لمن قاسى المتاعب

يوسف العوض
1442/10/26 - 2021/06/07 14:43PM

لمن قاسى المتاعب 1442/11/1هـ
 

 

الخطبة الاولى 


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) وبعدُ .
 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ الدُّنْيَا طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا صَفْوًا مِنْ الْأَقْذَارِ وَالْأَكْدَارِ ، فالبلايا وَالرَّزَايَا صِفَةٌ لَهَا وَمَعَ اسْتِصْحَاب قَوْلِه تَعَالَى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبِدِ ) يَتقينُ المؤمنُ حِينِهَا هذه الْحَقِيقَةَ ، فالْمُؤْمِنُ يَغْتَنِمُ العُروضَ ويَهتَبلُ الفُرَصَ فَيُجْعَلُ مِن الرَّزِيَّةِ مَزيَّةً وَمَن الْبَلِيَّةِ عَطِيَّةً ، وَنَحْنُ نقفُ مَعَ حَدِيثٍ يرويه الإمامُ مُسلمٌ يُتَرْجِمُ مَا ذَكَرْنَاهُ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا " . قَالَتْ : فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ ، قُلْتُ : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ ، فَقُلْتُ : إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ ، فَقَالَ : أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا ، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ .
 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : في هذا الحَديثِ تَوجيهٌ وإِرشادٌ نَبويٌّ لِلمسلمينَ أنْ يُسلِّموا أَمرَهم للهِ عندَ نُزولِ المَصائبِ بهِم وأنْ يَلجَؤوا إلى حَولِه وقُوَّتِه سُبحانَه؛ فهوَ المُقدِّرُ وهوَ مِن عندِه العِوَضُ ، فعندَما تُصيبُه أيُّ مُصيبةٍ كانت ، فَيقولُ ما أَمرَه اللهُ بهِ عندَ نُزولِ المَصائبِ مَع الصَّبرِ وعَدمِ الجَزعِ -إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعون- فهوَ يُعلنُ صَراحُةً أنَّ ذَواتَنا وجَميعَ ما يُنسَبُ إِلينا للهِ مُلكًا وخَلقًا، وإنَّا إِليه راجِعون في الآخرَةِ، ثُمَّ يَدعو قائلاً -اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا - فيطلبُ مِنَ اللهِ الأجرَ والجزاءَ والثَّوابَ في مُصيبَته ، وأنْ يجعَلْ له خَلفًا ممَّا فاتَ عَنه في هَذه المُصيبَةِ خيرًا منَ الفائتِ فِيها .

أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : تَقولُ أمُّ سَلمةَ وهي التي قَاسَت الْمَتَاعِبَ ، وَصَبَرْت عَلَى الابتلاءاتِ ، فلمَّا ماتَ أَبو سلمَةَ -زَوجُها عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الأَسدِ المَخزوميَّ-  قالت في نَفسها أو بلِّسانِها تَعجُّبًا:أيُّ المسلمينَ خيرٌ مِن أَبي سلمَةَ ؟! ثُمَّ بَيَّنت خَيريَّةَ أَبي سَلمةَ في أنَّ بيتَه هو أَوَّلُ بيتٍ هاجرَ مَع عِيالِه في سبيلِ اللهِ لاعتقادِها أنَّه لا أَفضلَ مِن أَبي سلمَةَ ولم يَدرْ في خُلدِها ولَم تَطمعْ أن يَتزوَّجَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فتعجَبُتْ مِن تَنزيلِ قَولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَلَى حَالِهَا ! فَإِذَا بِهَا تَعُودُ لِرُشْدِهَا وتتَعزَى بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استَجابةً لأَمرِ رَسولِ اللهِ، فقُالت كَلمةَ الِاسترجاعِ والدُّعاءَ المَذكورَ بَعدها، فأَخلَف اللهُ لها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَعلَها زَوجةً له وأمَّاً للمؤمنينَ فكان عِوضًا وخيرًا لها مِن زَوجها أَبي سلمَةَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ثُمَّ ذَكرتْ أُمُّ سلمةَ كيفَ كانت خِطبتُها مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وَماذا طَلبتْ فَقالت: أَرسلَ إِليَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حاطبَ بنَ أَبي بَلتعةَ يَخطِبُني لَه، فقُلتُ: إنَّ لي بنتًا وأنا غيورٌ، فَقال: أمَّا ابنتُها فنَدعو اللهَ أن يُغنِيَها عنها، وأدْعو اللهَ أنْ يُذهِبَ بالغَيرةِ ، وَكان مِن بَركةِ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَها أنْ أغْنَى اللهُ ابنَتَها عَنْها، وذَهبتِ الغَيرةُ مِن صَدرِها ، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه الترمذي وحسنّه الألباني .
 
الخطبة الثانية
 

 الْحَمْدُ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا أَلْهَمَ ، وَعَلَّمَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ نَعْلَمْ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَكْرَمِ ، الْمَبْعُوثِ إلَى سَائِر الْأُمَمِ بِالشَّرْعِ الْأَقْوَمِ وَالْمَنْهَجِ الْأَحْكَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدُ ..

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : عن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِي اللهُ عنْه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: ( وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ) الترمذي ، إنَّ مُجَرَّدَ شُعُورِ الْإِنْسَان بِالضَّيْق وَعَدَمِ التَّحَمُّلِ ، وتَمنِّيه أَنَّ مَا وَقَعَ بِهِ مِنْ الشِّدَّةِ لَمْ يَكُنْ وَقَع ، كُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي الصَّبْرَ ، مَادَام لَمْ يَعْصِ رَبِّه بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، وَأَمَّا الرَّاضِي فَلَا يَجِدُ ذَلِكَ الضِّيقَ وَالْأَلَمَ لِأَنَّه يَتَقَلَّبُ فِيمَا يَخْتَارُهُ اللَّه بِنَفْسٍ رَاضِيَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ ، فَيَكُون الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْزَن مِنْ الْمُصِيبَةِ . فَالْكُلّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ لِتَمَام رِضَاه بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينَنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا ، وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ .

 

المشاهدات 1209 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا