لماذا نتذكر دروس الألم أكثر من غيرها؟

محمد مرسى
1436/10/07 - 2015/07/23 21:51PM
نظن أحياناً أننا نتعلم من التجارب الحزينة والمؤلمة أكثر مما نتعلمه من غيرها، وهو أمر غيرصحيح. البشر عادة يخرجون بخبرات جديدة من التجارب المؤلمة، لا خلاف هنا؛ الخلاف في تصديق أن الألم هو معلمك الأول أو ربما الوحيد..
نتذكر الدروس التي تعلمناها من تجارب حزينة أكثر من غيرها ليس لكون الألم علمنا إياها بل لأنه لم يعلمنا إياها إلا بعد أن ترك آثاره.. نتذكر الأثر وقد ننسى الدرس!. على عكس التجارب الجميلة والمبهجة، التي تعلمك دروس الحياة بكل نعومة وحرفية عالية دون أدنى شعور بألم. البهجة هنا تنتصر في تعليمك.. ولأن الدروس التي نتعلمها في رخاء أضعاف أضعاف أضعاف التي تعلمناها بألم ننساها، لأنها كثيرة.. كثيرة جداً، وجميلة، وبدون أثر مؤلم..
حاول أن تتذكر كيف تعلمت القراءة؟ أنت تجيد نطق كل الحروف والكلمات.. لكن ربما تذكر حرفاً معيناً صاحبه ألم عند تعلمه كضرب معلم أو غيره لأنك لم تجيد نطقه أول مرة.. الآن لديك 28 حرفاً تعلمته في رخاء، وحرف واحد صاحبه ألم؟ أنت تذكر الألم الذي صاحب تعلمك الحرف أكثر من الرخاء الذي صاحب الثماني والعشرين حرفاً.. هل هذا يعني أن التجربة المؤلمة كانت مثمرة أكثر في تعلمك؟ لم تكن كذلك. هي فعالة في رسم ذكرى سيئة لك فيما يخص الحرف، وقد تعمل على نقلها لغيرك عند تعليمه نفس الحرف. التجربة المؤلمة هنا باتت جهلا وعقما، تكرر نفسها دون وعي ولا تنتج خيراً أو جمالاً.
كنت أتساءل كثيراً عن جدوى برامج "التعليم بالترفيه" رغم أنها مبنية على دراسات علمية، وأقول: لماذا الترفيه إن كانت الحياة ليست كذلك دوماً، هي خليط من الاثنين السعادة والألم، لماذا نخدع الطلاب ونريهم جانباً واحداً منها فقط؟ طبعاً أنا لا أدعو إلى الضرب والعنف هنا بل إلى محاولة تمثيل دروس الحياة بواقعية أكثر وبتوازن بين نوعي التجارب. لكن يبدو وإن كان الألم يتفوق في الذاكرة برسوخ آثاره إلاّ أن علينا فعلاً أن نخلق تجارب مبهجة لنا ولغيرنا، لأن التجارب المبهجة والجديدة والسعيدة لها أيضاً رسوخ في ذاكرتنا، ليس هذا فقط؛ بل إن الجميع يهرب من الألم ويبحث عن السعادة والجمال.
بل الأكثر من ذلك ربما؛ أن الألم لا يعلمنا! نحن من نربط ربطاً عشوائياً بين المعرفة الجديدة والشعور المصاحب لها. وهو ما يسمى بالتعلم الترابطي (associative learning) .. العقل الإنساني مركب بهذه الطريقة، إن استطعت أن تربط بين شعور مبهج أو مؤلم ومعرفة جديدة صاحبته تسمى هذه التجربة " تعلُّم ".. والخبرة الناتجة " إدراك " بغض النظر عن صحته أو خطئه، لكنه جزء من نمو كياننا الإنساني .. وهكذا ..
الألم يدفعنا إلى التساؤل.. مثله مثل كل الأشياء والتجارب المثيرة والمدهشة التي تستوقفنا لتضع علامات الاستفهام على أدمغتنا. المختلف هنا أن السؤال الذي يرفعه الألم والحزن يبحث دائماً عن جواب لتبديده!
حاول أن تتذكر معي كل الدروس والفوائد التي تعلمتها خلال العام الماضي، دروس حياة أو عمل، من كتب، أو تجارب، أو أشخاص، ماذا تعلمت؟
قد يكون ما تعلمته أن هناك دائماً أسلوب أجمل لإيصال رسالة ما، أو أن الألم شيء بغيض وإن كنا نتعلم معه وليس منه (وربما هذه حسنته الوحيدة) لكنه في ذاته غير مرغوب، أو أن الرحمة مطلوبة دائماً، أو أن الشدة والحزم ضرورة أحياناً، أو أن الرضا وطمأنينة البال من سمات أهل الجنة.
ستلاحظ وجود الاثنين، دروس تعلمتها في رخاء ودروس في شدة، قد تذكر الشدة أكثر، لكن هذا لا يعني انعدام التعلم في الرخاء .. بل نحن من ننسى نِعم الرخاء ونتذكر أكثر خبرات الشدة .. لجحودنا ربما!
أو لأن الرخاء يرسم لوحاته على أرواحنا بهدوء وتدرج وحُسن وتلطف، حتى نحسبها جزءاً من كياننا الخاص .. فلا نفرق بين اللوحة الجميلة الجديدة وبين ما كنا عليه من قبل. لأننا نحب أو نشعر بالانتماء إلى الجمال والحُسن، ونرى الألم دخيلاً وضيفاً ثقيلاً!
تذكر وحاول التركيز أكثر على خبرات الرخاء والسعادة.. هي موجودة بالتأكيد.. مخبوءة في ذاكرتك.. حاول استدعاءها.. أو إيجادها!
خلاصة .. تعرّف على الله في الرخاء!
بقلم: حنان عبد الحميد
المشاهدات 937 | التعليقات 0