ماذا بعد العشر المباركة وصايا وتوجيهات
عبدالرحمن اللهيبي
هذه الخطبة من منقول القول بجمع وتصرف نفع الله بها وجعلها خالصة لوجهه الكريم
الحمد لله الذي عمّت رحمته كل خير ووسعت، وتمّت نعمته على العباد وعظمت، نحمده على نعمٍ توالت علينا واتسعت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما ابتهلت الوفود بالمشاعر العظام ودعت. أمّا بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أربحُ بضاعة، واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر الله وأضاعه، يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
أيها المسلمون، في الأيام القريبة الماضية قضى الحجاج عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أجل القربات، تجردوا لله فيها من المخيط عند الميقات، وهلت دموع التوبة منهم في صعيد عرفات ، خجلاً منهم ووجلا من الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إلى الله كلُ الأصواتِ بجميع اللغات، وازدلفت الأرواح إلى مزدلفةَ للبيات، وزحفت الجموع في هذا اليوم العظيم إلى رمي الجمرات، والطوافِ بالكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلة من أروع الرحلات، وسياحة اتسمت بالعبودية لرب البريات, وسيعودون بعدَ ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضلِه, قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ
نعم هي وربي خيرٌ من الدنيا وأغراضها التي ما هي إلا طَيف خيال، مصيره الزوالُ والارتحال، الدنيا متاعٌ قليل، عرضةٌ للآفات، ومآلها للفَوات. فهنيئًا للحجّاج حجُّهم، وهنيئا أيضا لمن اشتغل بالعبادة في أيام العشر الأول من ذي الحجة وإن لم يحج
هنيئا للجميع عبادَتُهم واجتهادُهم، هنيئًا لهم قولُ رسول الهدى فيما يرويه عن ربِّه جلّ وعلا: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيتُه هرولة)) فهلا استشعرت يا عبدالله كم اقتربت من ربك في الأيام الخالية .. وبضِعْفه قد اقترب الله منك بفضله وعطائه .. وكرمه ونواله.فيا من اجتهد بالعبادة في أيام العشر العظام: اشكروا الله على ما أولاكم، واحمدوه على ما حباكم وأعطاكم، فقد تتابع عليكم برُّه، واتصل بكم خيره، وعم بكم عطاؤه، فما تقربتم إلا بأمره وفضله .. ولا عبدتم إلا باصطفائه لكم واختياره فالفضل كله لله وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
ويا من مضت عليه أفضل أيام الدنيا ولم يقضها إلا في المعاصي والآثام، يا من ذهبت عليه مواسم الخيرات والرحمات وهو منشغل بالملاهي والمنكرات، بالله عليك أما رأيت قوافل الحجاج والعابدين؟! أما رأيت تجردَ المحرمين، وأكفّ الراغبين، ودموعَ التائبين؟! أما سمعت صوت الملبين والمكبرين المهللين؟! أما رأيت الصائمين القائمين والمتصدقين والذاكرين فما لك قد مرّت عليك خير أيام الدنيا على الإطلاق وأنت في الهوى قد شُد عليك الوثاق؟!.فلم تكن بين ركب الحجيج الملبين, ولم تكن بين الذاكرين الصائمين.
يا من راح في المعاصي وغدا، يقول: سأتوب اليوم أو غدًا، يا من أصبح قلبه في الهوى مبددًا، وأمسى بالشهوات محبوسًا مقيدًا، تذكر ليلة تبيت في القبر مفردًا، وبادر بالمتاب ما دمت في زمن الإنظار، وها أنت في خير يوم على الإطلاق يوم النحر ويوم جمعة فاستدركه بعمل صالح فعسى أن تُقال العثار، وأقلع عن الذنوب والأوزار، واعلم أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
ويا من تقربت في الأيام الخالية بين ذكر وصيام وقيام ورفادة ، إلزم طريق الخير والاستقامة، واحذَر من العودة إلى التلوُّث بالمحرّمات والتلفُّع بالسيئات والتِحاف الخطيئات, وداوم العمل فلست بدار إقامة،
واحذر العجب والرياء فربّ عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية .
عباد الله، أنتم في الدنيا أغراضُ المنايا، وأوطان البلايا، فاغتنِموا زمنَكم، وجاهدوا أنفسَكم، فإنّ المجاهدة بضاعة العُبَّاد ورأسُ مال الزُهَّاد ومدارُ صلاح القلوب والأعمال .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أَمَّا بَعدُ ،
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ها هي أَيَّامٌ مُضِيَئَةٌ مُبَارَكَةٌ قد طُويت بِخَيرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا , صَامَ فيها مَن صَامَ وَحَجَّ مَن حَجَّ وَضَحَّى مَن ضَحَّى ، وَتَصَدَّقَ مَن تَصَدَّقَ وَعَجَّ بِالتَّكبِيرِ مَن هلل وكبر ، وَسَبَقَ مَن سَبَقَ ممَّن سَارَعَ وَتَقَدَّمَ ، وَتَأَخَّرَ مَن تَأَخَّرَ ممَّن تَبَاطَأَ وَأَحجَمَ ، وَهَكَذَا هِيَ مَوَاسِمُ الفَضِل والبركات وَأزمنةُ الخير والرحمات ، تَمُرُّ كَلَمحِ البَصَرِ أَو هِيَ أَعجَلُ يَتَزَوَّدُ مِنهَا من وُفق فَيَنَالُ بِفَضلِ رَبِّهِ الأَجرَ المُضَاعَفَ وَيَكسِبُ الحَسَنَاتِ الكَثِيرَةَ ، وَيَتَقَاعَسُ مُفَرِّطٌ فَيَحرِمُ نَفسَهُ مَا لَو قَدَّمَهُ لَوَجدَهُ عِندَ رَبِّهِ وَافِيًا .
قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن يَعمَلْ سُوَءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا "
وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا ، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لأن انقضت خير أيام الدنيا فإن بَينَ أَيدِيكُم عَلَى مَدَى أَيَّامِ العَامِ أَعمَالاً جَلِيلَةً ، وأُجُورَهَا عند الله عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ ، وإن من أجلها وأعظمها الصَّلَوَاتُ الخَمسُ ، تِلكُمُ المَحَطَّاتُ الإِيمَانِيَّةُ العَامِرَةُ ، الَّتي تُمحَى بهَا الذُّنُوبُ وَالسَّيِّئَاتُ ، وَتُزَادُ بها الحَسَنَاتُ وَتُرفَعُ الدَّرَجَاتُ ، وَتُطَهَّرُ بها القُلُوبُ وَتُزَكَّى النُّفُوسُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ :" قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى "
فيَا لهَا مِن خَسَارَةٍ مَا أفدَحَهَا وَيَا لَهُ مِن غَبنٍ مَا أَفحَشَهُ ، حِينَ يُفَرِّطُ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ في الصَّلَوَاتِ بِعَامَّةٍ وَصَلاةِ الفَجرِ خَاصَّةً ، فَيَحرِمُونَ أَنفُسَهُم أُجُورًا مُضَاعَفَةً وَيُفَرِّطُونَ في حَسَنَاتٍ كَثِيرَةٍ ، حَتَّى إِنَّهُ ليَمُرُّ بِأَحَدِهِمُ الشَّهرُ وَالشَّهرَانِ وَلم يَستَقِمْ لَهُ شُهُودُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ مَعَ الجَمَاعَةِ يَومًا كاملاً
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ أَبوَابَ الخَيرِ عديدةٌ ، وَالحَسَنَاتُ مُضَاعَفَةٌ ، وَالرَّبُّ ـ سُبحَانَهُ ـ جَوَادٌ كَرِيمٌ ، يُعطِي الكَثِيرَ مِنَ الأَجرِ عَلَى قَلِيلِ العَمَلِ ، فأقبلوا على ربكم بحسن العمل فالدنيا زائلة ، وحقاً على من يحول شبابُه هرماً ، وقوته ضعفاً، وحياته موتاً أن يبادر بالتوبة والإقبال على الله، ويجتنب المعاصي والموبقات، وليحذر من التمادي في اغتراره ..والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولًا كريما: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،
وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين والصليبيين المحاربين والصفويين الحاقدين والنصيريين المجرمين والحوثيين المعتدين والبوذيين المشركين اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم يا رب العالمين. اللهم عليك بمن حارب دينك وصد عن سبيلك وعادى أولياءك وقتل عبادك الموحدين، اللهم مزقهم كل ممزق ، اللهم فرق جمعهم ، وشتت شملهم ، اللهم لا ترفع لهم راية ، واجعلهم لمن خلفهم آية يا رب العالمين .
اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ،
اللهم اغفرلنا ولوالدينا وذرياتنا وزوجاتنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
اللهمَّ تقبَّل من الحجّاج حجَّهم وسعيَهم، اللهمّ اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، اللهم آمنهم من جميع الأخطار، اللهمّ وأعدهم إلى أوطانهم وأهليهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين.