لمن فرّط بالحج ! 1443/10/19 هـ

يوسف العوض
1443/10/16 - 2022/05/17 11:42AM

الخطبة الأولى

أيّها المسلمون : حديثي اليومَ لمنْ فرّطَ في ركنِ الإسلامِ ألا وهوَ حجُ بيتِ اللهِ الحرامِ وقدْ تقدّمَ بهِ العمرُ وتقرّبَ لهُ الأجلُ ومازالَ يسوفُ ويتعللُ ويبررُ ويتعذرُ وقدْ سافرَ إلى أقاصي الدنيا وعجائبِ البلدانِ ولم يظفر منه الحج حتى الآن بمكان فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فلعلَ كلامي يقعُ منهُ في مسمعٍ ويصيبُ منهُ في مرمى واللهَ أسألُ أن يشرحَ صدورنا لما يحبُ ويرضى .

أخي المسلم : فرضَ اللهَ تعالى على عبادهِ الحجَ إلى بيتهِ العتيقِ في العمرِ مرةً واحدةً ، وجعلهُ أحدَ أركانِ الإسلامِ الخمسةِ التي بُنيَ عليها ، لقولهِ : " بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ … " وذكرَ منها : " حجَ بيتِ اللهِ الحرامِ " متفقٍ عليهِ ، فالحجُ فريضةٌ ثابتةٌ بالكتابِ والسنةِ والإجماعِ ، فمنْ أنكرَ فرضيتهُ وهوَ يعيشُ بينَ المسلمينَ فهوَ كافرٌ ، أما منْ تركهُ معَ إقرارهِ بفرضيتهِ فليسَ بكافرٍ على الصحيحِ ، ولكنهُ آثمٌ مرتكبٌ كبيرةً منْ أعظمِ الكبائرِ ، ولذلك لما كانتْ النفوسُ مجبولةً على محبةِ الأوطانِ وعدمِ مفارقتها ، رغّبَ الشارعُ في الحجِ ترغيبا شديدا ، وجعل لهُ فضائلَ جليلةً ، وأجورا كبيرةً ، لأنهُ يتطلبُ مفارقةَ الأوطانِ والمألوفاتِ منْ أهلٍ ومالٍ وصاحبٍ وعشيرةٍ ، وكذلكَ حثا للعبادِ على قصدِ هذا البيتِ بالحجِ والزيارةِ ، وتشويقا لهمْ إلى رؤيةِ تلكَ المعالمِ التي هبطَ فيها الوحيُ ونزلتْ فيها الرسالةُ .

أخي المسلم : سارعْ ولا تتأخرْ فربُّنا تعالى قال : " وللهِ على الناسِ حجَ البيتِ منْ استطاعَ إليهِ سبيلاً ومنْ كفرِ فإنَ اللهَ غنيٌ عنْ العالمينِ " وقالَ النبيُ عليه الصلاة والسلام : " تعجلوا إلى الحجِ ، فإنَّ أحدكمْ لا يدري ما يعرضُ لهُ "  أحمدْ وأبو داودْ  وقالَ : " منْ أرادَ الحجَ فليتعجل ، فإنهُ قدْ يمرضُ المريضُ ، وتضلُ الضالةُ ، وتعرضُ الحاجةُ " أحمدْ وابنُ ماجهْ وحسنهُ الألباني ، وقالَ عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ : " لقدْ هممتُ أنْ أبعثَ رجالاً إلى هذهِ الأمصارِ ، فننظرَ كلَ منْ كانتْ لهُ جدةُ ولمْ يحجْ ، فيضربوا عليهِ الجزيةَ ، ما همَ بمسلمينَ . . ما همَ بمسلمينَ " صححهُ ابنْ حجرْ ، وقالَ علي بنُ أبي طالبْ رضي اللهْ عنهُ : " استكثروا منْ الطوافِ بهذا البيتِ ، قبلُ أنْ يحالَ بينكمْ وبينهُ " .

أيّها المسلم : الحجُ يهدمُ ما كانَ قبله فعنْ عمرو بنِ العاصِ قالَ : ( لما جعلَ اللهُ الإسلامَ في قلبي ، أتيتُ رسولَ اللهِ فقلتُ : أبسطْ يدكَ فلأبايعكَ فبسطَ فقبضتُ يدي فقالَ : { مالك يا عمرو ؟ } قلتُ : أشترطُ  قالَ : { تشترطُ ماذا ؟ } قلتُ : أنْ يغفرَ لي  قالَ : { أما علمتَ أنّ الإسلامَ يهدمُ ما قبله ، وأنّ الهجرةَ تهدمُ ما كانَ قبلها ، وأنّ الحجَ يهدمُ ما كانَ قبله ؟ ) رواهُ مسلمٌ .

أخي المسلم : الحجُّ طهارةٌ منَ الذنوبِ فعنْ أبي هريرة قالَ : سمعتُ النبيَّ يقولُ : " منْ حجَ فلمَ يرفثْ ولمْ يفسقْ رجعُ كيومِ ولدتهُ أمّهُ " لفظَ البخاري ولفظُ مسلمٍ : " منْ أتى هذا البيتَ " وهوَ يشملُ العمرةَ وعندَ الدارَ قطني : " منْ حجَ واعتمرَ " والرفثُ : الجماعُ ، أوْ التصريحُ بذكرِ الجماعِ أوْ الفحشِ منْ القولِ ، والفسوقُ : المعاصي . ومعنى : " كيومِ ولدِ تهْ أمّهُ " أيْ بلا ذنبٍ ، قالَ ابنُ حجرٍ : ( وظاهرهُ غفرانُ الصغائرِ والكبائرِ والتبعاتِ ) .

أيّها المسلم : الحجُ منْ أفضلِ أعمالِ البرِ فعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قالَ : سُئلَ النبيُ : "  أيُّ الأعمالِ أفضلُ ؟ قالَ : إيمانٌ باللهِ ورسولهِ . قيلَ ثمَ ماذا ؟ قالَ : جهادٌ في سبيلِ اللهِ . قيلَ : ثمَ ماذا ؟ قالَ : حجٌ مبرورٌ " متفقٌ عليهِ ، قالَ أبو الشعثاءِ : ( نظرتُ في أعمالِ البرِّ ، فإذا الصلاةُ تجهدُ البدنَ ، والصومُ كذلكَ ، والصدقةُ تجهدُ المالَ ، والحجُ يجهدهما ) .

أخي المسلم : ومن فضائلِ الحجِ المبرورِ ما جاء من حديثِ أبي هريرة أنَّ رسولَ اللهِ قالَ : " العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما ، والحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلا الجنةُ "  متفقٌ عليهِ ، والحجُّ المبرورُ : هوَ الذي لا يخالطهُ إثمٌ ، وقيلَ : المتقبلُ ، وقيلَ : الذي لا رياءَ فيهِ ولا سمعةَ ، ولا رفثَ ولا فسوقَ ، وقيلَ : علامةُ برِّ الحجِ أنْ تزدادَ بعدهُ خيرا ، ولا يعاودَ المعاصيَ بعدَ رجوعهِ ، وعنْ الحسنِ البصري قالَ : ( الحجُّ المبرورُ ؟ أنْ يرجعَ زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ) ، وروى أنَّ الحجَّ المبرورَ هوَ إطعامُ الطعامِ ، وطيبٌ الكلامِ ، وإفشاءُ السلامِ . والصحيحَ أنّهُ يشملُ ذلكَ كلهُ .

أخي المسلم : الحجُّ أفضلُ الجهادِ فعنْ عائشة رضيَ اللهُ عنها أنّها قالتْ : يا رسولَ اللهِ ، نرى الجهادَ أفضلَ العملِ ، أفلا نجاهدُ ؟ قالَ : " لكنَّ أفضلَ الجهادِ حجٌّ مبرورٌ "  متفقٍ عليهِ ، والحجُّ جهادُ المرأةِ فعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ : " قلتُ يا رسولَ اللهِ ! ألا نغزوَ ونجاهدُ معكمْ ؟ فقالَ : " لكنَّ أحسنَ الجهادِ وأجملهُ الحجُ ، حجٌ مبرورٌ " قالتْ عائشة : فلا أدعُ الحجَّ بعد إذْ سمعتُ هذا منْ رسولِ اللهِ " متفقٍ عليهِ ، وعنْ أبي هريرة مرفوعا : " جهادُ الكبيرِ والضعيفِ والمرأةِ : الحجُّ والعمرةُ "  النسائيِ وحسنهِ الألباني .

أخي المسلم : الحجُّ والعمرةُ ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ فعنْ جابرِ رضيَ اللهُ عنهُ ، أنَّ النبيَ قالَ : " أديموا الحجَّ والعمرةَ ، فإنّهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ ، كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ " رواهُ الطبراني والدارقطني وصححهُ الألباني وعنْ ابنْ مسعودْ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : " تابعوا بينَ الحجِ والعمرةِ فإنهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ ، وليسَ للحجةِ المبرورةِ ثوابٌ إلا الجنةُ " أحمدْ والترمذي وصححهُ الألباني " .

أخي المسلم : ومن فضائل الحجّ ما جاء في فضلِ النفقةِ فيه فعنْ بريدة رضيَ اللهُ عنهُ ، عنْ النبيِ قالَ : " النفقةُ في الحجِ كالنفقةِ في سبيلِ اللهِ بسبعمائةِ ضعفٍ "  أحمدْ والبيهقي وصححهُ السيوطي ، ومن فضائل الحجّ دعوةُ الحاجِ مستجابةٌ فعنْ ابنِ عمرْ رضيَ اللهُ عنهما عنْ النبيِ قالَ : " الغازي في سبيلِ اللهِ والحاجُّ والمعتمرُ وفَدُ اللهِ : دعاهمْ فأجابوهُ ، وسألوهُ فأعطاهمْ " ابنُ ماجهْ وابنُ حبانْ وصححهُ الألباني ، والحاجُ في ذمّةِ اللهِ وحفظهِ فعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عنْ النبيِ قالَ : " ثلاثةٌ في ضمانِ اللهِ عزَ وجلَ : رجلٌ خرجَ إلى مسجدِ منْ مساجدِ اللهِ ، ورجلٌ خرجَ غازيا في سبيلِ اللهِ ورجلٌ خرجَ حاجا " رواهُ أبو نعيمٍ وصححهُ الألباني .

 وبالله التوفيق وعليه التكلان ..

 

الخطبة الثانية

أيّها المسلم : تأمّل في حديث مليا وتفكر جليا ثم قررْ الآن فعنْ ابنِ عمرَ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : " أما خروجكَ منْ بيتكَ تؤمُ البيتَ الحرامَ ، فإنَّ لكَ بكلِ وطأةٍ تطؤها راحلتكَ ، يكتبَ اللهُ لكَ بها حسنةً ، ويمحو عنكَ بها سيئةً ، وأما وقوفكَ بعرفةَ ، فإنَ اللهَ عزَ وجلَ ينزلُ إلى السماءِ الدنيا ، فيباهي بهمْ الملائكةُ ، فيقولُ : هؤلاءِ عبادي ، جاءوني شعثا غبرا منْ كلِ فجٍ عميقٍ ، يرجونَ رحمتي ، ويخافونَ عذابي ولمْ يروني ، فكيفَ لوْ رأوني ؟ فلو كانَ عليكَ مثلُ رملِ عالجَ – أيَ متراكمٍ – أوْ مثلُ أيامِ الدنيا ، أوْ مثلُ قطرِ السماءِ ذنوبا غسلها اللهُ عنكَ ، وأما رميكَ الجمارَ فإنهُ مدخورٌ لكَ ، وأما حلقكَ رأسكَ ، فإنَّ لكَ بكلِ شعرةٍ تسقطُ حسنةً ، فإذا طفتَ بالبيتِ خرجتَ منْ ذنوبكَ كيومِ ولدتكَ أمكَ " الطبراني وحسنهُ الألباني  .

أخي المسلم : لا تحرمْ نفسكَ منْ تلكَ الأجورِ وعظيمٍ الهباتِ فإننا جميعا في أمسِ الحاجةِ إلى الحسناتِ ، ومغفرةِ الذنوبِ والسيئاتِ ، فلماذا التسويفُ والتأجيلُ ومنْ ورائنا خطبٌ جللٌ ؟! ولماذا الفتورُ والكسلُ وأنتَ مأمورُ بإحسانِ العملِ ؟! فعنْ ابنِ عباسٍ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : " لا صرورة في الإسلامِ " رواهُ الحاكمُ وصححهُ ووافقهُ الذهبيُ والصرورة : تركُ الحجِ .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. .

المرفقات

1652788222_الحج.pdf

المشاهدات 515 | التعليقات 2

مناسبة للنفوس لتتهيأ وتعزم على الحج لقرب موسمه


جزاك الله خيرا