ليلةَ النصْفِ مِن شَعْبَانَ، وَالبِدَعِ وَ التذكير بقَضَاءِ الصِّيَامِ

محمد البدر
1444/08/10 - 2023/03/02 11:19AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أمَّا بَعْدُ:فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍﷺوَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُها،وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾. شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرٌ عَظِيمٌ، فِيهِ يَوْمٌ فِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى كُلِّ أَيَّامِ الْعَامِ؛ وَهُوَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.قَالَﷺ«إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ. هذا إثباتُ مغفرةِ الله تعالى لِعبادِهِ فِي ليلةِ النصفِ مِن شَعْبَانَ إلا لِمُشْرِكٍ بأيِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ الشِّرْكِ قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾.وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ أولمُشاحِنٍ بينه وبين أخيه هجران وقطيعة قَالَﷺ:«لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ:أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَشَعْبَانَ فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، قَالَ تَعَالَى:﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

وَشَهْرُ شَعْبَانَ فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، أن يحسن الظنَّ بربه العظيم قَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.واحْذَرُوا من البدَعَ صغيرَها وكبيرَها فهي تفرقِ الأمّةِ وتشتتها،قَالَ تَعَالَى:﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.وإنَّ انْشغالَ المرْءِ ببِدْعَتِهِ عما هو مشروعٌ يؤدّي إلى هدْمِ السّنةِ حتى تموتَ السُّنَنُ وتحيا البِدَعُ والله المستعان.

وتنبهوا يا عِبَادَ اللَّهِ واحذيروا من أمورٌ أُحدَثَت في ليلةَ النصفِ مِنْ شَعْبَانَ منها:اعتقادُ البعضِ أنَّ ليلةَ النصفِ مِنْ شَعْبَانَ هي المعنِيَّةُ بقَولَه تَعَالَى :﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾.وهذا خطأ والآية في ليلةُ القدْر.

ومما أُحدَثَ في هذا الشهرِ:تخصيصُ ليلةَ النصفِ مِن شَعْبَانَ بالصلاةِ وقيامِ الليل دونَ سائرِ الأيام،وإحياءُ تلك الليلةِ بالذِّكْرِ والدعاءِ؛ فهذا بدعةٌ في الدين لم يفعلْها النبيُّﷺولا أصحابُه قَالَﷺ:«مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما لَيْسَ مِنْه فهُوَ رَدٌّ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وأما حديث:(إذا كانَ ليلةُ النصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فقُومُوا ليْلَها وصُومُوا نَهارَها)فهو حديث باطل مكذوب على النبيِّﷺلم يَقُلْهُ؛ فلا يحلُّ العملُ به.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:ومن الأمورٌ التي أحدَثَها الناسُ أيضاً:صُنعُ الأطعمةِ في ليلةِ النصفِ وتوزيعُها على الفقراءِ بِزَعْمِ أنَّ لها مَزِيَّةً على غيرِها أو أنَّ فيها أجرًا كبيرًا أو نحو ذلك؛ فهذا لا أصلَ له وهو مِنَ البِدَعِ قَالَﷺ«كلُّ بِدْعَةٍ ضلالة»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ومما أُحدَثَ في ليلةَ النصفِ مِنْ شَعْبَانَ:الاحتفالُ بهذه الليلةِ والتوسيعُ على الأهلِ والأبناءفي المطعمِ والمشرَبِ والملبَسِ ونحوِ ذلك ، وهذا مما لم يأتِ في الشرعِ فعلُهُ ولا اسْتَحَبَّهُ أحدٌ مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم ولا التابعونَ رحمهم الله ومَا لَمْ يَكُنْ يومئذٍ ديناً؛ فلا يَكونُ اليومَ دينًا.

عِبَادَ اللَّهِ:التذكير بقضاء رمضان الماضى في شهرِ شَعْبَانَ فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ « كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَﷺ:«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

 

المشاهدات 1149 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا