ماذا بعد نزول المطر؟

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1438/02/29 - 2016/11/29 13:54PM
ماذا بعدَ نزولِ المطرِ؟
الْحَمْدُ للهِ الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا؛ لِيُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَيُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقَ أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنٍيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فأوصيكُمْ- أيُّها الناسُ- ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، فاتقوهُ اللهَ -عبادَ اللهِ- فإنَّ منِ اتقاهُ ورثَ جنتَهُ: { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا }[مريم:63].
عبادَ اللهِ: إنَّنَا في هذهِ الأيامِ نتقلبُ في نعمِ اللهِ وافرةً، وخيراتٍ عامرةً، سماؤُنا تمطرُ، وشجرُنَا يثمرُ، وأرضُنَا تخضرُ، فتحَ لنَا أبوابَ السماءِ، فعمَّ بغيثِهِ جميعَ أرضِنَا فامتلأتِ السدودِ والوديانِ والنخيلِ والآبارِ وارتوتِ الأرضَ.
أيُّها الناسُ، لا يخفى على أحدٍ ما حصلَ منَ الضررِ بتأخرِ نزولِ الغيثِ في الأعوامِ الماضيةِ، فنحنُ في هذا البلدِ منذُ نحوِ سبعِ سنينَ نشتكي قلةَ المطرِ وانحباسَ القطرِ فالأشجارُ قدْ يبِستْ، والأرضُ قحَطتْ، والنخيلُ قدْ عطِشتْ، والثمارُ قدْ ذبَلَتْ، والمواشي قدْ هُزِلتْ، وقلَّ النباتُ، وارتفعتْ أسعارُ الأعلافِ ،ومنسوبُ مياهِنَا الجوفيةِ غارَ إلى مستوياتٍ متدنيةٍ، فكادَ اليأسُ أنْ يصيبَ القومَ لما رأوْا في مزارعِهمْ وأنعامِهمْ.
فبينَمَا هيَ كذلكَ إذا برحمةِ اللهِ تنزلُ، فأنشأَ منْ غيثِهِ سحابًا وفتحَ منْ رحمتِهِ أبوابًا فعمَّ بغيثِهِ ارجاءَ الأرضِ وكشَفَ بِهِ الكرُباتِ، ورفعَ من القلوبِ خوفَهَا فأصبحتُمْ برزقِهِ مستبشرينَ، وبخيرِهِ وموائدِ برِّهِ فرحينَ، قالَ اللهُ تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[فصلت:39]، وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }[الشورى:28].
إنَّنَا إذا نظرَنَا في أحوالِنَا في الأعوامِ نجدُ أنَّهُ لمْ ينزلْ مطرٌ يذكرُ بلْ جفافٌ وبرودةٌ أهلكتْ الزرعَ والشجرَ، ولمْ يستمتعِ الناسُ بالأجواءِ الربيعيةِ ولا بالرحلاتِ البريةِ وفي نهايةِ الموسمِ خافَ الناسُ وخصوصًا المزارعونَ إذْ كيفَ يستقبلونَ عامًا كاملًا دونَ مطرٍ وهمْ يعرفونَ أنَّ هذا البلدَ قائمٌ بعدَ الربِّ الرحيمِ على المطرِ فكيفَ يسقونَ زرعَهمْ ويحيُوونَ نخيلَهمْ، ولا إلهَ إلا اللهُ.
في لحظةٍ ما حسبَ لها الحاسبونَ ولا رصدَ لها الراصدونَ بينَ صلاتينِ يقلبُ اللهُ الحالَ منْ حالٍ إلى حالٍ، وإذْ بالغيثِ ينزلُ بغزارةٍ غيرَ معهودةٍ، فارتوتْ جميعُ الأوديةِ، وفرحٌ.. وما هيَ إلا دقائقٌ معدودةٌ لا أقولُ ساعاتٍ وإذْ بالبشائرِ يوالي بعضعُها بعضًا ويسابقُ في نقلِهَا عبرَ الاتصالِ تارةً وبرسائلِ الجوالِ تارةً أخرى.
عبادَ اللهِ: لقدْ فرحَ بهذهِ النعمةِ الصغارُ والكبارُ والصالحونَ والمقصرونَ، ومنْ ذا الذي لا يفرحُ بالمطرِ, حتى إنَّكَ لترى البهجةَ والسرورَ في الجميعِ استبشارًا بهذهِ النعمةِ وفرحًا بها؛ حتى سمعْنَا منْ بكى كثيرًا بهذهِ الرحمةِ عندَمَا نزلتْ وعمتْ. حتى قالَ أحدُهمْ: إذا كانَ فرحُ الجميعُ بهذهِ النعمةِ واستبشارُهمْ بها فكيفَ الفرحُ بعفوِهِ ودخولِ جنتِهِ ؟!
