ماذا تعرف عن عثمان بن عفان للدكتور صالح مبارك دعكيك

شادي باجبير
1444/08/19 - 2023/03/11 22:40PM

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: ماذا تعرف عن عثمان بن عفان، د. صالح مبارك دعكيك، مسجد آل ياسر، المكلا 10/3/2023م
*الحمد لله رب العالمين .
عباد الله: لقد اصطفى الله نبيه محمدا من بين خلقه ليكون خاتم النبيين وإمام المرسلين، واختار من بين المؤمنين به حواريين وأصحاب؛ ليحملوا لواء دعوته علما وعملا، فكان منهم وزاؤه وخلفاؤه، ومنهم: الصديق أبوبكر صديقه وصاحبه في الغار، والفاروق عمر، الذي فرق الله به بين الحق والباطل فجهر بالدعوة فجعل ليلها كالنهار، وذو النورين عثمان، الذي جمع الله فيه الفضائل فهو للأمة كلها منار، وعلي ذو السبطين حمل على كاهله الحق ونافح دونه، عليه السلام وعلى آل بيته الأطهار.
أولئك آبائي فجئني بمثلهمُ ……إذا جمعتنا يا جرير المجامع
واليوم نقف مع أحد هؤلاء الأربعة من أصحاب المقامات الشامخة، ذي الفضائل العالية الجلية، إنه التقي النقي الحيي ذو النورين، وزوج الابنتين، وصاحب الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، وثالث خليفة للمسلمين، ورابع أربعة أسلموا على ظهر الأرض.
قرابته للنبي ﷺ من ثلاث جهات: فيجتمع مع النبي ﷺ من جهة الأب في "عبد مناف"، وهو الجد الثالث للنبي ﷺ ، وقرابته من جهة أمه "أروى بنت كريز" ، وأمها أم حكيم، وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله ﷺ، ثم نال القرابة القريبة من نبي هذه الأمة فكان صهراً للنبي ﷺ فزوجه أولاً رقية، فلما ماتت بعد بدر زوجه أختها أم كلثوم، فلما ماتت روي أنه قال: لو لي ثالثة لزوجت عثمان، وقد نص العلماء أنه لم يتفق لأحد أن نكح ابنتي نبي غير عثمان رضي الله عنه.
جمع الفضائل والمحاسن دقها وجلها، وحوى المحامد والعلا
جَمَع الفضائل كلَّها فكأنما *** أَضحى لشخص المَكْرُماتِ مِثالا
روى البخاري (3674) ومسلم (1868) من حديث أبي موسى الأشعري، أنه توضأ في بيته ثم خرج، فقال: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج، وجه هاهنا، قال فخرجت على أثره أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، قال: فجلست عند الباب، وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، قال: فسلمت عليه، ثم انصرفت فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال أبو بكر: فقلت: على رسلك، قال: ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له، وبشره بالجنة» قال فأقبلت حتى قلت: لأبي بكر ادخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، معه في القف، ودلى رجليه في البئر، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان - يريد أخاه - خيرا يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت: هذا عمر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فجئت عمر فقلت: أذن ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالجنة، قال فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف، عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا - يعني أخاه - يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان فقلت: على رسلك، قال وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة، مع بلوى تصيبه» قال فجئت فقلت: ادخل، ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك، وفي بعض الروايات قال: "نصبر، والله المستعان!.
إنه خبر النبوة الصادق، فلما حاصر الأوباش الموتورون عثمان في بيته علم أنها تلك البلوى التي ذكرها حبيبه ﷺ فصبر واحتسب، ومنع الصحابة أن يدافعوا عنه.
وفي صحيح مسلم (2401) أن عائشة، قالت: كان رسول الله ﷺ مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله ﷺ ، وسوى ثيابه - قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»!!
أكرم بها من شهادة لعثمان، لو لم يخرج عثمان من الدنيا إلا بها لكفته شرفاً وفخراً في الدنيا والآخرة.
إن الناس يؤمرون أن يستحيوا من الملائكة كما في الحديث عند الترمذي (2808): (أن معكم من لا يفارقكم فاستحيوهم)، أما الحيي التقي عثمان فإن الملائكة هي الت تستحيي منه، أي سمو رفعة ومنزلة هذه بلغها عثمان؟
إنه عثمان الحياء، وعثمان العفة، وكم تحتاج أمتنا اليوم إلى عفة عثمان وحياء عثمان، في وقت تنحر فيه العفة، ويهتك فيه الحياء، إننا جميعا بحاجة -رجالا وشبابا وفتيات – لنكون كلنا عثمان، حياء وعفة وخلقا.
فَلا وَاللَّهِ مَا فِي العَيْشِ خَيْرٌ *** وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ *** وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
في السنة السادسة للهجرة النبوية عزم رسول الله ﷺ على العمرة بعد رؤيا رآها، فخرج معتمرا عمرة الحديبية، وحينما سمعت قريش بمقدم رسول الله ﷺ معتمرا للبيت، منعته من أداء العمرة، فأرسل إليهم عثمان ( مفاوضا، فاحتبسوا عثمان وأخروه للمشاورة، فأشيع بين المسلمين أنهم قتلوا عثمان، فدعا رسول الله للبيعة على الموت، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فبايعه من كلن معه، فقال النبي ﷺ (هذه يد عثمان) يعني يده اليمنى فضرب بها يده الأخرى. يقول أنس : فكانت يد رسول الله ﷺ لـعثمان خير من أيديهم لأنفسهم. والحديث رواه الإمام الترمذي بسند حسن، وأصله في البخاري.
فأعظم به من شرف يناله عثمان، فلما عاد عثمان بايع أيضا، قال الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً). و أثني الله جل وعلا على أهل بيعة بقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) .
إن عثمان ابن عفان هو ذلك الشهيد المظلوم المفترى عليه، المقتول ظلما، روى البخاري في صحيحه (3675)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ صعد أحدا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فرجف بهم، فقال: «اثبت أحد فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان». والنبي هو: محمد صلى الله عليه وسلم، والصديق: هو أبو بكر ، والشهيدان هما: عمر وعثمان رضي الله عنهما.
أي عظمة في رجل يمشي بين الناس، وهو يعلم مبشر بالجنة ، ومبشر بالشهادة ، وهو كامل التواضع والحياء.
أيها الأحبة:
أما عن عثمان العطاء والجود والكرم، فهذا أمر غاية في العجب، فقد كان عثمان من ذوي الأموال، ولكن المال عند عثمان ليس غنيمة، وإنما وسيلة للجهاد والدعوة ونفع المسلمين.
ففي سنن الترمذي (3703) والنسائي (3608) عن عثمان أن رسول الله ﷺ قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة؟ فقال: « من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة» ولم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن، فاشتريتها من صلب مالي، فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل). حسنه الألباني في الإرواء: 1594.
وفي السنة التاسعة للهجرة تترامي الأنباء إلى المدينة بإعداد الرومان للقيام بغزوة ضد المسلمين، فاستنفر رسول الله الناس لغزوة تبوك، في وقت الحر فيه شديد، والسفر بعيد، والعدد كبير، ولم يكن سلاح ولا عتاد ولا نفقات! فحض ﷺ ورغب على النفقة، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستحثهم على البذل والعطاء للجهاد، وخطب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مسجده داعياً للنفقة، فقال عثمان: عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا،ثم حثَّ النبيُّ ﷺ ، فقال عثمان: عَلَيَّ مِائَةُ أُخرى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا. ثم نزل النبي ﷺ من منبره، ثم صعد فحث على النفقة،، فقال عثمان: عَلَيَّ مِائَةُ أُخرى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا.
ثم جاء الرجل المعطاء عثمان بسبع مائة أوقية، فصبها بين يدي رسول الله ﷺ ، ثم جاءه بعد ذلك بخمسين فرساً.
ثم جاءه مرة أخرى بألف دينار فنثرها في حجر رسول الله ﷺ ، فجعل وجه النبي ﷺ يتهلل فرحا وهو يقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم، ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. وأصل الحديث في البخاري، ورواياته في مسند لأحمد والترمذي الترمذي بسند حسن.
إن الجود هو جود القلوب التي كقلب عثمان، فإذا جاد القلب جادت الأيدي، ولم تخف من نقص المال، وقد أقسم ﷺ على ذلك فقال: (ما نقص مال عبد من صدقة) الترمذي (2325) وصححه.
لقد عرف ابن عفَّان كيف يجمع المال، ولكنَّه أيضاً عرف جيِّداً كيف يجعل هذا المال جسراً لجنات الخلود.
إن عثمان رضي الله عنه وسرته مدرسة مليئة بالدروس والعبر للأمة جمعاء، فاللم ارض عن عثمان ورضنا معه يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفرالله العظيم لي ولكم.


((الخطبة الثانية))
لقد كان عثمان رضي الله عنه مثالا للزهد والورع والعبادة، كان صواما قواما، وثبت عنه أنه كان يقوم الليلة يقرأن القرآن في ركعتين.
وكان سهل المعاشرة، تألفه القلوب، وتحبه الأفئدة، فاجتمعت القلوب على محبته، قال الشعبي: "كان عثمان في قريش محببا يوصون إليه ويعظمونه".
حتى إنَّ المرأةَ من قريش كانت تُرَقِّص صبِيَّها الصغيرَ وتلعب معه، وتقولُ:
أُحِبُّكَ والرَّحمنْ ♦♦♦ حُبَّ قُرَيشَ لِعُثْمانْ.
اختار الناس عثمان خليفة للمسلمين باتفاق بعد مقتل عمر رضي الله عنهم، وحكم اثنتي عشرة سنة، قال الإمام أحمد: ما اجتمعوا على بيعة أحد كما اجتمعوا على بيعة عثمان.
فسار عثمان رضي الله عنه في الناس سيرة العدل والتقى والصلاح والرحمة والحزم، وازدادت الفتوحات الإسلامية في زمنه واتسعت رقعة الخلافة الإسلامية اتساعاً كبيراً، وحصل للمسلمين من سعة العيش والرفاهية والأمن والمودة فيما بينهم شيء عظيم، وفي ذلك يقول الحسن البصري: "شهدت منادي عثمان ينادي: يا أيها الناس، اغدوا على كسوتكم فيأخذون الْحُلَل، واغدوا على السمن والعسل". قال الحسن: " أرزاق دارَّة، وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا إلا يوده وينصره ويألفه".
ولكن أعداء الملة، والحاقدين على الإسلام لم يطيقوا تلك السكينة والأمن ورغد العيش، فظهر ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي –الذي انتحل الإسلام ظاهرا- وبدأ بدعوته الخبيثة الماكرة، لتشويه الخليفة، والمكر على الخلافة، وبدأوا يوغرون صدور الغرباء والبعداء والسفهاء عليه.
وفي شهر ذي القعدة من السنة الخامسة والثلاثين تجمعت تلك العصابات المارقة من الكوفة والبصرة ومصر، و أنهم قادمون للعمرة، وهم يهدفون إزاحة عثمان من الخلافة، فلقيهم عثمان رضي الله عنه، فتحاور مهم في المسجد وسمع منهم، ولكن القوم عازمون على تنفيذ خطتهم
وكان عثمان يعلم وصية النبي ص له في ذلك،، وعلم عثمان لإصرارهم على ذلك، وكان قد فطن لخبر النبي ﷺ ، فقد روى الترمذي (3705) وصححه من حديث عائشة، أن النبي ﷺ قال: « يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم».
وأخرج الإمام أحمد في المسند (5953) والترمذي (3708) وحسنه من حديث ابن عمر قال: ذكر رسول الله ﷺ فتنة، فمر رجل فقال: " يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما "، قال: فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان.
ثم غدر المنافقون فحاصروه في داره، ليخلع الخلافة، وضيقوا عليه الحصار فأراد الصحابة وأبناؤهم الدفاع عن خليفتهم ،فمنعم عثمان بشدة، وأمرهم بإلقاء السلاح، حتى لا يراق دم مسلم بسببه، ثم وثبوا عليه فقتلوه، وجعل الدم يتناثر على المصحف الذي كان بين يديه، قال ابن كثير: وثبت أن أول قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
وحين بلغ سعد بن أبي وقاص -وكان ذا دعوة المستجابة- خبر مقتل عثمان دعا على من قتله فقال: "اللهم أندمهم، ثم خذهم".
وقد أقسم بعض السلف: أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً. رواه ابن جرير.
ألا قاتل الله من قتل عثمان، وفتح على المسلمين باب شر عظيم، ورضي الله عن عثمان فقد مات شهيدا صابرا أدى ما عليه لربه ودينه وأمته، ضاربا مثلا في تعظيم حرمة دماء المسلمين، وكما أوذي في حياته فإنه اليوم يؤذى في مماته بما يشاع عنه من قالة السوء، وأوصاف السوء تصدر عن قلوب خبيثة، وأقلام حاقدة ، واي انحراف وانتكاس أعظم من أن يذم الرجل رجلا زكاه الله وسوله، ورضي عنه الله ورسوله، فتلك سبيل الضالين المضلين لا سبيل المؤمنين الناصحين.
رضي عن عثمان الشهيد المظلوم، ، ورضي عنه جميع أصحاب نبيه الأبرار الأطهار ، اللهم وأدخلنا معهم وفيهم ، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين،،

المشاهدات 288 | التعليقات 0