لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

عبدالله اليابس
1438/01/26 - 2016/10/27 16:56PM
لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة 27/1/1438هـ
الحمد لله الغفورِ الذي ستر بستره وأجمل، الشكورِ الذي عمَّ ببره وأجزل، الرحيمِ الذي أتم إحسانه على المؤمنين وأكمل، الأحد القدوس الصمد المنفرد بالعز والكمال فلا يَنتَقص عِزُّه ولا يتحول، أحمده على ما أنعم به وأكرم وتفضل, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
تبارك الله في علياء عزته *** وجلَّ معنى فليس الوهم يحويه
وجوده سابق لا شيء يشبه *** ولا شريك له لا شك لي فيه
سبحانه وتعالى في جلالته *** وجلَّ لطفًا وعزًا في تعاليه
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله, أوحى الله تعالى إليه الكتاب ونزّل، ونهج للمتقين طريق الهداية وسَهَّل.
والله لو جدَّ العباقرُ كلُّهم *** في وصف أفضال له لن تعرفَ
والله لو قلم الزمان من الــ *** ـبداية للنهاية ظل يكتب ما اكتفى
تكفيه لقيا في السماوات العلى *** وبحضرة الرب الجليل تشرفَ
يكفيه أن البدر يُخسف نورُه *** لكن نور محمد لم يخسفا
صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. هل تأملتم هذا النداء؟ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. هل تأملتم هذا الوصف لنا؟ أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. وأنعم به من وصف.
بعث كل نبي إلى قومه .. وبعث محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة .. للعرب والعجم .. للإنس والجن .. للناس كافة.
هذا رسول الله نبراس الهدى *** هذا لكل العــــالمين رســـول
هذا رســول الله هذا المصطفى *** هذا لـــرب العــــالمين رســول
هذا الــــذي رد العــــيون بكفه *** لما بدت فوق الـــخدود تسـيل
هذا الغمـــامة ظللته إذا مشى *** كانت تقيل إذا الــــحبـيب يقيل
هذا الذي شرف الضريح بجسمه *** منهــــاجه للسالكين ســـبيل
لما بَعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة, وحمَّله الأمانة, وكلفه البلاغ .. قام بالأمر خير قيام .. قاسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاسى, وعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عانى, أوذي في الله, فألقي عليه سلا الجزور وهو ساجد يصلي عند الكعبة, وكانت زوجة أبي لهب ترمي القاذورات أمام بيته, حوصر في شعب أبي طالب مع جمع من الصحابة عدة سنين, ومنعت قريش عنهم الطعام والماء حتى أكلوا أوراق الشجر, ثم طُرد صلى الله عليه وسلم من بلاده, طُرد من مكةَ التي أحبها وأحبته, فالتفت إليها وهو خارج منها وقال كما في الحديث الصحيح: (واللهِ إنَّكِ لَخيرُ أرْضِ اللهِ، و أحَبُّ أرْضِ اللهِ إليَّ، و لوْلَا أنِّي أُخرِجْتُ مِنْكِ ما خَرجْتُ), لم يتركه أعداؤه بل قاتلوه حتى بعد أن خرج عنهم, شجوا وجهه وكسروا أسنانه صلى الله عليه وسلم فجعل يَسلُتُ الدَّمَ عن وجهِه ويقولُ: (كيف يُفلِحُ قومٌ شجُّوا نبيَّهم وكسَروا رَبَاعِيَتَه وهو يدعوهم إلى اللهِ), تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنواع الأذى, وحاول أعداء الإسلام اغتياله عدة مرات, حاولوا هدم جدار جلس بظله, سمموه في شاة أكلها يوم خيبر, حتى قال في مرضهِ الذي مات فيه كما عند البخاري: (يا عائشةُ، ما أزال أجدُ ألمَ الطعامِ الذي أكلتُ بخيبرَ، فهذا أوانُ وجدتُ انقطاعَ أبهَرَي من ذلكِ السُمِّ).
ورغــم تلك الرزايا والخطوب وما *** رأيتَ من لـوعة كبرى ومن ألم
ما كنتَ تحمل إلا قلــبَ محتسبٍ *** في عزمِ متـقدٍ في وجهِ مبتسمِ
بنيتَ بالصبــر مجدًا لا يماثله *** مجدٌ وغـيرُك عن نهج الرشاد عمي
تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للأذى والمخاطر والمهالك .. تعرض للإهانة وسوء القول والفعل من الناس .. كان يفعل كل ذلك من أجل تبليغ رسالة ربه سبحانه وتعالى, وهو مع ذلك يفعل كل ذلك رحمة بأمته ورغبة في الخير لها.
هاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يرفع يديه إلى السماء ويدعو: (اللهم أنجز ما وعدتني, اللهم إنك إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تُعبد في الأرض أبداً), قال عمر رضي الله عنه: فما زال يستغيث ربَّه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه, ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي التهجد ذاتَ ليلةٍ, فقرأَ بآيةٍ حتَّى أصبحَ ، يركعُ بِها ويسجدُ بِها: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، يقول أبو ذرٍ الغِفاري رضي الله عنه: فلمَّا أصبحَ قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، ما زلتَ تقرأُ هذِهِ الآيةَ حتَّى أصبحتَ تركعُ بِها وتسجدُ بِها؟ قالَ: (إنِّي سألتُ ربِّي عزَّ وجلَّ الشَّفاعةَ لأمَّتي فأعطانيها، وَهيَ نائلةٌ إن شاءَ اللَّهُ لمن لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا), بل تعدت رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم حدود الدنيا إلى الآخرة, روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مُستجابةٌ، فتُجعَلُ لكلِّ نبيٍّ دَعوتُهُ، وإنِّي خبَّأْتُ دَعوتِي شفاعةً لأُمتِي يومَ القيامةِ), يا الله أي رحمة هذه .. وفي الموقف يوم القيامة يوم يعتذر كل نبي عن الشفاعة, ينبري رسول الله صلى الله عليه وسلم للشفاعة للناس كلِّهم في الموقف وينادي ربه: (يا رب أمتي أمتي) .. فيقبل الله شفاعته.