إنَّكَ عندَمَا ترى الحشودَ الكبيرةَ منَ السياراتِ وهيَ تتجهُ إلى أماكنِ اجتماعِ السيولِ ونزولِ الأمطارِ، وفيها الرجالُ والنساءُ، الكبارُ والصغارُ ترى وحدةً واحدةً تجمعُهُمْ إنَّها– يا عبادَ اللهِ- الفرحةُ بنزولِ الأمطارِ.
أيُّها الإخوةُ المسلمونَ: إنَّ كونَ اللهِ تعالى هوَ وحدَهُ القادرُ على إنزالِ الغيثِ، أمرٌ يعتقدُهُ كلُّ مسلمٍ بلْ ويعتقدُهُ كثيرٌ منَ المشركينَ. يقولُ سبحانَهُ: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[العنكبوت:63].
ولكنَّ بعضَ المسلمينَ يقعونَ أحيانًا في الخطإِ الفادحِ حينَ ينسبونَ إنزالِ المطرِ إلى غيرِ اللهِ منَ الكواكبِ والأنواءِ وارتفاعِ الضغطِ الجويِّ أوِ انخفاضِهِ أوْ غيرِ ذلكَ منَ الأسبابِ. فعنْ زيدٍ بنِ خالدٍ الجهنيِّ- رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: صلىَّ بنا رسولُ اللهِ  صلاةَ الصبحِ بالحديبيةِ في إثرِ سماءٍ كانتْ منَ الليلِ. فلمَّا انصرفَ أقبلَ على الناسِ فقالَ: «أتدرون ما قال ربكم؟ قال: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ » متفق عليه.
أيُّها المسلمونَ: إنَّ إنزالَ المطرِ ليسَ بالتأكيدِ دليلٌ على رضا اللهِ عنْ خلقِهِ فها هيَ دولُ الكفرِ والضلالِ ينزلُ عليها المطرُ يوميًّا وعلى مدارِ العامِ، ونزولُ المطرِ قدْ يكونُ بسببِ دعوةِ رجلٍ صالحٍ أوْ منْ صبيٍّ أوْ رحمةً بالبهائمِ أوْ قدْ يكونُ استدراجًا منَ اللهِ تعالى لخلقِهِ، وقدْ تكونُ تنبيهًا للمؤمنينَ المقصرينَ لشكرِهِ وحمدِهِ والرجوعِ إليهِ.
وفي أثناءِ فرحتِنَا بهذهِ النعمِ العظيمةِ يحسنُ التنبيهُ على أمورٍ أهمِّهَا :
1. ضبطُ تلكَ الرحلاتُ البريةُ فلا تضيعُ صلاةٌ مكتوبةٌ بلِ المشروعُ التأذينُ لكلِّ صلاةٍ وجمعِ الأهلِ والأولادِ وكلِّ منْ خرجَ للصلاةِ جماعةً.
2. أنْ لا يترتبَ على تتبعِ السيولِ والأمطارِ والبحثِ عنْ مظانِّها الساعاتِ الطويلةَ، والأوقاتُ الكثيرةُ تضييعُ بسببِهَا مشاغلُ الأهلِ والأولادِ.
3. الحذرُ منْ تبرجِ النساءِ أوْ خروجهنَّ بكاملِ زينتهنَّ، أوْ كشفِ الوجهِ أمامَ السياراتِ المارةِ والمتنزهينَ الآخرينَ.
4. القيامُ بالاحتسابِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ بالتي هيَ أحسنُ عندَ الحاجةِ لذلكَ.
5. ألا يكونَ هذا الفرحُ على حسابِ آخرتِنَا فما نراهُ منْ أحبابِنَا الشبابِ منَ العبثِ بالسياراتِ وإيذاءِ الآخرينَ ورفعِ صوتِ الموسيقى الصاخبةِ منَ السيارةِ ينافى شكرَ هذهِ النعمةِ.
6. كمْ هوَ جميلٌ أنْ تشركَ أهلَكَ ووالديْكَ في الاستمتاعِ بمشاهدةِ هذا الخيرِ وألا تقصرَ ذلكَ على أصحابِكَ وأحبابِكَ.
7. عدمُ الغفلةِ عنِ الأبناءِ في ذهابِهمْ معَ منْ يشاءُونَ بحجةِ الاستمتاعِ بهذهِ الأجواءِ فقدْ يستغلُّ ذلكَ ضعافُ النفوسِ في أمورٍ لا تحمدُ عواقبُهَا.
8. وفي هذهِ الأجواءِ يحسنُ التنبيهُ والتأكيدُ بتوخي الحذرِ أثناءَ قيادةِ السيارةِ خاصةً عندَ السفرِ ويتأكدُ عندَ انعدامِ الرؤيةِ أحيانًا فكمْ حصلتْ قبلَ أيامٍ منْ حوادثٍ مروعةٍ مؤلمةٍ.
