لمحات من سيرة الخليل عليه السلام (1)

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد أمر الله تبارك وتعالى خير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله باتخاذ قدوة حقيقة متبرئًا مما عليه أهل زمانه من الشرك وعبادة الأوثان فقال جل شأنه لنبيه صلى الله عليه وسلم ]ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[. بل إن الله أمر عباده المؤمنين أن يلتمسوا القدوة والأسوة الحسنة في إبراهيم عليه السلام ومن كان معه من الأنبياء ومن سار على منهجه فقال سبحانه ]قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ[ وبمثل هؤلاء يكون الاقتداء والاتباع. فهذه لمحات من حياة الخليل إبراهيم عليه السلام.. فقد نشأ الخليل عليه السلام في بيت أبيه وكان أبوه من عباد الأصنام المدافعين عنها المنقطعين لعبادتها، لكن الله جل جلاله منَّ على خليله إبراهيم منذ صباه فآتاه عقلاً سديدًا ورأيًا رشيدًا، وهداه ربه إلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى ]وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ[ فأنقذه الله من بين قومه وأهل بيته من عبادة الأوثان، وهداه إلى سبيل الرشاد توفيقًا منه سبحانه لخليله. وجعل الخليل إبراهيم عليه السلام أحد أولي العزم الخمسة من الرسل وهم الذين أخذ الله منهم ميثاقًا غليظًا ]وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا[. ولقد اصطفاه الله على الناس فاتخذه خليلاً، وجعله الله للناس إمامًا، وجعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وجعله الله أسوة لعباده المؤمنين، وجعله من خير البرية، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام). ووما يدلُّ على عِظَم اصطفاء الله لخليل عليه السلام.. أننا أمرنا أن نصلي عليه في كل صلاة نصليها فنقول (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"(6). ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة. نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين. نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدًا وأبًا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب. لقد تحدث ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم عن مواقف إيمانية عديدة لخليل الرحمن عليه السلام.. من تلك المواقف: موقف الخليل إبراهيم عليه السلام ودعوة أبيه آزر: قال تعالى ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا[. فهذا الموقف وغيره ... لابد لكل مسلم وهو يقرأ القرآن أن يتدبر ويستفيد منها، فهذه القصص جند من جنود الله يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده. أسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله ...   الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... استمعنا لتلك الآيات العظيمة في ذكر موقف خليل الرحمن من أبيه آزر، ويستفاد من ذلك: فمن نظر إلى أسلوب الخليل إبراهيم -عليه السلام- وما فيه من اللطف والرقة وحسن الأدب، فهو يخاطب أباه بقوله: {يَاأَبَتِ} وكررها في معرِض خطابه أكثر من مرة دليل على حسن بره بأبيه وخوفه وشفقته عليه من الوقوع في العذاب، وهكذا لابد لأبناء المسلمين أن يقتدوا بهذا، وكذلك لابد للداعية أن يكون في مخاطبته للناس أن يكون رفيقًا بهم مشعرًا لهم بحبه وحرصه على مصلحتهم وعليه أن يلتزم التواضع وخفض الجناح لهم. فقد أمرنا الله باتباع ملة إبراهيم -عليه السلام-، فمن اتباع ملته، سلوك طريقه في الدعوة إلى الله، بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة، والصبر على ما ينال الداعي من أذى الخلق بالقول والفعل، ومقابلة ذلك بالصفح والعفو، بل بالإحسان القولي والفعلي.  ثم مع هذا الأسلوب الرفيع الحسن إلا أن والد إبراهيم لم يستجب لقوله ونصحه بل قابله بكل غضب وعنف وسِباب، إلا أن إبراهيم عليه السلام لم يقابله بعنف آخر ولم يخرجه ذلك عن حدود الأدب مع أبيه، قال ]سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا[. ثم أعلن الخليل إبراهيم -عليه السلام- عن شخصيته ودينه وبراءته من الشرك وأهله فقال ]وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا[ فأراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلًا وولدًا يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال عن قومه. والمواقف لخليل الرحمن كثيرة مذكورة في القرآن والسنة، أسأل الله أن ييسر ذكرها في الخطب القادمة. وصلى الله على نبينا محمد
المرفقات

1653632631_لمحات من سيرة خليل الرحمن.docx

1653632643_لمحات من سيرة خليل الرحمن(1).pdf

المشاهدات 418 | التعليقات 0