لو التقى البخارى بـ«ستيف جوبز»..

احمد ابوبكر
1433/09/27 - 2012/08/15 10:02AM

جاء فى المستدرَك للحاكم النيسابورى عن أبى هريرة: «دخلت على رقية بنت رسول الله، امرأة عثمان، وبيدها مشط، فقالت: خرج رسول الله من عندى آنفًا، رجَّلت شعره. فقال (النبى): كيف تجدين أبا عبد الله (يعنى عثمان)؟ قالت: بخير. قال: أكرميه، فإنه من أشبه أصحابى بى خُلُقًا».

هل فى هذا الحديث الصحيح الإسناد ما يلفت نظركِ إذ تقرأينه أو تسمعينه؟ لا أظن. إلا من معلومة واحدة فقط.

رقية توفِّيت سنة 3 هجرية، أى قبل 17 عامًا من إسلام أبى هريرة. فكيف يقول «دخلتُ على رقية»؟! لاحظى.. هذا الحديث صحيح الإسناد. فى هذه الحالة يجب أن نسائل كل من ورد اسمه فى سلسلة الرواة، بدءًا من أبى هريرة. فلا بد أن أحدًا من هؤلاء «العدول الضوابط» إما اختلط عليه الأمر، أو اختلق. هل من احتمال آخر؟! المشكلة أن الأقدمين اكتفوا بأن يقولوا إن الحديث واهى المتن، ثم تجاهلوا دلالة ذلك!!!

ومثل ذلك ما فى البخارى ومسلم: «صلى بنا رسول الله الظهر، أو العصر، فسلم فى ركعتين، فقال له ذو اليدين: أَنَقُصَت الصلاة أم نسيت؟!». ذو اليدين قُتل فى غزوة بدر قبل إسلام أبى هريرة بسنوات. ربما سمع أبو هريرة الحديث ممن يثق به، فلم يذكر اسمه. ربما. فلماذا قال «صلَّى بنا»؟!!

هناك نقطة أخرى هامّة جدا فى موضوع رواية أبى هريرة لكل هذا العدد من الأحاديث. فى البخارى عن أبى هريرة قال: «ما من أصحاب النبى أحد أكثر حديثا منى إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فقد كان يكتب ولا أكتب».

عظيم.. هذا يثير تساؤلات:

أولا- لماذا لم تستخدم هذه الصحيفة، اسمها «الصادقة»، التى كان يكتبها عبد الله بن عمرو كوثيقة فى تدوين الأحاديث؟

ثانيا- هل تعلمين كم حديثًا روى البخارى عن عبد الله بن عمرو؟ امسكى أعصابك. 8 فقط. فى مقابل 446 لأبى هريرة.. أى مقابل كل حديث رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو، هناك 56 حديثًا رواها عن أبى هريرة. اقرئى الجملة السابقة مرة أخرى من فضلك.

كيف انقلبت النسبة بين الأحاديث المروية عن أبى هريرة، والأحاديث المروية عن عبد الله بن عمرو، إلى هذه الدرجة. كيف وقد اعترف أبو هريرة نفسه بأن عبد الله: (1) أكثر منه روايةً عن النبى. (2) دوّن الأحاديث كتابة. (3) تُوفِّى 65 هـ، بعد أبى هريرة بست سنوات. (4) بقيت صحيفته فى أبنائه حتى 120 هـ؟

ثالثا- فى مقابل أبى هريرة الذى «رافق النبى» بين سنة وتسعة أشهر إلى ثلاث سنوات فقط، فإن أبا بكر الصديق، الذى رافق النبى طوال 23 عامًا، له فى البخارى 22 حديثًا فقط، أى بواقع حديث واحد لكل سنة. أبو بكر نسَّابة العرب، كان يحفظ الأنساب عن ظهر قلب، فليس ممن يشتكون من ضعف الذاكرة.

رابعا- ومثل أبى بكر علىُّ بن أبى طالب فى السَّبْق إلى الإسلام. رُوى له «فى البخارى ومسلم مجتمعين» 20 حديثا فقط. وقولى مثل ذلك عن غيرهم من السابقين الأولين من الصحابة. الذين التزموا بالاقتصاد فى نقل القول عن النبى، واكتفوا بالأفعال والمتواتِر من السُّنة. كان هذا دأبهم.

إننى أدعو من تشاء الاجتهاد إلى إجراء دراسة مقارنة بين رواة الأحاديث، من حيث مواضيعها، المرحلة الزمنية من الدعوة الإسلامية التى قيل فيها الحديث، المسار الجغرافى الذى انتقل فيه الحديث (أيها انتشر بين رواة الشام، وأيها بين رواة الكوفة والبصرة، وأيها بين رواة المدينة)، إلخ.

العلم الحديث، وتكنولوجيا قواعد البيانات الكمبيوترية، ستسهل ذلك. من اليسير الآن أن تبحثى بـ«مفاتيح الكلمات»، أو باسم «شخص معين فى سلسلة السند» وتنظرى فى المواضيع المرتبطة برواياته. فلنستفد من كل هذا. هذا هو الرد الأمثل من العقلاء، الراغبين بحق فى المعرفة، على أعداء البحث والتفكير من الشتامين الصخابين.


المصدر : أخبارك
المشاهدات 1692 | التعليقات 1

هل من أحد له في علم الحديث أن يرد على هذا الشخص