ماذا بعد رمضان 5-10-1443 *مشكولة*

محمد آل مداوي
1443/10/04 - 2022/05/05 17:50PM

الحمدُ لله؛ (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) ، أحمدُهُ سبحانَهُ وأشكرُه؛ على جَزيلِ الفضلِ والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجَلالِ والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أفضلُ من صلَّى للهِ وصام، ودعا للهِ وقام، عليه من ربِّه أفضلُ صلاةٍ وأزكى سلام، وعلى آل بيتِه الطيبينَ الطاهرين، وعلى أصحَابِه والتابعين، صلاةً دائمةً إلى يوم الدين.. أما بعدُ: فأُوصِيكُم ونفسي بتقوَى الله؛ فمَنِ اتَّقى اللهُ وقاه، ومَن استتَر بسِترِه ستَرَهُ وعافاه.. (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

عبادَ الله: رَحَلَ شهرُكم بأعمالِكم، وخُتِمَ فيهِ على أفعالِكم وأقوالِكم، والليالي والأيامُ والشهور: خَزائنُ حَافِظَةٌ لأعمَالِكم، تُدْعَونَ بها يومَ القيامة، يَجِدُ كلُّ امرئٍ ما قدَّمَ لِنَفْسِه؛ في يومٍ آتٍ لا ريبَ فيه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (هُنالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ) (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا= يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا= يَرَهُ)

يُنادي ربُّكم: (يا عبادي: إنما هيَ أعمالُكم أُحصِيها لكم، ثم أوَفِّيكُم إيَّاها، فمَنْ وَجَدَ خيرًا فَلْيَحْمَدِ الله، ومَنْ وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نفسَه) رواه مسلم.

فاسألوا اللهَ قَبولَ الإحسان، والعفوَ عَنِ الإساءةِ والنُّقصَان.. مَنْ قصَّرَ أو فرَّط؛ فلْيتدَاركْ، ولْيُبَادِرْ؛ واللهُ وحدَهُ يعلمُ كم في العُمْرِ مِنَ الإمهال، ومَنْ ظنَّ أنه قد أحسَن؛ فليَدُمْ على إحسَانِه، ولْيسألِ اللهَ بصِدْق: الإعانةَ على ذلك؛ فإنَّ أحبَّ العَملِ إلى اللهِ أدومُه؛

سُئل رسولُ اللَّهِ r: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّه؟ قال: (أَدْوَمُهُ، وإنْ قَلَّ)

والمُدَاوَمةُ على الأعمالِ الصَّالحةِ سببٌ لمحبةِ اللهِ لعبدِه، ورِضاهُ عنه، وسبَبٌ في حُصولِ المودَّةِ له؛ مِنْ أهلِ الأرضِ والسَّماوات؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)

والمُداوَمةُ على الأعمالِ الصالحة: سببٌ كذلكَ لحُسْنِ الخاتمة؛ فمَنْ داوَمَ على شيءٍ ماتَ عليه، ومَنْ ماتَ على شيءٍ بُعِثَ عليه.

ومِنَ المُدَاوَمةِ على الأعمَالِ الصالِحَةِ بعدَ رمضان: صِيَامُ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ شوَّال، قال r: (مَنْ صَامَ رمضانَ ثم أتبعَهُ سِتًّا مِنْ شوَّال كانَ كصيامِ الدَّهرِ)

فيا مَنْ صَبَرَ عَمَّا أحلَّ الله، بالصيامِ في رمضان: اصبِرْ عَمَّا حرَّمَ سبحانه؛ حتى تَدْخُلَ الجنة، (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، ويا مَنْ عَمَرَ شهرَهُ بالصلاةِ والصَّالحات؛ أدِمْ ذلك ما دُمتَ حيًّا: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)

وليسَ للعَبْدِ مُنتهىً مِنَ عبادةِ ربَّه دونَ الموت.. قال اللهُ جلَّ وعلا لنبيِّه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين) أي: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الموت.

ألا فاتَّقوا اللهَ عباد الله، ولا تَكونوا كالتي نقضَتْ غَزْلَها مِن بَعْدِ قوَّةٍ أنكاثًا.. ما أجملَ الطاعةَ تَعْقُبُها الطاعات، وما أبهى الحسنَةَ تُجمَعُ إليها الحسَنات.. كونوا لِقَبولِ العَمَل؛ أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمَل، فاللهُ لا يَتَقبَّلُ إلاَّ مِنَ المتقين.

كانَ الصَّالحونَ يجتهدونَ في إتمامِ العملِ وإكمَالهِ وإتقانِه، ويخافونَ مِن رَدِّهِ وعدَمِ قَبولِه، قال فُضَالَةُ بنُ عُبيد: "لَأَنْ أعلَم أنَّ اللهَ تقبَّلَ مني مِثقالَ حبَّةٍ مِن خَردَل؛ أحبُّ إليَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)

فاللهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجلالِ والإكرام؛ تقبَّلْ منَّا الصالحات، وضَاعِفْ لنا الحسَنات، وكفِّرْ عنَّا السيئات، واغفِرْ لنا الخطيئات، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.

اقولي قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله، حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهُداهم إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن الـمُداوَمةَ على الطَّاعاتِ والقُرُبات؛ مِنْ سِمَاتِ الأنبياءِ والصّالحين، روى مسلمٌ في صحيحهِ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كان رسولُ الله r إذا عَمِلَ عَمَلاً أثْبَـتَه) أيْ: داوَمَ عليه.

وعن سفيانَ بنِ عبدِ اللهِ الثقفيِّ t أنه قال للنبيِّ r: قُلْ لي في الإسلامِ قولاً لا أَسأَلُ عنه أَحَدًا بَعدَكَ. قال الحبيبُ r: (قُلْ: آمنتُ بِاللهِ، ثم استقِمْ).. فهنيئًا لمن ثَبَتَ واستَقَامَ، وَاستَمَرَّ على الطاعة، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)

ألَا فاتقوا الله عبادَ الله، واشكروا ربَّكُم على تَمَامِ فَرْضِكُم، وافْرَحُوا وابتَهِجُوا؛ بالبَقاءِ على العَهْدِ، وإتْبَاعِ الحسَنةِ بالحسنة، وإيَّاكُم والمجاهرةَ بالمعَاصِي، فذلكَ مَاحِقٌ للنِّعَم، مُنَاقِضٌ لِوَاجبِ الشُّكر، (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)

ثم اعلموا أنَّ من الأعمالِ الصالحة: الإكثارُ من الصلاةِ والسلام على النبيِّ المختار.. اللهم صلّ وسلم على نبيّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزّ الإسلام والمسلمين، وأذِلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ به للبر والتقوى، ووفقه وولي عهده لما فيه صلاح الإسلام وعز المسلمين، يا رب العالمين.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم احفظهم بحفظك التام، واحرسهم بعينك التي لا تنام، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم تقبل منا صيامَنا وقيامَنا وصالح أعمالنا، واجعلنا ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا من عتقائك من النار، يا أرحم الراحمين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1651773025_خطبة 5-10-1443 ماذا بعد رمضان.docx

1651773025_خطبة 5-10-1443 ماذا بعد رمضان.pdf

1651773025_خطبة_5_10_1443_ماذا_بعد_رمضان_نسخة_الجوال.pdf

المشاهدات 1977 | التعليقات 1

الله يكتب اجرك خطبة موفقة ومباركة