيم، أو سقيا ماء.
أو تنفيس كربة،، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ.
وغَيْرِ ذَلِكَ من أبواب البر والاحسان.
فكل ميسر لما خلق له.
ورحم الله من قال : أسعد الناس بالحياة من حمل بين جنبيه قلبًا ينبض بالعطاء لأمته، ويحمل بكفيه غراس الخير، يسقيها بهمته، وصدق الله تعالى إذ يقول : " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "
يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ» أَوْ قَالَ: «بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. )
حتى كفك الاذى يا عباد الله
عن الخلق، وحماية النفس عن الشر !
لهي صدقة لنفسك على نفسك.
فما اعظم هذا الدين!
عباد الله / وإنا من الحسنات الجارية التي لا تنقطع عن العبد حتى بعد موته.
ما اخبر عنها الصادق المصدوق
(سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته، من علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته» ِ.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة؛ إلا كان له به صدقة))؛ أخرجه البخاري ومسلم .
عباد الله/ إن الحسنات والسئيات قرينة الإنسان في، حياته وبعد الممات.
فالنفس الم تشغلها بالطاعة شغلت بالمعصية.
** والناس بعد الممات أقسام
قسما يموت وتنقطع حسناته وسيئاته على السواء، فليس له إلا ما قدَّم في حياته الدنيا.
وقسم يموت ، وتبقى آثار أعماله من حسناتٍ وسيئاتٍ تجري عليه :
وهم اقسام
الأول: من يموت وتجري عليه حسناته وسيئاته، فمثل هذا يتوقف مصيره على رجحان أيٍ من كفتي الحسنات أم السيئات.
الثاني: من يموت وتنقطع سيئاته، وتبقى حسناته تجري عليه وهو في قبره، فينال منها بقدر إخلاصه لله تعالى واجتهاده في الأعمال الصالحة في حياته الدنيا، فيا طيب عيشه ويا سعادته.
والثالث: هو من يموت وتنقطع حسناته، وتبقى سيئاته تجري عليه دهراً من الزمان إن لم يكن الدهر كله، فهو نائم في قبره ورصيده من السيئات يزداد يوماً بعد يوم، حتى يأتي يوم القيامة بجبال من السيئات لم تكن في حسبانه، فيا ندامته ويا خسارته.
فعلى العاقل ان يني لآخرته حسنات جارية تمطر عليه وهو في قبرة
لأنه لا يدري متى يرحل عن دنياه.
وكن رجُلاً إن أتوا بعده يقولون مرَّ
وهذا الأثر
يقول الله
﴿إِنّا نَحنُ نُحيِي المَوتى وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآثارَهُم وَكُلَّ شَيءٍ أَحصَيناهُ في إِمامٍ مُبينٍ
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفره انه كان غفارا
( الخطبة الثانية. )
الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَدَى وَوَفَّقَ مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ، وَصَرَفَ عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى بِعَدْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ وَأَكْرَمِ رُسُلِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ.
** إن الْمُوَفَّقُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- مَنْ هُدِيَ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَالصَّالِحِ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْجَمِيلِ مِنَ السُّلُوكِ؛ كَانَتْ جِبِلَّةً فِيهِ أَوِ اكْتَسَبَهَا؛ قَالَ تَعَالَى فِي سِيَاقِ وَصْفِهِ أَهْلَ الْجَنَّةِ: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)
وَهَؤُلَاءِ وَنُظَرَاؤُهُمْ غَرْسٌ غَرَسَهُمُ اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: “لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ
فلينظر الإنسان في الاعمال الصالحات التي تتيسر له، ويجد في نفسه نشاط لها
فليساهم فيها، ويضرب في كل غنيمة بسهم فلعلها أن تكون المنجية
فمجالات الخير لا تعد ولا تحصى
وأبواب الجنة متعددة.
فذاك اماط غصن عن الطريق فوجبت له الجنة
وتلك البغي التي في نظر الناس أنها زانية فاجرة، وهي من أهل الجنة لأنها سقت كلبا يلهث من العطش. فغفر الله لها وادخلها الجنة.
يقول التابعي خالد بن معدان
إذا فتح لأحدكم باب خير، فليسرع إليه؛ فإنه لا يدري متى يُغلق عنه.
واذا عجز الانسان لقلة مال او جاه عن فعل الاحسان.
فلا أقل من ان ينوي الخير وإلم يفعله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" من نوى الخير وعمل منه مقدوره، وعجز عن إكماله: كان له أجر عامل " .
قال ﷺ في غَزَاة فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر رَواهُ مُسْلِم
وقال عليه الصلاة والسلام
إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ،
وهذه هي (الشخصية المثالية)
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ،
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ،
وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ. والله المستعان.
عباد الله /
صلوا وسلموا على خير البشرية، وازكى البرية عليه الصلاة والسلام
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته اجمعين.
اللهم وفقنا بتوفيقك، وأجعل عملنا خالص لوجهك الكريم
اللهم ارفع عن البلاء، وادفع عنا الوباء،
واجعله الى جلاء.
اللهم وفق بالحق امامنا وولي أمرنا
اللهم انصر جنودنا واحمي حدودنا وتولى أمرنا
واغفرنا لنا وارحمنا انت موالنا فنصرنا على القوم الكافرين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.