محمد أشـرف الأعـراب والعجــمِ *** محمد خير من يمشي على قدمِ
محمد باسـط المعــروف جـامِعـُه *** محمد صـاحب الإحسان والكــرم
محمد ذكــــــره روح لأنـفـسنـا *** محمد شكره فرض على الأمم
محمد زينــة الدنيــا وبَـهـجَتـُهـا *** محمد كـاشفُ الغَـمَّات والظُلَم
محمـد ســـيدٌ طـابـت مناقـبـهُ *** محمد صــاغه الرحـمن بالنعم
محمد صـفــوة الباري وخيرتـه *** محمد طـاهــر من سائر التُهَم
فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها دعوة وجهاد, وعبادة وتعليم .. في سبيل أن يَبْلُغَ هذا الدينُ ما بلغ الليل والنهار.
ولذلك ففضل رسول الله صلى الله علينا كبير, ومحبته واجبة علينا .. بل يجب أن يكون أحب إلينا من النفس والآباء والأولاد والناس أجمعين.
أيها الإخوة .. هذا الدين الذي بُذلت فيه الدماء, ومزقت فيه الأشلاء, وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمله الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .. هذا الدين الذي أفنى فيه رسول الله عليه وسلم حياته.. هذا الدين كيف حالنا معه اليوم؟
تخيل أيها الحبيب لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا في هذا الزمان واطلع على حالنا هل سيسره ذلك أم سيسوؤه؟
تخيل لو أن حبيبك رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على حالك أنت مع الله تبارك وتعالى هل سيرضى عنك أم سيغضب منك؟ هل سيحبُّك أم سيبغضك؟
تخيل معي أنه تيسر لك لقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا ستقول له؟
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إن كان حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا فإن الحب الحقيقي يكون باتباع ما أَمَر به من عند الله سبحانه وتعالى:
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ *** إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
إن كثيرًا من مشكلاتنا الشخصية اليوم .. كثير من ضيق الصدور, وتعسر الأمور, وعدم التوفيق في الحياة, وكثير من مشكلات الأمة العامة .. كثير من ذلك سببه بعدنا عن المنهج الذي رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة, {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
لمَّا تمسك المسلمون بدينهم حقًا نصرهم الله تعالى في أعتى المعارك ضد أشد الأعداء مع قلة العدد والعتاد, {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
لقد عاش المتقون لربهم المستمسكون بشريعته أسعد عَيش, يقول ابن تيمية كما ينقل عنه ابن القيم رحمهما الله: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة", وعن إِبْرَاهِيم بن بشار الصوفي قَالَ: خرجت أنا وإِبْرَاهِيم بن أدهم، وَأَبُو يُوسُف الغاسولي، وَأَبُو عَبْداللَّهِ السخاوي نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يقال له: نهر الأردن، فقعدنا نستريح، وكان مع أَبِي يُوسُف كسيراتٍ يابساتٍ فألقاهن بين أيدينا، فأكلنا وحمدنا اللَّه، فقمتُ أسعى أتناول ماء لإِبْرَاهِيم، فبادر إِبْرَاهِيم فدخل النهر حتى بلغ الماء ركبتيه، فَقَالَ بكفيه فِي الماء فملأهما، ثُمَّ قَالَ : بسم اللَّه، وشرب، فَقَالَ: الحمد لله، ثُمَّ إنه خرج من النهر فمد رجليه، وقَالَ: يا أبا يُوسُف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فِيهِ من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف, فقلت له: يا أبا إِسْحَاق، طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم.
بالله قل لي يا محب.. كيف سيكون شعورك إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالك مع الصلاة .. إذا رأى حالك مع قيام الليل.. مع نوافل العبادات.. هل تؤديها كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
كيف سيكون حالك إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهرك .. لحيتَك .. شاربَك .. ثوبَك .. هل هي كما أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
كيف سيكون حالك إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخلاقك .. تعاملك .. كيف سيكون حالك إذا رأى معاملاتك المالية .. تربيتك لأولادك.. كيف وكيف .. أسئلة كثيرة .. لا يملك إجابتها إلا أنت..
أيها المبارك .. إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرانا.. فإن رب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرانا في كل أحوالنا .. يعلم سبحانه عنا كل شيء.. كل شيء, {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}, فإذا كان الله مطلعاً علينا حقاً .. فهل راقبناه حقًا؟
هل ستستمر على ما أنت عليه؟ إنها دعوة صادقة للعودة إلى الله, لمراقبة الله في كل أحوالنا, ولنتذكر قول الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}.
اللهم اشرح صدورنا, ويسر أمورنا, وردنا إليك ردًا جميلاً.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات

لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم 27-1-1438هـ.docx

لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم 27-1-1438هـ.docx

المشاهدات 2743 | التعليقات 0