ماذا عملنا للاسلام ؟ الجزء الثالث
عادل السروري
1435/08/15 - 2014/06/13 22:47PM
ماذا عملنا للإسلام الجزء الثالث ؟
من نعم الله علينا أن أكرمنا بنعمة الإسلام، ودلّنا إلى طريق الهداية والصواب، وهذه نعمة عظيمة بلا شك تحتاج منا إلى شكر الله عليها، ويكون الشكر بدعوة الناس إلى هذا الدين العظيم وخدمة الإسلام والمسلمين بطرق كثيرة ومختلفة، ولكنها تحتاج منا إلى الجد والمثابرة والأهم من ذلك كله الإخلاص.. ومن أعظم ما يعود علينا من خدمة الإسلام الأجر والثواب من الله - تعالى -، والتسديد والتوفيق، وتقليل الفساد والمفسدين وزيادة نسبة الالتزام بين المسلمين.
أيها الأخوة الأعزاء :
العمل للإسلام لا ينحصر في الخطبة أو المحاضرة , ولا يقتصر على الدعاة والعلماء , بل هو مسؤولية الجميع , حكاما ومحكومين , كل في موقعه , وبحسب قدرته واستطاعته امكانياته المتاحة , المعلم في مدرسته , والموظف في مكتبه , والطبيب في عيادته , ورجل المرور في شارعه , وهكذا , ماذا تريدون بعد ذلك؟!! والله! لا يترك هذا المجال الفسيح إلا مخذول محروم، ابذل أي شيء، أهل الباطل يتحركون بكل قوة، وأهل الحق وأهل التوحيد في تقاعس مرير، بالله عليكم: ماذا لو تحرك هذا الجمع الذي يتكون من الآلاف بين يدي، ماذا لو تحرك كل هذا الجمع ليتحولوا إلى دعاة صادقين في مواقع الأعمال، ومواطن الإنتاج، وعلى كراسي الوظائف؟ ماذا يكون لو تحولوا جميعاً إلى دعاة صادقين لدين الله - جل وعلا -؟.
إننا نريد من كل واحد منّا أن يفكّر هل يمكن أن يقدّم نموذجًا في الحفاظ على الوقت أو القراءة أو الحرص على صلاة الجماعة!! أو نموذجًا في الصدق أو التواضع أو خدمة المجتمع أو بر الوالدين أو الغيرة على حرمات الله تعالى أو نصح المسلمين؟! وحين يتمكّن 5% منّا تمثُّل هذه الفكرة وتطبيقها ثم نشرها والدعوة إليها فإنني أعتقد جازمًا أن وجه العالم سيتغيّر تغيّرًا واضحًا"
. لابد أن يكون لكل واحد منا مشروعا يخدم به الإسلام , وهذا المشروع لابد أن يتناسب أولاً مع قدراتك وإمكاناتك، ثم تعيش همّه في كل لحظة من حياتك، ثم تبذل له جميع ما تملك من فكر وعمل ومتابعة .
أيها المسلم: أودّ أن أقرّب لك الصورة أكثر، في السنة النبويّة ورد ذكر امرأة كان لها مشروعها الشخصي الخاص، أتدري ما هو مشروعها؟! كانت تقمّ المسجد، هذا هو مشروعها، كانت تحرص على أن يكون مسجد رسول الله نظيفًا، وهي بهذا تشارك في خدمة هذا الدين، وفي النهاية رحلت من الأرض، ماتت في ساعة متأخرة من الليل، غسلها الصحابة ودفنوها ولم يخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظنًا منهم أنها ليست بذات الشأن، وفي الصباح دخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى مسجده فتلفّت فلم يرَ المرأة، فسأل عنها فأخبروه أنها ماتت، فقال: "أفلا آذنتموني؟!"، أي: أخبرتموني، قالوا: إنها ماتت في ساعة متأخرة، فيقوم -صلى الله عليه وسلم- متوجّهًا إلى المقبرة، ويتبعه الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-، ويقف على قبرها ويصلي عليها، ثم يقول: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينوّرها بصلاتي عليهم". ولا يُعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تتبع جنازة امرأة غير هذه، ما يدلّك على عظمة صاحب المشروع .
