ليس بين الله وبين احد نسب حتى لا يعذبه ( خسوف القمر )

محسن الشامي
1433/01/20 - 2011/12/15 19:19PM
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:عباد الله فاتقوا الله حقَّ التقوى، وراقبوه في السرِّ والنجوى، فتقوى ربِّكم عدّتُكم للشدائد وذخرٌ لكم يومَ القيامة يوم لا تجزي نفسٌ عن نفس شيئًا ولا يقبَل منها عدل ولا تنفعها شفاعةولا هم ينصَرون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} معاشر المسلمين إن ما حدث من حادث كونيّ في مطلع هذا الأسبوع، من خسوف للقمر لهو آيةٌ عظيمةٌ، وموعظةٌ جليلةٌ، ورسالة تحذيرية جعلَها الجبار جل جلاله برهاناً على عظمتِه وربوبيتهِ وجلالِه، ليتُوبَ الناسُ إليه بعَد طولِ فُتورٍ، وليخافُه المذنبونَ بعد غفلةٍ وغرورٍ، وليُقلعَ أهلُ العصيانِ عن جميعِ الشرورِ فكيف كان استقبالنا لتلك الرسالة منا من رأى أنها ظاهرةٌ وحدث كوني طبيعي لا يدعو للقلق متناسيا قول الجبار جل جلاله {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} ومن الناس من بقي وقت الحدث في غفلته في بيعه وشراءه أو أمام القنوات الفضائية وكأن شئ لم يكن {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}.فلا اله الا الله أفلا يخشى هؤلاء أن ينطبق عليهم قوله تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} إنه لمن أسباب الحسرة والألم أن يكون من بين أمة الإسلام، من بلغت به الغفلةُ هذا المبلغ فنقول لهؤلاء ويحكم أين عقولكم؟.(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}فكل عاقل يُسَلِمُ أن لشمسَ والقمرَ آيتانَ من آياتِ اللهِ الدالةِ على كمالِ قدرتهِ وعظيمِ حكمتِه، يخوف بهما عباده فإذا نظرنا إلى عظمتِهما وانتظامِ سيرِهِما أيقنا بقدرةِ اللهِ تعالى وإذا نظرنا إلى ما في اختلافِ سيرِهما من المصالحِ والمنافعِ تبينَ لنا كمالُ حكمةِ اللهِ وسعةُ رحمتِهِ بعبادِه (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إن ذهاب نور الشمس والقمر كله أو بعضه أيها الأحبة ما هو إلا إنذار وتذكير للعباد ليقوموا بما يجب عليهم من أوامر الله ويبتعدوا عما حرم عليهم من نواهي. ولذلك كثر الخسوف في هذا العصر عما كان عليه الحال فيما مضى فلا تكاد تمضي السنة حتى يحدث كسوف أو خسوف في الشمس أو القمر أو فيهما جميعاً بل لربما حدث ذلك في السنة عدة مرات وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن نعم وأيم الله لقد انتشر في زمننا هذا الاستهانة بالذنوب والمعاصي، والتقليل من شأنها وآثارها، ودعوة الناس إليها، وتزيينها لهم بالباطل وإباحة ما حرم الله تعالى على أيدي المفسدين، ممن رقّ دينهم، وعظمت مصيبةُ الأمةِ بهم، فانغمس كثير من الناس في شهوات الدنيا ونسوا أهوال الآخرة فأقبلوا على الأمور المادية المحسوسة وأعرضوا عن الأمور الغيبية الموعودة التي هي المصير الحتمي والغايةُ الأكيدة (فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ) فلقد فشا الظلم والبغي بين العباد ظلم الناسِ لأنفسهم بالمعاصي وظلم بعضهم لبعض وعدم أدائهم لما عليهم من الواجبات واستحلالهم للحقوق وأكل المال الحرام فاعلموا أنه ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها. إنه ليس بين أحدٍ وبين الله نسب، ولا يعني أن أقواماً أو مجتمعات لم يصبها شيء أنها على الاستقامة كلا، ولكن الله يمهل ولا يهمل حتى يعتبر الناس وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أَخَذَه، أَخَذَه أَخْذَ عزيزٍ مقتدرٍ
أيها المسلمون: لنتأمل كيفَ كانَ استقبالُ النبي صلى اللهُ عليه وسلمَ للكسوفِ الذي حدثَ في عهده: ثَبتَ في الصحيحينِ أن الشمسَ كَسَفت أولَ مرةٍ في عهدِه صلى اللهُ عليه وسلمَ فأظلمتْ الدنيا وفزِعَ الناسُ، وفزِعَ النبي صلى اللهُ عليه وسلمَ فزعاً عظيماً حتى إنه أُدرِكَ بردائهِ أي من شدةِ فزَعَهِ قامَ بالإزارِ قاصداً المسجدَ فتبِعُوهُ بالرداءِ فارتدى به وجعلَ يجرهُ أي لم يستقر ليوازنَ الرداءَ من شدةِ فزعَهِ، وأَمَر أن يُنادى الصلاةُ جامعةٌ فاجتمع الناس وصلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاةً عظيمةً أطالَ فيها والناسُ يبكونَ ويفزعونَ إلى الله عُرِضت عليه صلى اللهُ عليه وسلمَ في ذلك المقامِ الجنةُ والنارُ يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ: "فلم أرَ يوماً قطُ أفظعَ من هذا اليومِ"، ثم خطَبَ الناسَ ووعظهَم موعظةً بليغةً فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه سُبحانَه وتعالى ثم قالَ: " إِنَّ الشَّمسَ وَالقَمرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللهِ، لا يَخسِفَانِ لِمَوتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيتُم ذَلِكَ فَادعُوا اللهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا" ثُمَّ قَالَ:"يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ: وَاللهِ مَا مِن أَحَدٍ أَغيَرُ مِنَ اللهِ أَن يَزنِيَ عَبدُهُ أَو تَزنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ لَو تَعلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضَحِكتُم قَلِيلاً وَلَبَكَيتُم كَثِيرًا"الخ خطبته صلى الله عليه وسلم. فَانظُرُوا أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِلى حَالِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ، أَعلَمِ الخَلقِ بِاللهِ وَأَخشَاهُم لله وَأَتقَاهُم لِمَولاهُ، كَيفَ فَزِعَ وَخَافَ وَخَشِيَ أَن تَكُونَ السَّاعَةُ؟! ثُمَّ كَيفَ بَادَرَ إِلى الصَّلاةِ مُسرِعًا ثُمَّ تَأَمَّلُوا بِأَيِّ شَيءٍ أَمَرَ وَإِلى أَيِّ تَصَرُّفٍ وَجَّهَ؟! هذا حال محمد بن عبدالله الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأما حالنا فالله المستعان لقد تهاون الكثير منا بأمرِ الخسوفِ والكسوفِ نشاهدُ هذه الآيةَ العظيمةَ فلا تَتحركُ منا القلوبُ، ولا يَفزعُ إلى الصلاةِ وذكرِ اللهِ إلا القلةُ من الناسِ، فكم هو مؤسفٌ والله أن تَحصُلَ أماراتُ العذابِ والبلاءِ ونحنُ في غفلةٍ معرضونَ وفي ملذاتِنا غارقون،وكم هو مؤلمٌ كذلك أن تأتَي النِّذَارةُ والتخويفُ من الله تعالى ولا يبالي بها كثيرٌ من الناسِ إننا نخشى والله أن يصدق علينا قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) نعم لقد بلغت قسوة القلوب مداها يا أمة محمد وتتابعت الآيات والنذر على العباد ولا تحرك فيهم ساكنًا. أمراض ما عرفها الناس من قبل وهزات اقتصادية تنذر بفتن ومجاعات وحروب تتسع رقعتها ويزيد ضحاياها في أقطار شتى وتسلط من أعداء الداخل والخارج والناس في غفلة عما يُحيط بهم فمتى يدركون أنهم في خطر؟ومتى يوقنون أنه لا خلاص لهم إلا بالتعلق بربهم والتمسك بدينهم والتوبة من ذنوبهم؟! اللهم أرنا الحق حقا
الحمد لله معزِّ من أطاعه واتقاه، ومذلِّ من خالف أمرَه وعصاه، أحمد ربي وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله اصطفاه ربه واجتباه اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.أمابعد: عباد الله: اتقوا وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه أيها المسلمون: لا تفسُد الأحوال ولا تضيع الأمة إلا حينما تتخلى عن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،ذلك الحصن الحصين والدرع الواقي الذي تتماسك به عُرى الدين وتُحفظ به حرمات المسلمين وتُهتك به أستار المجرمين، فإذا تعطلت هذه الشعيرة ودُمر هذا الحصن وأقفلت أبوابه أو حُجِّمت فعلى الإسلام السلام، وويل يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة، وويل لأهل الحق من المبطلين، وويل للصالحين من سفهِ الجاهلين قال صلى الله عليه وسلم ((وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ))، وقال صلى الله عليه وسلم ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يُغيروا ثم لا يُغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب)) الافكم من المعاصي نراها ونستطيع أن نغيرها ولم نفعل. فوالله لن تنجو الأمة إلا بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بان نقول للظالم أنت ظالم وأن نقول للذين يعصون الله إتقوا الله فإن لم نفعل ذلك فمن يمنع بأس الله عنا ؟ لسنا بأكرم على الله ممن ارسل عليهم العذاب أن نترك أهل المعاصي ونترك أهل المنكرات أن ينتهكوا حرمات الله؟ أنتركهم؟ وهم كما قال تعالى{ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما }وإذا سكتنا عنهم فمن الذي يحول بيننا وبين العذاب ؟فاعلموا يا امة محمد أن التهاون في تلك الشعيرة العظيمة من أسباب العذاب ولولا رحمةُ الله تعالى بنا وحلمُه علينا وإمهاله لنا لعذبنا بما كسبت أيدينا أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْنُرِ اللهَ مِن أَنفُسِنَا خَيرًا، فَإِنَّ عَذَابَهُ شَدِيدٌ، وَمَعَ هَذَا فَرَحمَتُهُ وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ: "يَبسُطُ يَدَهُ بِاللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ حَتى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا"(وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) مُرُوا
بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ وَاعبَدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ
اللهم يا حي يا قيوم ارزقنا البصيرةَ في آياتك، وزدنا بك علماً ولك حباً، ومنك خشية اللهم لا تتخلى عنا بذنوبنا اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم لا إله لنا سواك فندعوه ولا رب لنا غيرك فنرجوه اللهم اغفر ذنبنا واستر عيبنا و فرج كربنا. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا ، اللهم لا تجعل الدنيا أكير همنا ولا مبلغ علمنا اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا وإن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونيين ، ولا مفرطين ولا مضيعين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين ألا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، كما أمركم بذلك ربكم فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) و قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً". اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
المشاهدات 2142 | التعليقات 0