9. ومثلُهُ كذلكَ الابتعادُ عنْ أماكنِ اجتماعِ السيولِ وعدمِ الاقترابِ منها أوِ السباحةِ فيها خاصةً منْ قبلِ الأطفالِ.
10. منَ المظاهرِ السيئةِ التي تصاحبُ نزولَ الأمطارِ، ما يقومُ بِهِ بعضُ المستهترينَ ممنْ يسيرونَ بسرعةٍ جنونيةٍ في مياهِ الأمطارِ فيؤذونَ المارةِ، ويملئونَ ثيابَهمْ بالأوساخِ .. ألا فليتقِ اللهَ المسلمُ، وليعاملِ الناسَ بمثلِ ما يحبُّ أنْ يعاملوهُ بِهِ، وأنْ يحذرَ كلَّ الحذرِ منْ أذيةِ المسلمينَ في طرقِهمْ، فقدْ قالَ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- كما عندَ الطبرانيِّ بسندٍ حسنٍ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ » أخرجه الطبراني وحسنه الالباني
11. ما يحصلُ منَ البعضِ منْ إفسادٍ للبيئةِ أوِ الاحتطابِ الجائرِ ولا شكَّ أنَّ هذا منَ الإسرافِ والعبثِ، ومنْ عدمِ شكرِ النعمةِ.
12. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: ومما ينبغي التنبيهُ عليهِ- وَلَا سِيَّمَا بعضُ الشَّبَابِ- عندَ ذهابِهم لرُؤْيَةِ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ وَهِيَ تَجْرِي بِالمَاءِ، فَيَقْلِبُ بَعْضُهُمْ سَاعَاتِ الْفَرَحِ والمتعةِ إلَى فَجَائِعَ وَمَصَائِبَ وَأَحْزَانٍ دَائِمَةٍ، بِتَهَوُّرٍ مَجْنُونٍ، وَمُغَامَرَاتٍ لَا تُحْسَبُ عَوَاقِبُهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُغَامِرُ بِقَطْعِ الْأَوْدِيَةِ سِبَاحَةً وَالمَاءُ يَجْرِي فِيهَا؛ إمَّا بنفسِهِ أوْ بسيارتِهِ؛ لِيَنَالَ إِعْجَابَ مَنْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ خصوصًا في ظلِّ التوثيقِ والتصويرِ وبثِّهَا في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ فَيَعْلَقُ وَيَغْرَقُ وَيَهْلِكُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يُخَاطِرَ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُخَاطِرَ بِغَيْرِهِ، فَيَأْخُذُ أَصْحَابَهُ أَوْ أَهْلَهُ فِي سَيَّارَتِهِ لِيَقْطَعَ بِهِمْ وَادِيًا يَجْرِي، فَيَجْرِفُهُمُ السَّيْلُ وَطَمْيُهُ حَتَّى يُغْرِقَهُمْ، وَفِي سَنَةٍ مَضَتْ خَاطَرَ شَابٌّ بِأُمِّهِ وَأَخَوَاتِهِ فَجَرَفَ السَّيْلُ سَيَّارَتَهُ، وَمَاتُوا أَمَامَهُ، وَبَقِيَ حَيًّا لِيَعِيشَ الْحَسْرَةَ عَلَيْهِمْ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ وَقَدْ تَسَبَّبَ فِي قَتْلِهِمْ. وَفِي كُلِّ عَامٍ يَسِيلُ النَّاسُ تَنْقَلِبُ أَفْرَاحُ بُيُوتٍ إِلَى أَحْزَانٍ بِسَبَبِ عَبَثِ بَعْضِ أَفْرَادِهَا، وَمُخَاطَرَتِهِمْ بِحَيَاتِهِمْ وَحَيَاةِ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا مِنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ ذَلِكَ.
هذهِ تنبيهاتٌ عابرةٌ حولَ السيولِ والمنتزهاتِ، جعلَنَا اللهُ وإياكُمْ منَ الشاكرينَ لَهُ والذاكرينَ والمتقينَ لَهُ والعابدينَ.
كما لا يفوتُ- أيُّها الإخوةُ- أنْ نثمِّنَ جهودَ الإخوةِ في الجهاتِ الأمنيةِ والقطاعاتِ الخدميةِ على ما بذلوهُ منْ جهودٍ كبيرةٍ على مدارِ الساعةِ للتخفيفِ منَ الآثارِ السلبيةِ عندَ نزولِ الأمطارِ.
نفعني اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبهديِ سيدِ المرسلينَ......الخ