وهذا رجل آخر كان له مشروعه الخاصّ به، فتح الله تعالى عليه ورزَقه مالاً، وأراد أن يكونَ شيئًا، فصار يداين الناس وييسّر عليهم في القضاء، فيرسل رسوله ليأخذَ دينه لكنه كان يرسله ويذكره بقوله: خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا، ثم مرّت الأيام ومات الرجل، فلقي الله تعالى وسأله الله تعالى: هل عملت خيرًا قط؟! قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له: خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله تعالى يتجاوز عنا، فقال الله تعالى: قد تجاوزت عنك.
أيها المسلم: خذ سيرة أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، صحابي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ملأ الدنيا ذكرًا وصيتًا وحياة، وتأمل سيرته كاملة، لا تجد فيها سوى مشروع واحد كوّن له هذا الصيت في الأرض، لقد كان مشروعه حِفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يغادر الدنيا حتى تجاوزت محفوظاته خمسة آلاف حديث، ولا يكاد يذكر نبيّك -صلى الله عليه وسلم- اليوم في مجلس إلا وجدت لصيقه هذا الصحابي الجليل.
وهكذا هي المشاريع تجعل من أصحابها كبارًا لهذه الدرجة الكبيرة، لكن ينبغي أن تعلم أن هذا ما جاء من غفلة أو نوم أو انشغال بظروف خاصة، بل جاء من عمل وتعب نال به هذه المنزلة الرفيعة، يقول -رضي الله عنه- حاكيًا ذلك: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله الموعد، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكينًا ألزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا: "لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا"، فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فو الذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا. أيها المسلم: قف مع نفسك لحظات، فرّغ ذهنك من ضجيج الدنيا، وتأمل واسأل نفسك هذا السؤال: ما مشروعي الذي أدخل من خلاله إلى الجنة؟! ما المشروع الذي يتناسب مع قدراتي وظروفي وحياتي لأكون رقمًا كبيرًا في ذاكرة هذا الدين في يوم من الأيام؟! ثم إذا توصلت لذلك استخر ربك، وشاور صحبك، وجرّب، حاول، ثم ادع الله تعالى بالتوفيق. ولا يسعني هنا إلا أن أقول لك: هنيئًا فقد وضعت قدمك على بداية الطريق، والملتقى الجنان -إن شاء الله تعالى-.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعد: أيها الاخوة الأعزاء :
اذكر لكم بعض اصحاب المشاريع من المعاصرين ممن عاشوا زماننا ومكاننا وحياتنا حتى نتأمل الصورة أكثر، فلم تكن المشاريع حصرًا على أفراد في ذاكرة التاريخ، كلا، وإنما هي كذلك ممتدة حتى تاريخنا الذي أحدثك به. خذ على سبيل المثال الألباني -رحمه الله تعالى-، مشروعه لا يغيب عن ذاكرة أيّ إنسان في عصرنا الحاضر، مشروعه تحقيق الحديث النبوي، بما تجزم معه اليوم أنك لا تجد عالمًا أو متعلمًا على ظهر الأرض إلا وكُتُب هذا العَلَم أحد مراجعه في التحقيق.
ولعلك تسأل: كيف بدأ الألباني؟! وأخبرك أنه كان في صغره عاملاً يصلح الساعات وليس له هم إلا تلك الصنعة ، حتى وقعت بين يديه إحدى المجلات وجد فيها فكرة المشروع، ثم أقبل على هذا المشروع حتى ملأ الدنيا أثرًا وتأثيرًا.
لعلك تحتاج إلى مثال آخر، عبد الرحمن السّميط طبيب كويتيّ، أراد أن يكون مشروعه الخاصّ الدعوة إلى الله تعالى، ولعلك تسأل: كيف بدأ؟! يقول: أردت أن أجمع لمشروعي ألف ريال من أجل البداية، وبقيت لمدة ثلاثة أشهر لم أتمكن من جمع ألف ريال. أود هنا أن أنقلك إلى النهاية التي وصل إليها الرجل في مشروع الدعوة إلى الله تعالى، واصَل رحمه الله فذهب إلى إفريقيا يدعو إلى الله تعالى، واسمع إلى تلك النهايات: أسلم على يديه الملايين ، وكانت حصيلة المشاريع التي نفذت في أفريقيا -كما يذكر د. السميط- حتى أواخر عام 2002م: بناء 1200 مسجد، دفع رواتب 3288 داعية ومعلما شهريا، رعاية 9500 يتيم، حفر 2750 بئرا ارتوازية ومئات الآبار السطحية في مناطق الجفاف التي يسكنها المسلمون، بناء 124 مستشفى ومستوصفا، توزيع 160 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس، توزيع أكثر من 51 مليون نسخة من المصحف، طبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغات أفريقية مختلفة، بناء وتشغيل 102 مركز إسلامي متكامل، عقد 1450 دورة للمعلمين وأئمة المساجد، دفع رسوم الدراسة عن 95 ألف طالب مسلم فقير، تنفيذ وتسيير عدة مشاريع زراعية على مساحة 10 ملايين متر مربع، بناء وتشغيل 200 مركز لتدريب النساء، تنفيذ عدد من السدود المائية في مناطق الجفاف، إقامة عدد من المخيمات الطبية ومخيمات العيون للمحتاجين مجانا للتخفيف على الموارد الصحية القليلة في إطار برنامج مكافحة العمى، تقديم أكثر من 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الدول الغربية (تخصصات طب، هندسة، تكنولوجيا). ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم".
أيها المسلم: لعلك تسأل: ما المشاريع التي يمكن أن يبدأ فيها الإنسان ويحقق بها أمثال هذه الأحلام؟! ولعل من نافلة القول أن أذكّرك بمشروع تربية الأبناء في البيت وجعلهم مشروع الإنسان الشخصيّ تعليمًا وتربية، وما يدريك أن يكون منهم علَم الأمة ومجدّدها في الأيام القادمة.
خدمة الناس وتفريج كروبهم وعونهم مشروع كبير يمكنك تحقيقه من خلال المشاركة في جمعيات البر، وهو مشروع فيه قول رسولك -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله".
تعليم الناس كتاب الله تعالى قراءة وحفظًا مشروع ضخم فيه قول رسولك -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال المشاركة في جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.
الصلح بين المسلمين وجمع شمل المتخاصمين مشروع يمثل أهميته قول الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء: 114].
الدعوة علي الانترنت يمكن أن يكون مشروعك , الفيس بووك , والتوتير واليوتيوب , والو أتساب , وغيرها من برامج التواصل والتي يمكن من خلالها الوصول الى الملايين .
يا معشر الشباب : أنتم تتواصلون مع جمهور كبير يفوق ما يجتمع في المساجد لصلاة , فهل بلغتم ؟ الم يقل النبي صلوات الله وسلامه عليه : (بلغوا عني ولو آية ) فهل بلغت ؟
الم يقل لنعيم بن مسعود (خذل عنا ما استطعت) فهل خذلت ؟ ماذا قدمت لدين ؟ ما هو مشروعك الذي ستدخل من خلاله الى الجنة ؟ غرتم للفن , لكرة القدم , وغرتم و غرتم وغرتم فهل غرتم للإسلام , وعرفتم بالدين ؟ الدعوة على النت مشروع عظيم , لماذا ؟
لماذا الإنترنت ؟
لأنه أصبح بإمكانك إطلاع العالم بأسره وتعريفه بدينك الذي يقوم بعض الناس بتشويه صورته يومياً باستخدام تقنيات العصر ومنها (الإنترنت) إن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جمعياً بلا حواجز فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته ، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا ، ويكونوا شهداء على الناس ، ويا له من مشروع يمكن أن تكونَ من خلاله شيئًا كبيرًا في تاريخ نفسك. فلا تقزّم نفسك وترى بأنك لست أهلاً لذلك، فقط أدعوك للتفكير بصدق، والتأمل حقيقة، ثم ابدأ الخطوة الأولى مهما كانت ظروفك، وقريبًا ستعانق الأفراح بإذن الله تعالى. ألا وصلوا وسلموا على خير البرية...
من نعم الله علينا أن أكرمنا بنعمة الإسلام، ودلّنا إلى طريق الهداية والصواب، وهذه نعمة عظيمة بلا شك تحتاج منا إلى شكر الله عليها، ويكون الشكر بدعوة الناس إلى هذا الدين العظيم وخدمة الإسلام والمسلمين بطرق كثيرة ومختلفة، ولكنها تحتاج منا إلى الجد والمثابرة والأهم من ذلك كله الإخلاص.. ومن أعظم ما يعود علينا من خدمة الإسلام الأجر والثواب من الله - تعالى -، والتسديد والتوفيق، وتقليل الفساد والمفسدين وزيادة نسبة الالتزام بين المسلمين.
أيها الأخوة الأعزاء :
العمل للإسلام لا ينحصر في الخطبة أو المحاضرة , ولا يقتصر على الدعاة والعلماء , بل هو مسؤولية الجميع , حكاما ومحكومين , كل في موقعه , وبحسب قدرته واستطاعته امكانياته المتاحة , المعلم في مدرسته , والموظف في مكتبه , والطبيب في عيادته , ورجل المرور في شارعه , وهكذا , ماذا تريدون بعد ذلك؟!! والله! لا يترك هذا المجال الفسيح إلا مخذول محروم، ابذل أي شيء، أهل الباطل يتحركون بكل قوة، وأهل الحق وأهل التوحيد في تقاعس مرير، بالله عليكم: ماذا لو تحرك هذا الجمع الذي يتكون من الآلاف بين يدي، ماذا لو تحرك كل هذا الجمع ليتحولوا إلى دعاة صادقين في مواقع الأعمال، ومواطن الإنتاج، وعلى كراسي الوظائف؟ ماذا يكون لو تحولوا جميعاً إلى دعاة صادقين لدين الله - جل وعلا -؟.
إننا نريد من كل واحد منّا أن يفكّر هل يمكن أن يقدّم نموذجًا في الحفاظ على الوقت أو القراءة أو الحرص على صلاة الجماعة!! أو نموذجًا في الصدق أو التواضع أو خدمة المجتمع أو بر الوالدين أو الغيرة على حرمات الله تعالى أو نصح المسلمين؟! وحين يتمكّن 5% منّا تمثُّل هذه الفكرة وتطبيقها ثم نشرها والدعوة إليها فإنني أعتقد جازمًا أن وجه العالم سيتغيّر تغيّرًا واضحًا"
. لابد أن يكون لكل واحد منا مشروعا يخدم به الإسلام , وهذا المشروع لابد أن يتناسب أولاً مع قدراتك وإمكاناتك، ثم تعيش همّه في كل لحظة من حياتك، ثم تبذل له جميع ما تملك من فكر وعمل ومتابعة .
أيها المسلم: أودّ أن أقرّب لك الصورة أكثر، في السنة النبويّة ورد ذكر امرأة كان لها مشروعها الشخصي الخاص، أتدري ما هو مشروعها؟! كانت تقمّ المسجد، هذا هو مشروعها، كانت تحرص على أن يكون مسجد رسول الله نظيفًا، وهي بهذا تشارك في خدمة هذا الدين، وفي النهاية رحلت من الأرض، ماتت في ساعة متأخرة من الليل، غسلها الصحابة ودفنوها ولم يخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظنًا منهم أنها ليست بذات الشأن، وفي الصباح دخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى مسجده فتلفّت فلم يرَ المرأة، فسأل عنها فأخبروه أنها ماتت، فقال: "أفلا آذنتموني؟!"، أي: أخبرتموني، قالوا: إنها ماتت في ساعة متأخرة، فيقوم -صلى الله عليه وسلم- متوجّهًا إلى المقبرة، ويتبعه الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-، ويقف على قبرها ويصلي عليها، ثم يقول: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينوّرها بصلاتي عليهم". ولا يُعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تتبع جنازة امرأة غير هذه، ما يدلّك على عظمة صاحب المشروع .
