ماذا عملنا للاسلام 2 ؟
عادل السروري
1435/08/14 - 2014/06/12 00:53AM
ماذا عملنا للإسلام ؟ الجزء الثاني
8/8/1435هجرية الموافق 6/6/2014ميلادية
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
عباد الله: ذكرنا في اللقاء الماضي أننا نعيش في زمن انتفش فيه الباطل، وصار له خططه وبرامجه وقنواته، ولأصحابه الصوت والصورة، تزيينًا للباطل وإغراءً به، وتلبيسًا للحق وصدًا عنه، امتلك أهل الشر البر والبحر والجو، فأضحى إفسادهم إصلاحًا، وضلالهم رشادًا، وظلمتهم نورًا، حتى إنه ليهول المسلم ما يبذله أهل الباطل لنشر باطلهم، وإقناع الناس به، فالمنظمات التنصيرية المنتشرة في العالم تجاوزت خمسة وعشرين ألف منظمة، وما يجمع في العام الواحد أكثر من مائتي مليار دولار!! تملك أكثر من ثلاثة آلاف إذاعة ومحطة تلفزة، جُلّها تتركز في البلاد الفقيرة، والشعوب المنكوبة، التي وللأسف أكثر أهلها من المسلمين!! فإن سلم المسلمون من التنصير لم يسلموا من العقائد الباطلة كالرفض والتصوف، التي انتشر دعاتها في بلاد المسلمين، ومن سلم من هذه وتلك أصابته سهام الشبهات والشهوات، فأصبح أبناؤنا ما بين ضحية للإلحاد، وغارق في حمأة الجنس والمخدرات عن طريق الأفلام والبرامج والأغاني والمسلسلات!!
ومن هنا قلنا إن الغيرة على الدين وحمل همه يجب أن تكون هاجس كل واحد منا، وهمًا يجري في عروق كل مسلم صغيرًا كان أم كبيرًا ذكرًا أو أنثى، عالمًا أو جاهلاً صالحًا أو فاسقًا فلا يجوز أن تكون الذنوب والخطايا حاجزًا وهميًا بين العبد وبين العمل الإيجابي لهذا الدين.
و سأحدثكم اليوم عن نماذج عاشت للإسلام، وكيف كان استعدادها لبذل الغالي والرخيص من أجل هذا الدين ، وهي نماذج لناس ضحت بأهلها وأولادها وأموالها ، من أجل أن تتحقق نصرة هذا الدين .
وسوف ينتظم حدينا في المحورين التاليين :
الاول : نعيم بن مسعود رضي الله عنه
الثاني : أبو بكر الصديق رضي الله عنه
أما نعيم بن مسعود، رضي الله عنه : ذلكم الفدائي البطل فقد جاء إلى المصطفى في وقت عصيب رهيب، كادت القلوب أن تخرج من الصدور في غزوة الأحزاب، أحاط المشركون بالمدينة من كل ناحية من حول الخندق، وفي لحظات حرجة قاسية نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله، وشكلوا تهديداً داخلياً خطيراً على النساء والأطفال، وتعاهدوا مع المشركين على أن يحاربوا محمداً معهم، وهذا هو فعل اليهود، وهذه هي صفتهم، فاليهود لا يجيدون إلا الغدر ونقض العهود، نقضوا العهد مع رسول الله في وقت حرج، ولك أن تتصور الحالة النفسية التي مر بها المصطفى مع أصحابه، وقد وصفها الله في القرآن وصفاً دقيقاً بليغاً، تدبر معي قول الله لهذه الحالة: (وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 10-12]. تصور هذه الحالة، ممن مع رسول الله من يقول: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، المشركون يحيطون بنا، واليهود نقضوا العهد وسيدمروننا من الداخل، ويقتلون نساءنا وأطفالنا، حالة قاسية، حتى قام المصطفى ليتضرع إلى الله: ((اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم))، تصور معي هذه الحالة، وفي هذا الوقت الحرج جاء نعيم بن مسعود - رضي الله عنه -، لماذا؟ أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بين المغرب والعشاء، فالتفت إليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((ما جاء بك يا نعيم؟))، قال: جئت أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن ما جئت به هو الحق، ابسط إلي يديك لأبايعك يا رسول الله" فبايعه المصطفى، وشهد نعيم شهادة التوحيد، وعلى الفور قال لرسول الله: "يا رسول الله، مرني بما شئت؛ فوالله لا تأمرني بشيء إلا قضيته؛ فإنه لا يعلم أحد من القوم بإسلامي"، فقال له المصطفى: ((يا نعيم، إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة)) فانطلق نعيم، ولم يضع النبي –صلى الله عليه وسلم- له تفاصيل خطة، بل أمره أمراً عاماً: ((خذل عنا ما استطعت))، وانطلق نعيم الذي استشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، الرجل في مأزق، في فتنة، الإسلام يتعرض لخطر، فلماذا لا أبذل؟! لماذا لا أقدم؟! فكر هذا الفدائي الذي لم يمض على دخوله في دين الله إلا دقائق، ولكنه يستشعر مسئوليته لدين الله، الأحزاب يحيطون بالمدينة، ورسول الله في فتنة خطيرة فليبذل دمه، فليبذل روحه،!! نعيم بن مسعود انطلق يفكر كيف يعمل لدين الله. فتدبروا معي يا شباب، تدبروا معي؛ حتى لا يأتي شاب، فيقول: ماذا أفعل؟ ما دوري؟ لا مانع من أن تستأنس، وأن تسأل إن استشكلت عليك مسألة، لكن فكر لدين الله، كيف تعمل وكيف تبذل.. انطلق نعيم إلى يهود بني قريظة فقال: لقد جئتكم أبذل لكم النصيحة فاكتموا عني، فقالوا: قل يا نعيم، قال: تعلمون ما بيني وبينكم، قالوا: لست عندنا بمتهم، وأنت عندنا على ما نحب من الصدق والبر، فقال نعيم: إن أمر هذا الرجل بلاء -يقصد النبي - عليه الصلاة والسلام -، فقد استحل نعيم من رسول الله أن يقول ما شاء، فقال له المصطفى: ((قل فأنت في حل))، فقال: إن أمر هذا الرجل بلاء، أنتم ترون -يا يهود بني قريظة- ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النضير، ولستم كقريش وغطفان، فإن قريشاً وغطفان قد جاءوا من بلادهم ونزلوا حول المدينة، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الأخرى عادوا إلى ديارهم وبلادهم وأموالهم، وانفرد بكم محمد؛ ليفعل بكم ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النضير، فأنا جئت لكم اليوم أبذل لكم النصيحة، قالوا: ما هي يا نعيم؟! قال: لا تقاتلوا مع قريش وغطفان حتى تأخذوا سبعين رجلاً من أشرافهم، تستوثقون بهم منهم أنهم لن يبرحوا المدينة حتى يقتلوا محمداً، وحتى يريحوكم من شره، قالوا: نعم الرأي يا نعيم، قال: اكتموا عني هذا؛ فإني ناصح لكم، قالوا: نفعل. فتركهم نعيم الفدائي البطل، وذهب إلى قائد جيوش الشرك أبي سفيان وقال: يا أبا سفيان، تعلم الود الذي بيني وبينك، قال: نعم، يا نعيم. قال: لقد جئتك الآن بنصيحة، قال: ابذلها، قال: ألا تعلم يا أبا سفيان أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقضهم للعهد مع محمد بن عبد الله وذهبوا إليه وقالوا: بأننا لن نقاتل مع قريش ضدك، ولنثبت لك صدقنا سوف نرسل