لين الكلام

د صالح بن مقبل العصيمي
1437/05/05 - 2016/02/14 13:20PM
لِيـنُ الْكَلَامِ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عِبَادَ اللهِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ خُلُقٍ عَظِيمٍ تَـخَلَّقَ بِهِ النَّبِـيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ وَهُوَ مِنَ الدَّرَجَاتِ الَّتِي اِخْتَصَمَ فِيهَا الْمَلَأُ الأَعْلَى؛ أَلَا وَهُوَ: (لِينُ الْكَلَامِ)، وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِفْشَاءُ السَّلَامِ )، وَلَا خَلَافَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إِفْشَاءَ السَّلَامِ دَاخِلٌ فِي لِينِ الْكَلَامِ، وَلَقْدْ حَثَّ الْمَوْلَى، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى الْكَلَامِ الطَّيِّبِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) ،وَقَالَ تَعَالَى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَيْضًا: " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ " رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: " إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِالْقَوْمِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ؛ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمُ بالسَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ؛ رَدَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُـفْرَدِ، وَقَوَّى إِسْنَادُهُ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ. وَجَمَعَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي هَذَا الْـحَدِيثِ الْعَظِيمِ بَـيْـنَ: إِطْعَامِ الطَّعَامِ ، وَلِيـنِ الْكَلَامِ؛ لِيُكْمِلَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْـخَلْقِ ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، فَلَا يَتِمُّ الإِحْسَانُ بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ ، إِلَّا بِلِيـنِ الْكَلَامِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ؛ فَإِنْ أَسَاءَ بِالْقَوْلِ؛ بَطُلَ الإِحْسَانُ بِالْفِعْلِ مِنَ الإِطْعَامِ وَغَيْـرِهِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى). وَقَالَ تَعَالَى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى). وَمُعَامَلَةُ النَّاسِ بِالْقَوْلِ الْـحَسَنِ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَإِعْطَاءِ الْـمَالِ. وَقَدْ كَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُلِيـنُ الْقَوْلَ؛ حَتَّـى لِـمَنْ عُرِفَ بِشَرِّهِ أَوْ فُحْشِهِ؛ لِيَتَّقِيَ بِذَلِكَ شَرَّهُ. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَلِيـنُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْـخُلُقِ، وَبَذْلِ النَّدَى، وَكَفِّ الأَذَى وَاِحْتِمَالِهِ، وَبِهِ يَبْلُغُ الْعَبْدُ دَرَجَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ، قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ» رَوَاهُ أَحْـمـَدُ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَكَانَ أَصْحَابُ اِبْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذَا رَأَوْا قَوْمًا عَلَى مَا يُكْرَهُ؛ يَقُولُونَ لَـهُمْ: (مَهْلًا مَهْلًا، بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ)! وَرَأَى بَعْضُ التَّابِعِيـنَ رَجُلًا وَاقِفًا مَعَ اِمْرَأَةٍ؛ فَقَالَ لَـهُمَا: (إِنَّ اللهَ يَرَاكُمَا، سَتَـرَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمَا)! وَقَالَ سُفْيَانُ: (لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؛ إِلَّا مَنْ كَانَ فِيهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: رَفِيقٌ بِـمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِـمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِـمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بِـمَا يَنْهَى، عَالِـمٌ بِـمَا يَأْمُرُ عَالِـمٌ بِـمَا يَنْهَى). وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْـمَدُ: (النَّاسُ يَـحْتَاجُونَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَرِفْقٍ فِي الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، بِلَا غِلْظَةٍ، إِلَّا رَجُلًا مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ؛ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ).
عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ مُقَابَلَةَ الأَذَى باللين مِنَ الْأُمُورِ الْـحَسَنَةِ الطَّيِّبَةِ؛ قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). فَعَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَفْضَلَ الْعِبَارَاتِ وَأَحْسَنَهَا، فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ، وَكُلِّ الأَزْمَانِ؛ وَيَنْتَقُوا أَطَايِبَ الْكَلَامِ؛ لِيَقُولُوهُ كَمَا يَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الثَّمَرِ لِيَأْكُلُوهُ؛ فَلا يَتَفَوَّهُ الْمُسْلِمُ بِكَلِمَةٍ يُفْسِدُ بِـهَا وُدَّ أَخِيهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَزْرَعُ الْعَدَاوَةَ بَيْـنَ الإِخُوَةِ بِالْكَلِمَةِ الْـخَشِنَةِ، وَالْعِبَارَةِ السَّــيِّــئَةِ. فَكَمْ نَزَعَتْ الَعِبَارَاتُ الْـخَشِنَةُ الَّتِـي لَا لِيـنَ فِيهَا، وَلَا حُسْنَ؛ أَجْوَاءَ الْـحُبِّ وَالْوُدِّ، فَأَعْقَبَتِ الْمَحَبَّةَ بِالْبَغْضَاءِ، وَالْمَوَدَّةَ بِالْعَدَاءِ! فَالْكَلِمَةُ الطَّـيِّــبَةُ تُدَاوِي جِرَاحَ الْقُلُوبِ؛ بِعَكْسِ الْكَلِمَةِ السَّــيِّــئَةِ؛ الَّتِـي يَزَغُ بِـهَا الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ، وَيَـحُثُ عَلَيْهَا؛ فَيَلْتَمِسُ سَقَطَاتِ الإِنْسَانِ، وَعَثَرَاتِ اللِّسَانِ؛ لِيُحَرِّشَ بَيـْنَ الْعِبَادِ فَسدُّوا عَلَيْهِ –عِبَادَ اللهِ-الثَّغَرَاتِ، وَأَغْلِقُوا أَمَامَهُ الأَبْوَابَ؛ بِلِيـنِ الْكَلَامِ؛ فَلِيـنُ الْكَلَامِ، وَدَرءُ الْـسَّيِّئَاتِ بِالْـحَسَنَاتِ؛ دَأْبُ الصَّالِـحِيـنَ، وَمَنْهَجُ الْمُتَّقِـيـنَ. لَا يَغُوصُ فِي أَعْمَاقِهِ إِلَّا نُـجَـبَاءُ الرِّجَالِ، نُبَهَاءُ الْعُقُولِ، الَّذِينَ اِصْطَفَاهُمُ اللهُ لِلْجِنَانِ. قَالَ تَعَالَى:( وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (هٌوَ الرَّجُلُ يَسُبُّهُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؛ فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا؛ فَغَفَرَ اللهُ لَكَ). أَوْرَدَهُ الطَّبَـرِيُّ وَغَيْـرُهُ؛ عِنْدَ تَفْسِيـرِهِمِ لِـهَذِهِ الآيَةِ. وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْـحُكَمَاءِ: (الْكَلِمَةُ قَبْلَ أَنْ تُطْلِقَهَا مَلَكْتَهَا؛ فَإِذَا أَطْلَقْتَهَا مَلَكَتْكَ). فَلِينُوا مَعَ إِخْوَانِكُمْ؛ غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ، وَلِجَـمِيعِ الْـمُسْلِمِينَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الْمُتَدَبِّرَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ يَـجِدُهُ قَدْ حَثَّ عَلَى الْكَلِمَةِ الطَّــيِّــبَــةِ، وَالْقَوْلِ الْـحَسَنِ، وَالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ وَالسَّدِيدِ، وَحَضَّ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَحَذَّرَ مِنْ الْكَلِمَاتِ وَالأَفْعَالِ الْـخَبِيثَةِ؛ فَيَنْبِغِي للإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ للنَّاسِ لَيِّنًا، مَعَ اِنْبِسَاطِ وَجْهِهِ، مَعَ الْبَّـرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالسُّنِّـيِّ وَالْمُبْتَدِعِ مِنْ غَيْـرِ مُدَاهَنَةٍ، وَمِنْ غَيْـرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَهُ بِكَلَامٍ يُظَنُّ مِنْهُ أَنَّهُ يَرْضَى مَذْهَبَهُ؛ فَحُسْنُ الْقَوْلِ، وَبَشَاشَةُ الْوَجِهِ؛ دَلِيلَانِ عَلَى حُسْنِ اِسْتِقَامَةِ الرَّجُلِ وَفِقْهِهِ؛ فَالْقُرْآنُ يَـحُثُّ عَلَى حُسْنِ الْـخُلُقِ مَعَ الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ وَالأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ وَالأَغْنِيَاءِ وَالشُّرَفَاءِ وَالْوُضَعَاءِ، وَالْمُؤْمِنِيـنَ وَالْكَافِرِينَ؛ حَتَّـى مَعَ أَطْغَى طُغَاةِ الأَرْضِ فِرْعَونَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). وَحَثَّ الْقُرْآنُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَيْسُورِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا) وَهُوَ الْقَوْلُ السَّهْلُ اللَّيِّـنُ، الَّذِي فِيهِ مَسَرَّةٌ لِلْمُخَاطَبِيـنَ، وَجَبْـرٌ لِـخَاطِرِهِمِ، وَتَيْسِيـرٌ لِـمُعْسِرِهِمْ. فَلَيْسَتِ الأَلْفَاظُ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَبَعْضُهَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُخَاطَبِ سَلْبًا وَبَعْضُهَا إِيـجَابًا؛ بَلْ حَتَّـى الْكَلِمَاتُ الْـحَسَنَةُ بَعْضُهاَ أَوْقَعُ عَلَى قَلْبِ السَّامِعِ مِنْ بَعْضٍ؛ فَكَمْ ضَلَّ بِسَبَبِ الْكَلِمَةِ أَقْوَامٌ، وَاِهْتَدَى بِـهَا أَقْوَامٌ! فَبِلِيـنِ الْكَلَامِ يُـحَبَّبُ النَّاسُ لِرَبِّـهِمْ وَلِدِينِهِمْ، وَلِبَعْضِهِمِ بَعْضًا. فَكَمْ حُقِنَتْ بِلِيـنِ الْكَلَامِ دِمَاءٌ! وَفُكَّتْ رِقَابٌ! وَكَمْ بِلِيـنِ الْكَلَامِ فُرِّجَ عَنْ مَأْسُورٍ!
فَعَلَيْنَا عِنْدَ مُـخَاطَبَةِ الآخَرِينَ أَنْ نَـجْتَنِبَ الْكَلِمَاتِ الْـجَافَّةَ الْـجَارِحَةَ فَكَمْ بِسُوءِ كَلِمَةٍ أُشْعِلَتْ حُرُوبٌ! وَتـخَاصَمَتْ دِوَلٌ! وَتَنَازَعَتْ قَبَائِلُ! وَتَشَرْذَمَتْ أُسَرُ! وَتَـهَاجَرَ أَقَارِبُ! وَتَـخَاصَمَ أَصْحَابٌ وَأَحْبَابٌ! وَأُسِيلَتْ دِمَاءٌ! فَلْنَتَأَدَّبْ بِآدَابِ الْقُرْآنِ وَلْنَتَأَسَّ بِـخَيْـرِ الأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي اِنْتِقَاءِ الأَلْفَاظِ، وَلِـيـنِ الْكَلَامِ.
رَزَقَنَا اللهُ حُسْنَ الأَخْلَاقِ، وَجَنَّبَنَا مَسَاوِئَهَا! وَوَقَانَا عَثَرَاتِ اللِّسَانِ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَـمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا وَلَا حَوْلَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِصْلِحْ لَنَا النِّــيَّــةَ وَالذُّرِيَّةَ وَالأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَاِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِـهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِيـنَ وَاخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ بِـخَيْـرٍ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.


المرفقات

مَشْكُولَةٌ .docx

مَشْكُولَةٌ .docx

المشاهدات 3059 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


أثابك الله
يلاحظ ياشيخ أنك ذكرت في أثناء الخطبة
وَجَمَعَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي هَذَا الْـحَدِيثِ الْعَظِيمِ بَـيْـنَ: إِطْعَامِ الطَّعَامِ ، وَلِيـنِ الْكَلَامِ؛ لِيُكْمِلَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْـخَلْقِ
ولكن لم تذكر الحديث