الخطبةُ الثانيةُ:
أحمدُ اللهَ مَالِكَ الْخَزَائِنِ وَالْخَيْرَاتِ، رَبَّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، مُسْدِي النِّعَمِ وَالْبَرَكَاتِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، فَالْخَيْرُ بِيَدَيْهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، « يَمِينُهُ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ » وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ يَفْرَحُ بِرَحْمَةِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَيَسْتَبْشِرُ بِغَيْثِهِ، وَإِذَا مَطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، وَيَخَافُ الْعَذَابَ بِالرِّيحِ وَالْغَيْمِ، فَهُوَ دَائِمُ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، حَتَّى لَقِيَ اللهَ تَعَالَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهمَّ لكَ الحمدُ كلُّهُ، ولكَ الشكرُ كلُّهُ، وإليكَ يُرجعُ الأمرُ كلُّهُ، علانيتُهُ وسرُّهُ، فأهلٌ أنتَ أنْ تُحمدَ، وأهلٌ أنتَ أنْ تُعبدَ، وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٍ.
لكَ الحمدُ كلُّ الحمدِ لا مبدأَ لَهُ

لَهُ ولا منتهًى واللهُ بالحمدِ أعلمُ

أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ :
عبادَ اللهِ: إنَّ نعمةَ إنزالِ اللهِ للمطرِ نعمةٌ امتنَّ اللهُ تعالى على عبادِهِ بها في مواضعَ كثيرةٍ جدًّا منْ كتابِهِ تزيدُ على الثلاثينَ موضعًا. منها قولُه تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }[الشورى:28].
فأكثروا منْ شكرِهِ واحمدوهُ كثيرًا فهوَ سبحانَهُ يحبُّ الشاكرينَ ووعدَ بتتابعِ النعمِ عندَ شكرِهَا: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[إبراهيم:7].
أيُّها المسلمونَ، إنَّ هذا الغيثَ الذي أنزلَهُ اللهُ علينَا لمنْ فضلِ اللهِ ورحمتِهِ، فكلُّنَا يعلمُ أنَّ هذهِ المنطقةِ ليسَ بها أنهارٌ ولا بحارٌ، وأنَّها تعتمدُ- بعدَ اللهِ– على المياهِ الجوفيةِ السطحيةِ التي يغذيها المطرُ، وفي انعدامِهِ انعدامُ المياهِ السطحيةِ، فعلينا
أنْ نقومَ بشكرِهِ وأنْ نستعينَ بِهِ على طاعتِهِ؛ فإنَّ منْ قامَ بشكرِ اللهِ زادَهُ اللهُ، ومنْ كفرَ بنعمةِ اللهِ حرمَهُ اللهُ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[إبراهيم:7].
فاشكروا اللهَ بالثناءِ عليهِ بألسنتِكمْ والتحدثُ بنعمتِهِ، واشكروا اللهَ بالقيامِ بطاعتِهِ امتثالًا للأمرِ واجتنابًا للنهيِ، واشكروا اللهَ بالإنابةِ إليهِ بقلوبِكمْ، واعتقادُ أنَّ هذهِ النعمَ فضلٌ منهُ ورحمةٌ وإحسانٌ : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }[الأعراف:96].
اللهمَّ أعنَّا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ واجعلْ ما رزقتَنَا عونًا لنَا على طاعتِكَ، إنَّكَ خيرُ مسئولٍ.
اللهُ باركَ لنَا في ما رزقَنَا وأعنَّا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ. والحمدُ للهِ الذي بنعمتِهِ تتمُّ الصالحاتُ.
هذا وصلُّوا وسلمُوا على منْ أمرَكمْ بالصلاةِ والسلامِ عليهِ.
المشاهدات 1652 | التعليقات 3

جزى الله خيراً وفضلاً وشكرا الشيخ أحمد على هذه الخطبة الوافية .. حيث وقف بنا على نعمة هي من أجل النعم والتي تستحق منا في المقابل أوفر الشكر وأعظم الثناء .. فلله الحمد أولا وآخرا..


رفع الله قدرك وبارك فيك


بوركت شيخنا وكتب الله لك الأجر والثواب