إليك سبعين رجلاً من أشراف قريش وغطفان لتقتلهم، لتعلم أننا قد ندمنا على نقضنا للعهد معك، ففزع أبو سفيان، فقال نعيم: إياك أن تسلم اليهود رجلاً واحداً من أشرافكم، قال: أفعل يا نعيم، وشكر له هذه النصيحة الغالية، وتركه وذهب إلى غطفان، فقال لهم مثلما قال لأبي سفيان، وفي الوقت نفسه أرسل اليهود إلى قريش وغطفان ليقولوا: ادفعوا إلينا سبعين رجلاً من أشرافكم؛ لنستوثق بهم أنكم لن تبرحوا المدينة حتى تقاتلوا معنا محمداً، ولن تدعونا؛ لينفرد محمد بقتالنا، فقالت قريش وغطفان: صدق -والله- نعيم، كذب اليهود عليهم لعائن الله، ولما رفض القرشيون أن يسلموا اليهود الأشراف، وعاد الرسل لليهود قالوا: صدق -والله- نعيم، إنهم يريدون أن ينصرفوا؛ لينفرد محمد بقتالنا، فخذل الله - عز وجل - بين قريش وغطفان، وبين اليهود على يد نعيم بن مسعود - رضي الله عنه -، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، واستراح قلب النبي داخل المدينة؛ لأن اليهود قد نقضت العهد مرة أخرى مع قريش وغطفان، وقد انشغل قلبه، وانشغلت قلوب أصحابه على ذراريهم ونسائهم وأموالهم داخل المدينة، وهم قد خرجوا ليحاصروا المدينة من الخارج في مواجهة الصف المشرك الذي خندق حولها.
على يد رجل ثبت الله جيشاً، ما وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - له بنود هذه الخطة، بل فكر وعلى قدر الإخلاص والصدق يكون التوفيق من الله - جل وعلا -.
هذا صديق الأمة الأكبر، شرح الله صدره للإسلام؛ فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله، وعلى الفور يستشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، بالله عليكم : ما الذي تعلمه أبو بكر في هذه الدقائق من رسول الله سوى الشهادتين؟! مع سماعه لكلمات يسيرة جداً من المصطفى، ومع ذلك يستشعر مسئوليةً ضخمةً تجاه هذا الدين بمجرد أن ردد لسانه الشهادتين، فيترك الصديق رسول الله وينطلق ليدعو، ليدعو بماذا؟ والله ما عكف على طلب العلم سنوات لينطلق بعد ذلك للدعوة، ولكن بالقدر الذي أعطاه الله من النور خرج وهو يستشعر مسئوليته الضخمة لهذا الدين، ليست العبرة بالمحاضرات الطويلة الرنانة المؤثرة، والله يا أخي لو علم الله منك الصدق والإخلاص، وتكلمت كلمة واحدة لحركت كلمتك القلوب، والسر هو: الصدق والإخلاص، تحرك الصديق بكلمات يسيرة جداً، هل تصدق أيها المسلم أن الصديق بهذه الكلمات المخلصة الصادقة قد عاد إلى النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم التالي لإسلامه بخمسة من العشرة المبشرين بالجنة؟! إنها بركة الدعوة وبركة الحركة والجهد لدين الله ، تحرك بالقدر الذي من الله به عليك من علم في الدين، من علم في الدنيا، من علم في أي جانب، استغل مركزك ومنصبك لدين الله - سبحانه -، المهم أن ترى في قلبك هماً لدين الله، المهم أن تفكر كيف تعمل شيئاً لدين الله - سبحانه -. مَن كَانَ مِنَّا ذَا عِلمٍ فَلْيَنْشُرْهُ، وَمَن كَانَ ذَا مَالٍ فَلْيُنفِقْ مِنهُ، وَمَن كَانَ ذَا جَاهٍ فَلْيَبذُلْهُ , ليكن لك مشروعا تخدم من خلاله دينك ووطنك وأمتك , وهذا هو عنوان اللقاء القادم إن شاء الله .
حتى ذلك الحين إن الحين ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]
الدعاء
8/8/1435هجرية الموافق 6/6/2014ميلادية
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
عباد الله: ذكرنا في اللقاء الماضي أننا نعيش في زمن انتفش فيه الباطل، وصار له خططه وبرامجه وقنواته، ولأصحابه الصوت والصورة، تزيينًا للباطل وإغراءً به، وتلبيسًا للحق وصدًا عنه، امتلك أهل الشر البر والبحر والجو، فأضحى إفسادهم إصلاحًا، وضلالهم رشادًا، وظلمتهم نورًا، حتى إنه ليهول المسلم ما يبذله أهل الباطل لنشر باطلهم، وإقناع الناس به، فالمنظمات التنصيرية المنتشرة في العالم تجاوزت خمسة وعشرين ألف منظمة، وما يجمع في العام الواحد أكثر من مائتي مليار دولار!! تملك أكثر من ثلاثة آلاف إذاعة ومحطة تلفزة، جُلّها تتركز في البلاد الفقيرة، والشعوب المنكوبة، التي وللأسف أكثر أهلها من المسلمين!! فإن سلم المسلمون من التنصير لم يسلموا من العقائد الباطلة كالرفض والتصوف، التي انتشر دعاتها في بلاد المسلمين، ومن سلم من هذه وتلك أصابته سهام الشبهات والشهوات، فأصبح أبناؤنا ما بين ضحية للإلحاد، وغارق في حمأة الجنس والمخدرات عن طريق الأفلام والبرامج والأغاني والمسلسلات!!
ومن هنا قلنا إن الغيرة على الدين وحمل همه يجب أن تكون هاجس كل واحد منا، وهمًا يجري في عروق كل مسلم صغيرًا كان أم كبيرًا ذكرًا أو أنثى، عالمًا أو جاهلاً صالحًا أو فاسقًا فلا يجوز أن تكون الذنوب والخطايا حاجزًا وهميًا بين العبد وبين العمل الإيجابي لهذا الدين.
و سأحدثكم اليوم عن نماذج عاشت للإسلام، وكيف كان استعدادها لبذل الغالي والرخيص من أجل هذا الدين ، وهي نماذج لناس ضحت بأهلها وأولادها وأموالها ، من أجل أن تتحقق نصرة هذا الدين .
وسوف ينتظم حدينا في المحورين التاليين :
الاول : نعيم بن مسعود رضي الله عنه
الثاني : أبو بكر الصديق رضي الله عنه
أما نعيم بن مسعود، رضي الله عنه : ذلكم الفدائي البطل فقد جاء إلى المصطفى في وقت عصيب رهيب، كادت القلوب أن تخرج من الصدور في غزوة الأحزاب، أحاط المشركون بالمدينة من كل ناحية من حول الخندق، وفي لحظات حرجة قاسية نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله، وشكلوا تهديداً داخلياً خطيراً على النساء والأطفال، وتعاهدوا مع المشركين على أن يحاربوا محمداً معهم، وهذا هو فعل اليهود، وهذه هي صفتهم، فاليهود لا يجيدون إلا الغدر ونقض العهود، نقضوا العهد مع رسول الله في وقت حرج، ولك أن تتصور الحالة النفسية التي مر بها المصطفى مع أصحابه، وقد وصفها الله في القرآن وصفاً دقيقاً بليغاً، تدبر معي قول الله لهذه الحالة: (وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 10-12]. تصور هذه الحالة، ممن مع رسول الله من يقول: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، المشركون يحيطون بنا، واليهود نقضوا العهد وسيدمروننا من الداخل، ويقتلون نساءنا وأطفالنا، حالة قاسية، حتى قام المصطفى ليتضرع إلى الله: ((اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم))، تصور معي هذه الحالة، وفي هذا الوقت الحرج جاء نعيم بن مسعود - رضي الله عنه -، لماذا؟ أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بين المغرب والعشاء، فالتفت إليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((ما جاء بك يا نعيم؟))