وهذا رجل آخر كان له مشروعه الخاصّ به، فتح الله تعالى عليه ورزَقه مالاً، وأراد أن يكونَ شيئًا، فصار يداين الناس وييسّر عليهم في القضاء، فيرسل رسوله ليأخذَ دينه لكنه كان يرسله ويذكره بقوله: خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا، ثم مرّت الأيام ومات الرجل، فلقي الله تعالى وسأله الله تعالى: هل عملت خيرًا قط؟! قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له: خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله تعالى يتجاوز عنا، فقال الله تعالى: قد تجاوزت عنك.
أيها المسلم: خذ سيرة أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، صحابي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ملأ الدنيا ذكرًا وصيتًا وحياة، وتأمل سيرته كاملة، لا تجد فيها سوى مشروع واحد كوّن له هذا الصيت في الأرض، لقد كان مشروعه حِفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يغادر الدنيا حتى تجاوزت محفوظاته خمسة آلاف حديث، ولا يكاد يذكر نبيّك -صلى الله عليه وسلم- اليوم في مجلس إلا وجدت لصيقه هذا الصحابي الجليل.
وهكذا هي المشاريع تجعل من أصحابها كبارًا لهذه الدرجة الكبيرة، لكن ينبغي أن تعلم أن هذا ما جاء من غفلة أو نوم أو انشغال بظروف خاصة، بل جاء من عمل وتعب نال به هذه المنزلة الرفيعة، يقول -رضي الله عنه- حاكيًا ذلك: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله الموعد، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكينًا ألزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا: "لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا"، فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فو الذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا. أيها المسلم: قف مع نفسك لحظات، فرّغ ذهنك من ضجيج الدنيا، وتأمل واسأل نفسك هذا السؤال: ما مشروعي الذي أدخل من خلاله إلى الجنة؟! ما المشروع الذي يتناسب مع قدراتي وظروفي وحياتي لأكون رقمًا كبيرًا في ذاكرة هذا الدين في يوم من الأيام؟! ثم إذا توصلت لذلك استخر ربك، وشاور صحبك، وجرّب، حاول، ثم ادع الله تعالى بالتوفيق. ولا يسعني هنا إلا أن أقول لك: هنيئًا فقد وضعت قدمك على بداية الطريق، والملتقى الجنان -إن شاء الله تعالى-.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعد: أيها الاخوة الأعزاء :
اذكر لكم بعض اصحاب المشاريع من المعاصرين ممن عاشوا زماننا ومكاننا وحياتنا حتى نتأمل الصورة أكثر، فلم تكن المشاريع حصرًا على أفراد في ذاكرة التاريخ، كلا، وإنما هي كذلك ممتدة حتى تاريخنا الذي أحدثك به. خذ على سبيل المثال الألباني -رحمه الله تعالى-، مشروعه لا يغيب عن ذاكرة أيّ إنسان في عصرنا الحاضر، مشروعه تحقيق الحديث النبوي، بما تجزم معه اليوم أنك لا تجد عالمًا أو متعلمًا على ظهر الأرض إلا وكُتُب هذا العَلَم أحد مراجعه في التحقيق.
ولعلك تسأل: كيف بدأ الألباني؟! وأخبرك أنه كان في صغره عاملاً يصلح الساعات وليس له هم إلا تلك الصنعة ، حتى وقعت بين يديه إحدى المجلات وجد فيها فكرة المشروع، ثم أقبل على هذا المشروع حتى ملأ الدنيا أثرًا وتأثيرًا.