، قال: جئت أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن ما جئت به هو الحق، ابسط إلي يديك لأبايعك يا رسول الله" فبايعه المصطفى، وشهد نعيم شهادة التوحيد، وعلى الفور قال لرسول الله: "يا رسول الله، مرني بما شئت؛ فوالله لا تأمرني بشيء إلا قضيته؛ فإنه لا يعلم أحد من القوم بإسلامي"، فقال له المصطفى: ((يا نعيم، إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة)) فانطلق نعيم، ولم يضع النبي –صلى الله عليه وسلم- له تفاصيل خطة، بل أمره أمراً عاماً: ((خذل عنا ما استطعت))، وانطلق نعيم الذي استشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، الرجل في مأزق، في فتنة، الإسلام يتعرض لخطر، فلماذا لا أبذل؟! لماذا لا أقدم؟! فكر هذا الفدائي الذي لم يمض على دخوله في دين الله إلا دقائق، ولكنه يستشعر مسئوليته لدين الله، الأحزاب يحيطون بالمدينة، ورسول الله في فتنة خطيرة فليبذل دمه، فليبذل روحه،!! نعيم بن مسعود انطلق يفكر كيف يعمل لدين الله. فتدبروا معي يا شباب، تدبروا معي؛ حتى لا يأتي شاب، فيقول: ماذا أفعل؟ ما دوري؟ لا مانع من أن تستأنس، وأن تسأل إن استشكلت عليك مسألة، لكن فكر لدين الله، كيف تعمل وكيف تبذل.. انطلق نعيم إلى يهود بني قريظة فقال: لقد جئتكم أبذل لكم النصيحة فاكتموا عني، فقالوا: قل يا نعيم، قال: تعلمون ما بيني وبينكم، قالوا: لست عندنا بمتهم، وأنت عندنا على ما نحب من الصدق والبر، فقال نعيم: إن أمر هذا الرجل بلاء -يقصد النبي - عليه الصلاة والسلام -، فقد استحل نعيم من رسول الله أن يقول ما شاء، فقال له المصطفى: ((قل فأنت في حل))، فقال: إن أمر هذا الرجل بلاء، أنتم ترون -يا يهود بني قريظة- ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النضير، ولستم كقريش وغطفان، فإن قريشاً وغطفان قد جاءوا من بلادهم ونزلوا حول المدينة، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الأخرى عادوا إلى ديارهم وبلادهم وأموالهم، وانفرد بكم محمد؛ ليفعل بكم ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النضير، فأنا جئت لكم اليوم أبذل لكم النصيحة، قالوا: ما هي يا نعيم؟! قال: لا تقاتلوا مع قريش وغطفان حتى تأخذوا سبعين رجلاً من أشرافهم، تستوثقون بهم منهم أنهم لن يبرحوا المدينة حتى يقتلوا محمداً، وحتى يريحوكم من شره، قالوا: نعم الرأي يا نعيم، قال: اكتموا عني هذا؛ فإني ناصح لكم، قالوا: نفعل. فتركهم نعيم الفدائي البطل، وذهب إلى قائد جيوش الشرك أبي سفيان وقال: يا أبا سفيان، تعلم الود الذي بيني وبينك، قال: نعم، يا نعيم. قال: لقد جئتك الآن بنصيحة، قال: ابذلها، قال: ألا تعلم يا أبا سفيان أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقضهم للعهد مع محمد بن عبد الله وذهبوا إليه وقالوا: بأننا لن نقاتل مع قريش ضدك، ولنثبت لك صدقنا سوف نرسل إليك سبعين رجلاً من أشراف قريش وغطفان لتقتلهم، لتعلم أننا قد ندمنا على نقضنا للعهد معك، ففزع أبو سفيان، فقال نعيم: إياك أن تسلم اليهود رجلاً واحداً من أشرافكم، قال: أفعل يا نعيم، وشكر له هذه النصيحة الغالية، وتركه وذهب إلى غطفان، فقال لهم مثلما قال لأبي سفيان، وفي الوقت نفسه أرسل اليهود إلى قريش وغطفان ليقولوا: ادفعوا إلينا سبعين رجلاً من أشرافكم؛ لنستوثق بهم أنكم لن تبرحوا المدينة حتى تقاتلوا معنا محمداً، ولن تدعونا؛ لينفرد محمد بقتالنا، فقالت قريش وغطفان: صدق -والله- نعيم، كذب اليهود عليهم لعائن الله، ولما رفض القرشيون أن يسلموا اليهود الأشراف، وعاد الرسل لليهود قالوا: صدق -والله- نعيم، إنهم يريدون أن ينصرفوا؛ لينفرد محمد بقتالنا، فخذل الله - عز وجل - بين قريش وغطفان، وبين اليهود على يد نعيم بن مسعود - رضي الله عنه -، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، واستراح قلب النبي داخل المدينة؛ لأن اليهود قد نقضت العهد مرة أخرى مع قريش وغطفان، وقد انشغل قلبه، وانشغلت قلوب أصحابه على ذراريهم ونسائهم وأموالهم داخل المدينة، وهم قد خرجوا ليحاصروا المدينة من الخارج في مواجهة الصف المشرك الذي خندق حولها.