لعلك تحتاج إلى مثال آخر، عبد الرحمن السّميط طبيب كويتيّ، أراد أن يكون مشروعه الخاصّ الدعوة إلى الله تعالى، ولعلك تسأل: كيف بدأ؟! يقول: أردت أن أجمع لمشروعي ألف ريال من أجل البداية، وبقيت لمدة ثلاثة أشهر لم أتمكن من جمع ألف ريال. أود هنا أن أنقلك إلى النهاية التي وصل إليها الرجل في مشروع الدعوة إلى الله تعالى، واصَل رحمه الله فذهب إلى إفريقيا يدعو إلى الله تعالى، واسمع إلى تلك النهايات: أسلم على يديه الملايين ، وكانت حصيلة المشاريع التي نفذت في أفريقيا -كما يذكر د. السميط- حتى أواخر عام 2002م: بناء 1200 مسجد، دفع رواتب 3288 داعية ومعلما شهريا، رعاية 9500 يتيم، حفر 2750 بئرا ارتوازية ومئات الآبار السطحية في مناطق الجفاف التي يسكنها المسلمون، بناء 124 مستشفى ومستوصفا، توزيع 160 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس، توزيع أكثر من 51 مليون نسخة من المصحف، طبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغات أفريقية مختلفة، بناء وتشغيل 102 مركز إسلامي متكامل، عقد 1450 دورة للمعلمين وأئمة المساجد، دفع رسوم الدراسة عن 95 ألف طالب مسلم فقير، تنفيذ وتسيير عدة مشاريع زراعية على مساحة 10 ملايين متر مربع، بناء وتشغيل 200 مركز لتدريب النساء، تنفيذ عدد من السدود المائية في مناطق الجفاف، إقامة عدد من المخيمات الطبية ومخيمات العيون للمحتاجين مجانا للتخفيف على الموارد الصحية القليلة في إطار برنامج مكافحة العمى، تقديم أكثر من 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الدول الغربية (تخصصات طب، هندسة، تكنولوجيا). ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم".
أيها المسلم: لعلك تسأل: ما المشاريع التي يمكن أن يبدأ فيها الإنسان ويحقق بها أمثال هذه الأحلام؟! ولعل من نافلة القول أن أذكّرك بمشروع تربية الأبناء في البيت وجعلهم مشروع الإنسان الشخصيّ تعليمًا وتربية، وما يدريك أن يكون منهم علَم الأمة ومجدّدها في الأيام القادمة.
خدمة الناس وتفريج كروبهم وعونهم مشروع كبير يمكنك تحقيقه من خلال المشاركة في جمعيات البر، وهو مشروع فيه قول رسولك -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله".
تعليم الناس كتاب الله تعالى قراءة وحفظًا مشروع ضخم فيه قول رسولك -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال المشاركة في جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.
الصلح بين المسلمين وجمع شمل المتخاصمين مشروع يمثل أهميته قول الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء: 114].
الدعوة علي الانترنت يمكن أن يكون مشروعك , الفيس بووك , والتوتير واليوتيوب , والو أتساب , وغيرها من برامج التواصل والتي يمكن من خلالها الوصول الى الملايين .
يا معشر الشباب : أنتم تتواصلون مع جمهور كبير يفوق ما يجتمع في المساجد لصلاة , فهل بلغتم ؟ الم يقل النبي صلوات الله وسلامه عليه : (بلغوا عني ولو آية ) فهل بلغت ؟
الم يقل لنعيم بن مسعود (خذل عنا ما استطعت) فهل خذلت ؟ ماذا قدمت لدين ؟ ما هو مشروعك الذي ستدخل من خلاله الى الجنة ؟ غرتم للفن , لكرة القدم , وغرتم و غرتم وغرتم فهل غرتم للإسلام , وعرفتم بالدين ؟ الدعوة على النت مشروع عظيم , لماذا ؟
لماذا الإنترنت ؟
لأنه أصبح بإمكانك إطلاع العالم بأسره وتعريفه بدينك الذي يقوم بعض الناس بتشويه صورته يومياً باستخدام تقنيات العصر ومنها (الإنترنت) إن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جمعياً بلا حواجز فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته ، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا ، ويكونوا شهداء على الناس ، ويا له من مشروع يمكن أن تكونَ من خلاله شيئًا كبيرًا في تاريخ نفسك. فلا تقزّم نفسك وترى بأنك لست أهلاً لذلك، فقط أدعوك للتفكير بصدق، والتأمل حقيقة، ثم ابدأ الخطوة الأولى مهما كانت ظروفك، وقريبًا ستعانق الأفراح بإذن الله تعالى. ألا وصلوا وسلموا على خير البرية...
رشيد بن ابراهيم بوعافية
ماشاء الله . بارك الله فيك أستاذ عادل ، خطبة جليلةٌ محرّكة أحسنت فيها الاقتراض و الاقتباس ، و أضفيت عليها بصمات شخصية رائعة ، وهذا هو عمل الخطيب اللبيب . بارك الله فيك وفي قلبك ولسانك .
تعديل التعليق