على يد رجل ثبت الله جيشاً، ما وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - له بنود هذه الخطة، بل فكر وعلى قدر الإخلاص والصدق يكون التوفيق من الله - جل وعلا -.
هذا صديق الأمة الأكبر، شرح الله صدره للإسلام؛ فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله، وعلى الفور يستشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، بالله عليكم : ما الذي تعلمه أبو بكر في هذه الدقائق من رسول الله سوى الشهادتين؟! مع سماعه لكلمات يسيرة جداً من المصطفى، ومع ذلك يستشعر مسئوليةً ضخمةً تجاه هذا الدين بمجرد أن ردد لسانه الشهادتين، فيترك الصديق رسول الله وينطلق ليدعو، ليدعو بماذا؟ والله ما عكف على طلب العلم سنوات لينطلق بعد ذلك للدعوة، ولكن بالقدر الذي أعطاه الله من النور خرج وهو يستشعر مسئوليته الضخمة لهذا الدين، ليست العبرة بالمحاضرات الطويلة الرنانة المؤثرة، والله يا أخي لو علم الله منك الصدق والإخلاص، وتكلمت كلمة واحدة لحركت كلمتك القلوب، والسر هو: الصدق والإخلاص، تحرك الصديق بكلمات يسيرة جداً، هل تصدق أيها المسلم أن الصديق بهذه الكلمات المخلصة الصادقة قد عاد إلى النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم التالي لإسلامه بخمسة من العشرة المبشرين بالجنة؟! إنها بركة الدعوة وبركة الحركة والجهد لدين الله ، تحرك بالقدر الذي من الله به عليك من علم في الدين، من علم في الدنيا، من علم في أي جانب، استغل مركزك ومنصبك لدين الله - سبحانه -، المهم أن ترى في قلبك هماً لدين الله، المهم أن تفكر كيف تعمل شيئاً لدين الله - سبحانه -. مَن كَانَ مِنَّا ذَا عِلمٍ فَلْيَنْشُرْهُ، وَمَن كَانَ ذَا مَالٍ فَلْيُنفِقْ مِنهُ، وَمَن كَانَ ذَا جَاهٍ فَلْيَبذُلْهُ , ليكن لك مشروعا تخدم من خلاله دينك ووطنك وأمتك , وهذا هو عنوان اللقاء القادم إن شاء الله .
حتى ذلك الحين إن الحين ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]
الدعاء
رشيد بن ابراهيم بوعافية
بارك الله فيكم أستاذ عادل ، خطبة توقظ الهمم و تبعثُ العزائم . وحقًّا إسلامنا أمانةٌ في أعناقنا جميعا ، وما من مسلمٍ إلاّ وهو مؤتمنٌ على تبليغه بحسب ما يجود به اتّساعُه ، ولا أقلّ من أن يحفظَ إسلامه و لا يكون حجر عثرة في طريق هذا الدّين العظيم .
تعديل التعليق